• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

البلوغ وآثاره

أحمد الصادقي

البلوغ وآثاره

◄إنّ البلوغ يعني الوصول، بمعنى انّ الإنسان حينما يجتاز مرحلة الطفولة ويدخل في مرحلة الشباب – التي هي بداية صيرورة الذكر رجلاً، والأنثى امرأة – يكون بالغاً وواصلاً لهذه المرحلة، ولذلك تسمى هذه المرحلة بـ"البلوغ".

هناك فارق يسير بين تعريف علماء الأحياء للبلوغ وبين تعريف علماء الدين له؛ وذلك لأنّ علماء الأحياء يأخذون بنظر الاعتبار الخصائص العلمية في هذا المجال، ومن هنا سنتطرق إلى كلا التعريفين وبيان علائم البلوغ فيهما.

يرى علماء الأحياء انّ الفترة الزمنية ما بين 12 إلى 18 سنة من العمر هي مرحلة اليافعين، وانّ الفترة ما بين 18 إلى 25 هي مرحلة الشباب، وقد تزيد هذه الفترة أو تنقص نتيجة للعوامل الوراثية والاجتماعية والجغرافية.

وطبعاً لا يخفى أنّ الإنسان يمر في حياته بمراحل مختلفة من البلوغ، منها: البلوغ الجنسي، والبلوغ الفكري، والبلوغ الاجتماعي، إلّا أنّ ما نتوخاه على وجه العموم في هذا البحث هو البلوغ الجنسي، ولكننا أيضاً لا نجد محيصاً من التطرق إلى الأنواع الأخرى من البلوغ.

وعلى كلِّ حال فإنّ علماء الأحياء يحدّدون سن البلوغ بشكل عام بين سن 11 إلى 14 في الفتيات، وبين سن 15 إلى 16 في الفتيان، وأبرز علامات البلوغ في الفتيات الطمث والحيض، وفي الأولاد خروج المني من الجهاز التناسلي.

إلا انّنا سنتعرض إلى علائم وخصوصيات البلوغ ومرحلة الشباب وما قبلها بشيء من التفصيل من خلال القسمين الآتيين:

 

1- العلامات الفيزيقية:

انّ أهم التغيرات الجسدية والفيزيقية التي تحدث عند البلوغ وتستمر بالظهور بعد ذلك، ما يلي:

1-    تبدأ غدّة الهيبوفيز الواقعة أسفل المخ وسائر الغدد الداخلية الأخرى بالعمل تلقائياً، فتقوم بتنشيط الهرمونات الجنسية لدى الفتيان والفتيات.

2-    تتخذ الأجهزة التناسلية عند الفتيان والفتيات حجماً أكبر.

3-    تخشن العظام وهيكل الجسد وخاصة الأرجل.

4-    تبدأ قامة الشباب بالنمو السريع ويتخذ قواماً نحيفاً.

5-    يثقل الوزن خصوصاً لدى الفتيات.

6-    يخشن الصوت ويشتد عند الفتيان، واما في الفتيات فلا يحصل مثل هذا التغيير إلا بنحوٍ يسير، بل قد يغدو أكثر نعومة.

7-    بروز الحنجرة وتضخّمها.

8-    يفقد القوام رشاقته ويبدو غير متناسق، إلا انّ هذه الظاهرة لا تدعو إلى القلق لأنّها تزول مع الوقت.

9-    تظهر بثور سوداء على أطراف الأنف والحنك في الفتيان مما يثير فيهم الخوف والقلق إلا انّها تزول بمرور الوقت.

10-                      ينمو الشعر على وجه الفتيان دون الفتيات إذ يحتفظ وجههنّ بنعومته وطراوته.

11-                      يخشن شعر الجسد على الخصوص حول الأعضاء التناسلية بفعل نشاط الهرمونات الجنسية في كلِّ من الفتيان والفتيات.

12-                      يكبر حجم الصدر والكتفين عند الفتيان، بينما يكبر الصدر والحوض عند الفتيات استعداداً للولادة.

13-                      يزيد مقدار نمو الطول في مرحلة البلوغ، ويمكن تخمين مستواه النهائي – مع الأخذ بنظر الاعتبار عوامل الوراثة والبيئة – بحوالي 20 إلى 25 سنتيمتراً.

14-                      وكما تقدم فإنّ الاحتلام بمعنى خروج المني من الجهاز التناسلي عند الفتيان يبدأ ما بين سن 16 إلى 18، ويبدأ الطمث عند الفتيات ما بين سن 11 إلى 14 وقد تحدث هاتان الظاهرتان بشكل مبكر في بعض الأفراد إذا أخذنا بنظر الاعتبار العوامل الوراثية ورغد العيش والتغذية وسكنى المدن أو المناطق الحارّة والاستوائية ومشاهدة المناظر المثيرة وما إلى ذلك.

