• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الأسرة والمجتمع/ج1

أ. د. عبدالكريم بكار

الأسرة والمجتمع/ج1
◄شيء جيِّد أن يتذكر الواحد منا أنّه في نظر شخصٍ ما هو قدوة وأسوة، هذا الشخص قد يكون ابناً أو تلميذاً أو صديقاً، وشيء جيد أن يكون عند حسن ظنه، وألا يعمل عملاً يُشعره بالخذلان.

القلوب المملوءة بالعرفان وتذكر الجميل قلوب مملوءة بالسكينة والارتياح، وشيء عظيم أن يقوم الإنسان بإهداء المدرسة أو الجامعة التي درس فيها شيئاً من المال أو الكتب أو الأثاث، وأن يجعل ذلك عادة سنوية له.

سلامة الحياة العامة ورقي المجتمعات التي نعيش فيها مسؤوليتنا جميعاً، وإنّ هذه المسؤولية تتطلب منا ألا نُغمض عيوننا عن الشرور التي تحيط بنا، بل علينا محاصرتها بكلّ وسيلة ونشر الخير بأفضل الوسائل.

حماية الأعراف الصالحة مسؤولية جماعية، لأنّنا إذا فقدناها لم نعرف كيف نوفر أي أرضية للعيش المشترك، وقد قال أحد الفلاسفة: "عندما تكون الأعراف كافية، فلا داعي للقوانين، وعندما لا تكون كافية يستعصي تطبيق القوانين".

معظم الناس يسعون إلى أن يفهمهم الآخرون، هذا هو الذي يهمهم، أما الصفوة أهل العقول النيرة، فيشعرون أنّ جزءاً من مسؤوليتهم الاجتماعية محاولة فهم الآخرين أوّلاً، والعمل بمقتضى ذلك الفهم ثانياً.

إنّ الناظر في آدابنا وأخلاقنا الإسلامية يجد أنّ كثيراً مما يدمِّر العلاقة بين العبد وربه هو نفسه الذي يدمِّر العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان، ويأتي في مقدمته الكذب والغش والعقوق والظلم.

أمر الناس في هذا الزمان عجيب، فهم يملكون أحدث وسائل الاتصال، لكنهم يشعرون بعزلة عميقة عن بعضهم بعضاً، وقد صار ذلك واحداً من ملامح الأسرة الحديثة، ولهذا فإنّ تنظيم أوقات في الأسبوع يجتمع فيها كلّ أفراد الأسرة، صار من الأمور المهمة.

هناك أشخاص محترفون في قتل الإبداع، فإذا ذكرتَ لهم أنّ لديك فكرة جديد قالوا: قد جربناها من قبل، أو قالوا: لسنا في حاجة إلى أفكار جديدة وأوضاعنا جيدة، أو قالوا: هل جرَّبها أحد من قبل؟ أو قالوا: ليس لدينا وقت لتجريب أي شيء... الأفضل لك ألا تعرِض شيئاً جديداً عليهم، فربما جذبوك إلى صفوفهم.

كثيراً ما نُؤخَذ بالمظاهر، فنحسد أشخاصاً، ونتمنى أن نكون مثلهم، ولو أنّنا عرفنا حقيقة أحوالهم وأوضاعهم لحمدنا الله – تعالى – أن لم نكن على شاكلتهم.

الصداقة أخذ وعطاء وبرٌّ ووفاء ومؤانسة متبادلة، وهي مهما كانت قوية وصادقة فإنّ لها في نهاية المطاف قدرة محدودة على التحمل، فإذا حمّلنا الصديق ما لا يطيق من التكاليف، أو وقعنا معه في أخطاء شنيعة، فإنّنا نخسره، ونخسر صداقتنا معه. الخلاف والاختلاف مصدر سعة وثراء وتنوع، ولا يشكِّل خطورة على وحدتنا ومسيرتنا إلّا إذا تجاوز نطاق الجزئيات والفرعيات إلى نطاق الأصول والكليات.

أمران يُكسبان المرءَ احترامَ الآخرين له، الأوّل: أن يعاملهم بالطريقة التي يحب أن يعاملوه بها، والثاني: أن يترك التدخل في الأمور التي لا تعنيه، وقد قال (ص): "من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه".

يدل بعض الدراسات على أنّ المرأة تتحدث في اليوم ما متوسطُه ثلاثة عشر ألف كلمة، على حين أنّ الرجل يتحدث ما متوسطهُ ثمانية آلاف كلمة، وهذا يجعلها تشعر في أعماقها أنّ زوجها يميل إلى الصمت، أو أنّه لا يرتاح للتحدث إليها، وهذا يملي على الرجل أن يوجد مادة للمسامرة كلما التقيا (دبِّر نفسك!).

