• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الارتباط بالله تعالى بالدعاء

الارتباط بالله تعالى بالدعاء

◄( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (المؤمن/ 60). الدُّعاء إقبال العبد على الله، والإقبال على الله هو روح العبادة، والعبادة هي الغاية من خلق الإنسان. إنّ القرآن الكريم صريح وواضح في أنّ العبادة هي الغاية من خلق الإنسان، يقول تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) (الذّاريات/ 56)، وهذه هي الحقيقة الأُولى، وهي ذات أهميّة كبيرة في هذا الدين. وقيمة العبادة أنها تشدّ الإنسان إلى الله وتربطه به تعالى. ولذلك، فإنّ قصد التقرُّب إلى الله في العبادة أمر جوهري في تحقيقها. ومن دونه لا تكون العبادة.. فالعبادة في حقيقتها حركة إلى الله، وإقبال على الله، وقصد لوجه الله، وابتغاء لمرضاته. وهذه الحقيقة الثانية.

فالدُّعاء إقبال على الله، ومن أبرز مصاديقه الإنشداد والإرتباط بالله.. ولا يوجد في العبادات عبادة تُقرِّب الإنسان إلى الله أكثر من الدُّعاء. وكلما تكون حاجة الإنسان إلى الله أعظم، وفقره إليه تعالى أشد، واضطراره إليه أكثر، يكون إقباله في الدعاء على الله أكثر. فإنّ الحاجة والإضطرار يلجئان الإنسان إلى الله، وبقدر ما يشعر بهذه الحاجة يكون إقباله على الله، كما أنّ العكس أيضاً كذلك. يقول تعالى: (كَلا إِنَّ الإنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى) (العلق/ 6-7). إنّ الإنسان ليطغى ويعرض عن الله بقدر ما يتراءى له أنّه قد استغنى، ويقبل على الله بقدر ما يعي من فقره وحاجته إلى الله. وتعبير القرآن دقيق (أن رآه استغنى)، فلا غنى للإنسان عن الله، بل الإنسان فقر كلّه إلى الله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (فاطر/ 15)، ولكنّه يتراءى له أنّه قد استغنى، وغرور الإنسان هو الذي يخيل إليه ذلك. فإذا تراءى له أنّه قد استغنى عن الله أعرض ونأى بجانبه وطغى. فإذا مسّه الضر، وأحسّ بالإضطرار إلى الله عاد وأقبل عليه. إذن الدعاء في حقيقته إقبال على الله. ومَن يدع الله تعالى، ويتضرّع إليه، فلابدّ أن يقبل عليه تعالى.

وهذا الإقبال هو حقيقة الدعاء وجوهره وقيمته ورمضان المبارك هو شهر الدعاء، حيث جاءت في سياق آيات الصيام لفتة عجيبة تخاطب أعماق النفس، وتلامس شغاف القلب، وتسرِّي عن الصائم ما يجده من مشقة، وتجعله يتطلع إلى العوض الكامل والجزاء المعجل، هذا العوض وذلك الجزاء الذي يجده في القرب من المولى جلّ وعلاّ، والتلذذ بمناجاته، والوعد بإجابة دعائه وتضرعه، حين ختم الله آيات فرضية الصيام بقوله سبحانه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة/ 186)، فهذه الآية تسكب في نفس الصائم أعظم معاني الرضا والقرب، والثقة واليقين، ليعيش معها في جنبات هذا الملاذ الأمين والركن الركين.►

ارسال التعليق

Top