وبالنسبة إلى الطمث لابدّ للأولياء والفتيات أنفسهنّ من الالتفات إلى هذه المسألة المهمة التي أشار إليها القرآن الكريم واثبتتها التجارب أيضاً، وهي انّ الفتيات يتعرضن في فترة الطمث إلى نوع اعتلال واختلال في المزاج، وقد ذكر الدكتور إبراهام ستون: "انّ الطمث يصحبه ألم في الظهر والمعدة واضطراب في الأمعاء، ويرى بعض علماء النفس انّ ذلك يعود إلى عوامل نفسية".

وعليه يتعيّن على الأولياء الالتفات إلى هذه المسألة كي يحيطوا الفتيات برعايتهم واهتمامهم، وعلى الفتيات أيضاً أن يعمدن إلى مراقبة أنفسهنّ والعمل على رفع مقدرتهنّ الروحية والجسدية.

 

2- الآثار النفسية والأخلاقية:

وفي فترة الشباب التي هي بمثابة ربيع الحياة والمفعمة بالطاقة والحيوية والنشاط تظهر بفعل التغيرات الحاصلة في الغدد الداخلية مثل: (غدّة الهيبوفيز) و(الغدّة الدرقية) سلسلة من الأعراض الروحية والأخلاقية في الشباب أطلق عليها (موريس دبس) تسمية: "حياة التشنج والأزمات النفسية"، وعبر عنها إفلاطون بـ"السكر الروحي والفكري".

وقال رسول الله (ص): "الشباب شعبة من الجنون".

ويؤدي هذا الاختلال الأخلاقي والسلوكي إلى اضطرابات تستدعي من الآباء والأُمّهات والمعلمين والشباب أنفسهم دقّة متناهية ومراقبة صارمة ليتم تجاوز هذه المرحلة بسلام.

وأهم الآثار النفسية التي تظهر على سلوكية اليافعين والشباب ما يلي:

1-    بروز المشاعر النابضة والعاطفية، وعليه فإنّ البالغين حديثاً سيخلّفون أحلام الصبي وراءهم ويدخلون في عالم جديد له متطلباته وظروفه وإمكانياته المختلفة.

2-    تخبط الشباب في أحلام اليقظة، فتجد الواحد منهم يفكر تارة في مهنة الطيران وأخرى في الطب وثالثة يريد أن يتألق نجمه كلاعب كرة على الصعيد العالمي، ورابعة يفكر في أفضل الطرق إلى جمع الثروة، وفي هذا الصدد يقول (موريس دبس): "ليست هناك رابطة بين الشباب والتعقّل؛ إذ هم يرون التعقل من شؤون الكبار والمسنين، أما هم فيحاولون في عالم الرؤيا أن يربطوا عربتهم بواحدة من نجوم السماء كما صنع آمرسون".

3-    ومن الخصائص الأخرى لفترة الشباب عدم الانسجام مع واقعية الحياة؛ ذلك انّ أحلام اليقظة ونبذ التعلق بالواقع يؤدي إلى بروز التضاد بين أفكار الشباب السطحية والساذجة وبين واقعيات الحياة، فيصاب الشباب من جرّاء ذلك بنوع من الإحباط الذي يؤدي بهم إلى الاقتضاب في الكلام أو السكوت المطلق، وأحياناً اعتزال الناس والانفراد في زاوية من البيت.

4-    إنّ روح الشباب المعتلّة والمضطربة تفرض عليه حساسية خاصة تجعل منه كتلة من المتطلبات، حتى انّه سيثور لأدنى رفض يُجابه به طلبه، بل قد يحمّر غضباً وينفجر لأتفه الأسباب، وأحياناً بلا سبب معقول، إلّا انّ هذه السلوكية لا تدوم طويلاً وسرعان ما يظهر عليه الندم على ما بدر منه!

5-    انّ العجب والاغترار المخادع الذي يبعث على الغثيان، من الأعراض الأخلاقية والروحية الأخرى لـ"أزمة الشباب" التي يبتلى بها الشاب بسبب قلّة تجربته، ولأنّه يحاول فرض شخصيته يظهر عليه جنون العظمة الذي هو على حدّ تعبير (موريس دبس) كحبِّ الشباب جزء من أمراض هذه المرحلة من العمر!