ليس هناك أشخاص جيدون في كلّ شيء، وأشخاص سيئون في كلّ شيء، بل إنّ هناك أشخاصاً جيدين يفعلون أفعالاً سيئة، وأشخاصاً سيئين يفعلون أفعالاً جيدة. هل هذا يعني شيئاً محدداً؟

ليس لنا ولا لمن نخالطهم مصلحة في التدقيق في شؤونهم، لأنّ التدقيق والإشراف عن قرب لا يأتي غالباً إلّا بخيبة الأمل، رحم الله بن عباس إذ يقول: إنّ أمور التعايش في مكيال، ثلثُه الفطنة وثلثاه التغابي!.

أشكال النجاح كثيرة، وإنّ من أهمها النجاح في تكوين أسرة متماسكة وسعيدة والنجاح في تربية الأولاد تربية إسلامية جيدة، وهذا يحتاج إلى ثقافة تربوية ممتازة وإلى خلق رفيع.

لو نظر كلّ واحد منا في تاريخه الشخصي لوجد أنّ معظم القرارات الخاطئة التي اتخذها في الماضي كان بسبب التقصير في المشاورة، ولوجد أنّه عانى من كثير من المشكلات بسبب إفشائه لأسراره، فهل نتعلم من الماضي ما ينفعنا في المستقبل؟

أُمّة الإسلام أُمّة كبيرة، ويظل في حاضرها ما يُفرح، وما يُحزن، فلنتفاءل بما يسرُّنا منها في المناسبات السعيدة، وإذا حان وقت العمل، فعلى كلّ واحد منا أن يبذل ولو جهداً قليلاً في التخفيف من معاناة مسلم، وبذلك نكون قد وقفنا الموقف الصحيح المتزن.

المؤمن الحقّ يتعامل مع الناس من أفق تعامله مع الله تعالى، فهو يعطي لله، ويصبر على الأذى لله، ويعود المريض لله، وبذلك تصبح حياته ومماته لله رب العالمين، وهذا غاية التوفيق.

تدل تجارب الأمم على أنّه حين ينتشر الظلم وهضم الحقوق لا يبقى لدى المظلومين شيء يتورعون عنه، فتكثر الخيانة واللصوصية، وتنحط أخلاقيات المجتمع بسبب إساءات الظالمين وثأر المظلومين.

إذا حدث خلاف بين الزوجين، فإنّ مما يخفف من حدته الإصغاء لما يقوله أحدهما لصاحبه، وعدم المسارعة إلى الرد عليه، ومن المهم جدّاً ألا يتعود أيٌّ منهما الانسحاب من الحوار، فقد ثبت أنّ اليأس من جدوى الحوار بين الزوجين كثيراً ما يكون من أسباب الطلاق.

لابدّ من سعة الصدر حتى تستقيم حياتنا، ومن المؤسف أنّ بعض الرجال يرعد ويزبد إذا تأخر طعامه عن موعده بضع دقائق، وبعض النساء تحوِّل البيت إلى جحيم وصراع إذا تأخر زوجها في إحضار شيء طلبته منه، أو جاء بشيء مغاير لنوعيةٍ محددة طلبتها، وهذا منافٍ لخلق العِشرة بالمعروف الذي أُمِرنا به.

حسن الظن بالناس مطلوب، لكن الطيبة الزائدة في المعاملات المالية والخوف من اتهام الناس لنا بأنّنا لا نثق بهم كثيراً ما تُفسد العلاقات بين الناس، وتجعلهم يخسرون بعضهم بعضا، ومن هنا نفهم الإرشاد الرباني لنا بتوثيق الديون.

الماء يغلي عند درجة مئة، لكن بعض الناس، يثور ويفور عند أي إزعاج يصادفه أو سماع كلمة يرى أنّها لا تليق به، ومن ثم فإنّ الحكمة تقضي أن نعامل الناس بحذر، ولاسيّما في حالة المزاج، فما يصلح لفلان، قد لا يصلح لغيره، والعاقل مَن اتعظ بغيره.

حين نبحث عن الصفات الجميلة لدى الناس، فإنّنا سنعثر على شيء منها، وحينئذ فإنّنا سنحبهم، ونساعدهم، وهذا سيدفعهم إلى أن يفعلوا معنا مثل ذلك، والنتيجة تحابب وتوادد، وهذا مما يقرِّب العبد من ربّه تعالى.

بعض الناس يشكون من العزلة وإعراض الآخرين عنهم، وهذا يؤثر تأثيراً سلبياً في حياتهم، وحين يحدث شيء من ذلك فقد يكون بسبب أنانية الشخص أو نقده اللاذع أو عدم كتمانه للأسرار، وقد يكون بسبب جموده وفقر المعاني التي يمكن للآخرين أن يستفيدوها من وراء مجالسته.

