• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

خط الإمام الحسين (ع).. خط الحقّ والعدل

عمار كاظم

خط الإمام الحسين (ع).. خط الحقّ والعدل

في موسم عاشوراء، وفي غيره من المواسم، نحتاج إلى أن نتفهّم حركة الإمام الحسين (ع) فهماً واعياً منفتحاً على القضايا الأساسية كلّها التي تُماثل القضايا التي انطلق منها الإمام الحسين (ع). لأنّ المسائل التي كان يفكّر بها الحسين (ع) لم تكن من المسائل الفريدة في الحياة، بل كانت نموذجاً لقضايا تسير مع الزمن كلّه وتوجد في كلّ مكان. لذلك لا نريد أن نتطلَّع إلى كربلاء لندرس كيف كان موقف الإمام الحسين (ع)، ثمّ لا يكون لنا أي موقف مماثل من القضايا التي تكون في نفس الدرجة من الأهمية لما ثار الإمام الحسين (ع) من أجلها. لقد دُعي الإمام الحسين (ع) في المدينة إلى أن يبايع يزيد على خلاف قناعته، لأنّه كان لا يجد فيه الأهلية للخلافة، وكان يجد نفسه هو المؤهَّل الشرعي لأن يكون خليفة المسلمين. وأرادوا أن يفرضوا عليه الموقف ليبايع من خلال القوّة التي يهدّدونه بها. ولم يَشَأ الإمام الحسين (ع) أن يدخل أيّة معركة في المدينة أو مكّة، فخرج من مكة قاصداً العراق، بعد أن أرسل إليه أهل العراق رسائلهم الكثيرة. وانطلق إلى كربلاء، وطُرِحَ عليه أن يخضع ليزيد، وأن يضع يده في يده، وأن ينزل على حكمه ليتصرَّف كما يشاء. ولم تقتصر المسألة في عقدة تولي ابن زياد الكوفة من قبل يزيد، بل طلب منه هذا الأخير أن ينزل على حكمه بالإضافة إلى نزوله على حكم يزيد بن معاوية، وهكذا أريد للإمام الحسين (ع) أن يقول لابن زياد: أحكم عليَّ بما تريد.

إنّ الإمام الحسين (ع) لا يمكن أن يقبل ذلك، كأي إنسان حرّ الذات يأبى أن يخضع للآخرين. والمسألة إلى جانب ذلك أنّه (ع) لا يريد الخضوع للانحراف، ولا للظلم ولا للطغيان. وعلى هذا الأساس، كانت المسألة بالنسبة إليه مسألة الموقف العزيز للحقِّ وللعدل، في مواجهة الموقف الذليل لحساب الباطل والظلم. ولهذا علّل الإمام الحسين (ع) رفضه لذلك في قوله: "يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون" كأنّه يريد أن يقول: إنّ الإنسان عندما يتصرف أي تصرف في الحياة، فلابدّ له من أن يحصل على الشرعية في التصرف. فإذا أردتَ أن تخضع لأي شخص، فلابدّ لك أن تعرف هل أن خضوعك هذا شرعي يقبله الله ويقبله رسول الله في شريعته، أو أنّ خضوعك ليس شرعياً؟ فلابدّ للمسلم من أن يجعل كلّ مواقفه في خطّ إسلامه، فلا تتحرّك إلّا بما يريد الله له أن يتحرّك فيه، ولا تقف إلا حيث يريد الله له أن تقف فيه، لقد رفض الإمام الحسين (ع) الخضوع ليزيد الذي يمثِّل سلطة الانحراف عن خطّ الله ورسوله، ويمثِّل السلطة الظالمة وكان يزيد يحاول أن يظهر بمظهر المسلم فهو يصلّي الجمعة والجماعة بالمسلمين، ويصوم شهر رمضان؛ ولكنّه يمثّل الإنسان المنحرف في فكره، وفي سلوكه، وفي عمله في جانب الحكم العام للأُمّة، وفي جانب الانحرافات الشخصية في لذّاته وشهواته. لقد تمرد الإمام الحسين (ع) على يزيد، ورفض أن يخضع له وصمَّم أن يواجهه بكلِّ قوّة حتى الاستشهاد وهو المحاصر من جميع الجهات. ورغم أنّه عاش حالة العطش ومشكلة الأجواء المأساوية التي تحيط به من خلال النساء والأطفال، فإنّه لم يخضع لأنّه أراد أن يبقى عزيزاً كما أراد الله له أن يبقى. لننفصل عن كربلاء ولنأتِ للواقع الإسلامي كلّه. ففي الواقع الإسلامي في كلِّ بلد هناك أكثر من حكم يماثل حكم يزيد، ويفوقه طغياناً. حتى أنّ الإنسان لا يُسمح له أن يتحدّث عن الإسلام. وإذا تحدث عن الشريعة الإسلامية وتطبيقها. بعض الناس لا يكلّفهم الحسينُ (ع) شيئاً، لأنّهم يكتفون من الحسين أن يبكوا عليه، ولكنهم يقتلون في كلِّ يوم ألف حسين في العالم الإسلامي من خلال خضوعهم. هل أنّ الخضوع ليزيد بن معاوية أكثر ذلاً، أو أنّ الخضوع للذي يحكم باسم الكفر حيث يتحرَّك الاستكبار العالمي، ليسحق كلّ مقدراتنا السياسيّة والاقتصادية والثقافية والاجتماعية يمثل الذلَ الأكبر؟ إنّ مَن يرفض خضوع الحسين (ع) ليزيد وابن زياد، لابدّ أن يرفض خضوع أبناء الحسين وأتباعه وجُنده لدول الاستكبار العالمي.

وربّما لا نجد في الواقع الإسلامي مناسبة أخذت تأثيرها وحجمها في العقل وفي القلب وفي التقاليد وفي حركة الواقع وفي الشعارات... التي تتَّسع في مسيرة الواقع منذ الماضي وحتى الحاضر وانطلاقاً بالمستقبل كما هي قضية الإمام الحسين (ع).

ارسال التعليق

Top