6-    ومن العوارض الأخرى لمرحلة الشباب: الوسوسة في انتخاب المهن والأعمال، وللوسواس صور مختلفة أشدّها يتجلّى في عملية تكرار تطهير الثياب والجسد.

7-    سوء الظن حالة طبيعية في هذه المرحلة، إلا انّه في الوقت نفسه مرض خطير قد يتحول إلى مرض مزمنٍ وحادّ، فلابدّ من المبادرة إلى علاجه قبل أن يستفحل.

وللأسف الشديد قد تطغى حالة سوء الظن على الشباب حتى تخرجهم من الاعتدال والاتزان، فلا يقيمون وزناً لنصائح الكبار مهما كانت صالحة، وأحياناً يطال سوء الظن حتى الآباء والأمّهات فيتصورهما الشاب عدوّين له، وقد يقدم نصائح الآخرين على نصائحهما.

8-    وتارة يستولي الانطواء على الذات والاعتداد بالنفس وشعور العظمة على الشباب حتى يرون أنفسهم شخصيات ممتازة ومستقلة، فينجرفون من جرّاء ذلك في طرق الضلال والمتاهات، وقد يدركون خطأ الطريق أحياناً إلا انّ كبرياءهم لا يجيز لهم أن يطلبوا العون من أوليائهم!

9-    انّ القلب السالم والطاهر الذي يصل أحياناً إلى مستوى السذاجة يدفع الشاب على حدِّ تعبير (الكسيس كاريل) إلى تقليد الآخرين تقليداً أعمى، فإذا لم يعثر على نموذج صالح يقتدي به، تورط في اقتفاء آثار الطالحين، وهو أمر في غاية الخطورة!

10-                      ومن عوارض مرحلة الشباب الأخرى عدم اشتهاء الطعام، وهي مسألة ذات صلة بالوضع الجسدي والظروف النفسية لهم، والالتفات إليها يمكن أن يساعدهم على إدراك انّ هذه المرحلة سريعة الزوال أوّلاً، وثانياً بالإمكان القضاء عليها بمراجعة الطبيب والعلاجات النفسية.

11-                      حاجة الشباب إلى المحبّة مع الأخذ بنظر الاعتبار شفافية روحهم ورقتها، خصوصية أخرى فيهم، فإذا لم تُلَبَّ بواسطة الصالحين والمخلصين، فسوف يبادر الطالحون إلى اغتنام الفرصة والانقضاض على الشباب ومهاجمة وجودهم والأخذ بهم نحو مهاوي الانحراف!

12-                      إنّ التغير السلوكي والأخلاقي واختلال الأعمال وفوران الغريزة الجنسية إذا لم يتمّ توجيهها وتهذيبها بالمراقبة والمداراة، فإنّها – على حدّ تعبير (موريس دبس) – سوف تبرز في أوّل الأمر على هيئة التمرد ومعاداة الوالدين، ثمّ تتحول بعد ذلك إلى التسفل والجنون الأخلاقي وانعدام الحياء والقسوة وعشرات الجرائم والمفاسد الأخلاقية الأخرى التي تلوّث البيئة الاجتماعية.

ونظراً إلى الأهمية النفسية والفكرية لجيل الشباب تجاه الأضرار والتأسي بالنماذج غير الصالحة نتعرض إلى ارشادين ناظرين إلى واجب الوالدين والأولياء تجاه أبنائهم، وإرشادين قيّمين آخرين موجّهين للشباب أنفسهم:

1-    قال الإمام الصادق (ع): "بادروا أولادكم بالحديث قبل أن يسبقكم إليهم المرجئة".

2-    وقال (ع) أيضاً: "احذروا على شبابكم الغلاة لا يفسدوهم؛ فإنّ الغلاة شرّ خلق الله، يصغّرون عظمة الله ويدَّعون الربوبية لعباد الله..".

3-    قال الإمام عليّ (ع) لدى تفسيره قوله تعالى: "ولا تنسَ نصيبك من الدنيا": "لا تنسى صحتك وقوتك وفراغك وشبابك ونشاطك أن تطلب بها الآخرة".

4-    وقال الإمام الصادق (ع): "لست أحب أن أرى الشباب منكم إلا غادياً في حالين: إما عالماً أو متعلماً، فإن لم يفعل فرّط، فإن فرّط ضيّع، فإن ضيّع أثِمَ، وإن أثم سكن النار والذي بعث محمّداً بالحقّ".►

 

المصدر: كتاب ما يحتاجه الشباب/ مقالات في التربية الروحية والأخلاقية

ارسال التعليق

Top