إذا طلب منك أحد الناس كتمان سرٍ يود قوله لك، فاعتذر إليه عن ذلك إذا كنتَ لا تستطيع كتمانه عن بعض الناس المقرّبين إليك، فهذا خير من خيانة الأمانة والوقوع في الإثم.

إنّ الصداقة تشكِّل مصدر سعادة عظمى للإنسان لكنها مهما كانت متينة وعميقة فإنّها تظل هشة، وتحتاج إلى رعاية دائمة من خلال برِّ الصديق والسؤال عن أحواله ومحاولة مساعدته في كلّ الظروف.

معظم الناس لا يستطيعون أن يقدِّموا لإخوانهم هدايا نفيسة، لكنّنا جميعاً نستطيع أن نقدم أشياء صغيرة، تترك في نفوسهم أبلغ الأثر، وأنا لا استطيع أن أنسى حين عطست في المسجد، وسارع شخص بجواري وأكبر مني سناً إلى مناولتي منديلاً من علبة أمامنا، شعرت بحقّ أنّني أسيرُ لُطفه!

إنّ من تمام الإيمان أن يحب المرء لإخوانه، ما يحبه لنفسه، وأن يكره لهم ما يكرهه لنفسه.

إنّ من حقّ المتحدث علينا أن نُصغي إليه باهتمام، وألا نُصدر حُكماً على ما يقول حتى يفرغ من كلامه، وإنّ من المؤسف أنّ مجالسنا كثيراً ما تكون مشحونة بالمقاطعات والأحكام المستعجَلة.

إنّ العدل خلق من أعظم الأخلاق، وهو يشتمل على الكثير الكثير من المواقف والعلاقات، وإنّ من العدل والنبل أيضاً أن لا نطلب من ابن أو موظف أو زوجة عملاً لا نحب نحن القيام به.

حين يعيش الإنسان في بيئة صعبة وقاسية فإنّ اليأس يسيطر عليه، ومن ثم فإنّ عقله يتجه في الغالب نحو إدراك الأبواب المقفَلة ورؤية العوائق والحواجز التي تعترض سبيله، لهذا فإنّ تحسين البيئة العامّة هو العمل الذي لا يُغني عنه أي عملٍ آخر.

إنّ زيارة الموظفين في أعمالهم ليست من الأمور الجيدة، وهي محرجة ومضيعة للوقت، فإذا زارك أحد الأصدقاء من غير موعد، فسلِّم عليه وأنت واقف، ولا تدعُه إلى الجلوس، وهو سيدرك في الغالب أنّك غير مستعد لمحادثته واستضافته.

حاول دائماً أن تكون ودوداً لطيفاً، فقد تجاوز اللطف كلّ الاختبارات في كلّ الأزمنة والأمكنة، والشخص اللطيف يحسن إلى نفسه أوّلاً، ويستطيع دائماً أن يلقى المعاملة اللطيفة. اللطف يُعبّر عن سمو صاحبه وعن اهتمامه بغيره في آنٍ واحد، وهو ضروري اليوم من أجل توفير أجواء السلم والسلام.

يصادف الواحد منا في حياته أشكالاً عديدة من الناس، فيهم الطيبون وفيهم الطفيليون الذين يريدون أن يعرفوا كلّ شيء عنك، فإذا ابتُليتَ بواحد منهم، فلا تتردد في أن تُشعره بأنّه تجاوز حدوده، ودخل في دائرة خصوصياتك.

إنّ معظم الثواب وأجزله من نصيب الجهد الذي نبذله في خدمة الناس والإحسان إليهم، وهذا واضح جدّاً إذا استعرضنا النصوص الدالة على مثوبة كفالة اليتيم ورعاية الأرملة والضعيف وعيادة المريض..

حاول دائماً أن تنهض بمن حولك من خلال جعلك لنفسك قدوة لهم في الصدق أو الجدية أو الوفاء بالوعد أو السماحة أو الحلم أو بر الوالدين أو خدمة الإخوان...

بعض الناس يستحون من مدح أنفسهم على نحو مباشر، فيلجأون إلى ذم غيرهم حتى تظهر فضائلهم، فيقعون في الإثم ويُفسدون متعة المجالس بالتشاؤم وعرض الصور القبيحة.

قد يجد المرء نفسه في ظروف لا تسمح له بأن يكون أنيقاً كما ينبغي، وليس في هذا بأس، لكن الذي لا ينبغي أن نتنازل عنه هو أناقة الروح ولطف المشاعر والاهتمام بمن حولنا.

تريد أن تدخل السرور على مَن حولك، وتريد أن تُسعدهم وتُشعرهم بأهميتهم؟ إذن استمع إليهم باهتمام.

التواصل في الحياة هو ذلك الحبل السري الذي يغذي عقولنا وأروحنا، وهو عملية دقيقة وشاقة لأنّها تشتمل على حسن التفهم والمراعاة والحرص على المشاعر.. ولا يستسهل أمر التواصل إلّا المستبدُ المتجبر والخاضع الذليل.

إنّ حُسن استماعنا لمن يحدثنا يعبر عن احترامنا له، ويساعد على توثيق الصلة به، وقد أفادت بعض الدراسات أنّ 75% من العلاقات الإنسانية يمكن بناؤها عن طريق مهارة الإنصات الجيد، وإنّ التشاغل عن المتحدث بأي شيء مهما كان مهماً، يشكِّل نوعاً من الاستهانة به.

إذا وجد الواحد منا صديقاً صالحاً وفياً، فليقبل اعتذاره، وليُحسن إليه، فإنّ العثور على الصديق المخلص صعب، وفقدانه سهل.

إذا جلستَ مع شخص أثقَلَتْهُ الهموم، فلا تحدِّثه عن نجاحاتك، ولا تغرقه بالأفكار المثالية، فتولِّد لديه الشعور بالعجز، ولكن قم بمواساته، وقوِّ ثقته بالله تعالى ودلّه على بعض الخطوات الصغيرة التي تخفف من كربه.

إنّ الثقة تشكل جزءاً عزيزاً من رأس مالنا الاجتماعي، فنحن من خلالها نمضي مطمئنين وآمنين من الغدر، وحين نفقدها في حياتنا العامّة، فإنّنا سنعاني من كثيرٍ من المشكلات ومن صعوبة حلّها أيضاً. كن جديراً بالثقة.

شيء جميل أن تخصص الأسرة يوماً في الأسبوع أو يوماً في الشهر للصدقة، وذلك بأن تأكل في ذلك اليوم من حاضر الرزق في البيت، وتتصرف بثمن الطعام الذي كانت ستشتريه، وهذا يحتاج إلى مشروع وطني حتى يتعرف الناس على أهميته وفائدته.

حين يتعرض المجتمع لأزمة أخلاقية، فإنّ الوقوف على الحياد أو في موقف المتفرج يعني الاشتراك في مفاقمة تلك الأزمة، لأنّ من مهمات المسلم في هذه الحياة نشر الفضيلة ومحاصرة الرذيلة، ومدّ يد العون لكلّ من يحتاج العون.

سوف نكتشف في المستقبل أنّ الجهد الأساسي الذي يجب أن يُبذل من أجل نهوض المرأة هو ذلك الجهد الذي يحسن درجة التزامها ووعيها، ويوفر لها الفرصة لملء أوقات فراغها بشيء نافع.

جوهر التعاطف يكمن في أن نعامل الآخرين من وجهة نظرهم الخاصّة كي نخفف من آلامهم، بعيداً عن نقاشهم الذي سيُظهر شيئاً من الاختلاف معهم.

إنّ الذين نختلف معهم قد يشكِّلون خطراً علينا، وقد نشكِّل خطراً عليهم، لكن إذا عمقنا النظر، فإنّنا قد نجد أنّ حلول بعض مشكلاتنا موجود لديهم، كما أنّ حلول بعض مشكلاتهم موجود لدينا، وإنّ مثل هذا الإدراك يدفع بنا جميعاً في اتجاه التعايش.

يتولد الكثير من الشعور بالتفاهة من فقد الاهتمام بشيء ذي قيمة، ويكفي التمسك بالمبدأ نفعاً وفضلاً يولِّد لدينا الشعور بالمسؤولية.

هناك حقيقة مهمة، هي أنّ الناس لا يستطيعون فهمنا على نحو جيد إلّا إذا فهمنا نحن أنفسنا، وهذا يعني أنّ المزيد من وعينا بذواتنا وإيجابياتنا وسلبياتنا سيُحسِّن من فهم الناس لنا وعلاقتهم بنا، حقاً إنّ الوعي بالذات هو بداية الطريق.

حين ينبغ الواحد منا أو ينجح، فإنّه سيكون في حاجة إلى وقفة لتذكر أولئك الذين ساعدوه ووقفوا إلى جانبه حين كان في حاجة إلى المساعدة، وقفة يدعو فيها لهم، ويشكر مَن يستطيع شكره منهم.

قمة السعادة لدى النبلاء والعظماء حين يرون عيون الآخرين تلمع بالفرح بسبب إحسانهم إليهم وإكرامهم لهم، وإنّ صدقة السر تفعل ذلك وأكثر.►

 

المصدر: كتاب المسلم الجديد

ارسال التعليق

Top