• ١٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

التربية على العدل والمساواة

التربية على العدل والمساواة

لا توجد طريقة واحدة بسيطة لتربية الأبناء، فأمر الاختيار للأسلوب يعود إلى الأهل؛ لأن لكل طفل خصاله الفريدة، التي تفرض على الوالدين معرفة خصائصه واحتياجاته، ونموه النفسي والاجتماعي، وتنمية قدراته العقلية والإبداعية، بغض النظر عن كونه ولداً أو بنتاً، ولكن هل بإمكانك تربية أولادك وبناتك بعيداً عن سياسة التمييز لجنس دون آخر كعادة المجتمعات الشرقية، التي مازالت تحتفي بالذكر وتمنحه الكثير من المزايا؟

    

- الاحتياجات النفسية:

تشير الاختصاصية النفسية، نجود قاسم، إلى أنّ تربية البنت لا تختلف كثيراً عن الولد؛ لأنّ احتياجاتهما في مرحلة النمو واحدة، ولكن السمات الشخصية لكل منهما هي التي تحدد طريقة التعامل معهما، والتي من شأنها أن ترسم ملامح شخصيتهما مستقبلاً، وتضيف: "في الغالب يتمتع الولد بشخصية مرحة وشقية، لذلك غالباً ما تنجح الأُم معه بربط ما يطلب منه بحوافز معينة يفضلها. أما البنت فعلى العكس من ذلك؛ فتكون هادئة وتميل للانطوائية، لذلك لابدّ أن تتم معاملتها بأسلوب لطيف وهادئ. مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار أنّ لكل قاعدة شواذها، فقد نجد ولداً هادئاً وفتاة تتمتع بشقاوة".

    

- مفاتيح الشخصية:

بغض النظر عن الجنس لابدّ من معرفة شخصية الأبناء: ليتم بموجبها صياغة أسلوب للتعامل مع كلّ منهم، هذا ما تؤكده الاختصاصية نجود، وتتابع: "لكل شخصية مفاتيحها الخاصة، وكما يلعب ترتيب الطفل في الأسرة دوراً كبيراً، سواء كان الأكبر أو الأصغر أو الأوسط، أو إذا كان طفلاً وحيداً، أو يعاني من أيّة أمراض أو إعاقات وغيرها، لذلك يجب ألا ننسى تأثر الوالدين بتنشئتهما الاجتماعية وبالمفاهيم التربوية التي يتم توارثها على مرّ الأجيال، ومن المهم أن يدرك الأهل في هذا الإطار الفجوة بين الأجيال، ويحاولوا أن يتخطوها قدر الإمكان".

    

- التفرقة في المعاملة:

يواجه كثير من الأُمّهات والآباء تهمة التفرقة في التعامل مع الأبناء، وتفضيل أحد الأبناء عن غيره ومنحه امتيازات تفوق الآخرين، وهي من أسوأ الأساليب؛ لأنّها توصل الطفل إلى كره الآخر، وتجعله يشعر بالفشل وبنزع الثقة من نفسه، وقد ينشأ من ذلك إحساسه بالظلم، وبأنّ شقيقته هي من تجد الدلال وطلباتها دائماً ما تكون مجابة، بينما تعتقد الفتاة في المقابل أن أسرتها تفرض عليها قيوداً تحد من حرِّيتها؛ كرفض فكرة الخروج من المنزل، أو الالتقاء بصديقاتها أو استخدام الهاتف، في حين ترى أنّ شقيقها يتمتع بجميع هذه المزايا. وهذا ينعكس على تصرفاتهما سلباً، والحل هنا يكون بمزيد من التوعية للآباء والأُمّهات عن وجوب العدل والمساواة في التعامل مع الأبناء؛ تفادياً لآثارها المدمرة على الشخصية، وقبل كلّ هذا فإنّ شريعة الإسلام جاءت بالمساواة والعدل بين البنات والأولاد، فلا تحيز ولا امتيازات، بل معاملة على قدم المساواة، ومن ذلك قول النبي (ص): "اتقوا الله واعدلوا بين أبنائكم"، وفي رواية بين أولادكم، وفي رواية عندما جاء ذلك الرجل يشهده على عطية أعطاها أحد أبنائه قال: "لا تشهدني على جور".  

    

- الاحتياجات العاطفية:

تشير الاختصاصية نجود إلى تساوي الاحتياجات العاطفية بين الجنسين، فمشاعر الحب والحنان والكلمات التي نقولها لأبنائنا لها مفعولها السحري؛ لأنّ الصور التي يرسمها الطفل في ذهنه عن نفسه هي نتاج الكلمات التي يسمعها، إلا أنّ من الأخطاء التي تقع فيها مجتمعاتنا هو معاملة الولد بشيء من العنف بدعوى أنه رجل. بينما تجد الفتاة الاحتضان والدلال، ولا شك أنّ حرمان الابن من المصطلحات العاطفية يعتبر من الأخطاء التربوية التي تهدد علاقاته العاطفية مستقبلاً، بينما تصبح الفتاة في حالة من الجوع العاطفي والبحث الدائم عن الحب والرومانسية، وتكون هذه من الأسباب الرئيسة للمشاكل الزوجية.

تشدد نجود قاسم على عدم التفريق في مرحلة المراهقة، هذه المرحلة التي تفرض الكثير من المتطلبات والأعباء التي يجب أن يتمتع خلالها الأبوان بالصبر؛ حتى لا يحتدم فيها الصراع نتيجة ميل الأبناء للتمرد، ويقع على كاهل الأُم أن تكون صديقة مقربة لابنتها: تستمع إليها أكثر من القيام بإلقاء اللوم عليها، أما الولد فبحاجة إلى صحبة والده.

    

- نصيحة:

تهمس الاختصاصية النفسية نجود قاسم في اذن كلّ أم وأب بقولها: "عملية التربية ليست بالمهمة السهلة، خصوصاً مع الفجوة بين الأجيال وظهور وسائل الإعلام والاتصال الحديثة، والتي تتطلب إيجاد أنجح السبل التي تسهم بشكل أو بآخر في ابتكار علاقة بناءة مع الأبناء؛ لتكون بمثابة جسر متين تعبر عليه الأجيال القادمة بأمان".

        

- فضل تربية البنات:

الإسلام نقد على من يستنقص إذا رزق ببنت، ويعيب على الجاهلية وعلى المسلمين الذين أخذوا فعل الجاهلية؛ لما في ذلك من الظلم، ومنها قوله تعالى: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) (النحل/ 58-59).

ومن هنا جاء الحث في الإسلام على فضل البنات وتربيتهنّ، فجعل تربية بنت أو بنتين أو ثلاث سبباً في حجب الأُم والأب عن النار؛ لقوله (ص): "من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسَن إليهنّ كنّ له ستراً من النار". فالإسلام دين المساواة، ولم يفرق بين الرجل والمرأة، وإن جاءت صورة تفريق فهي الصورة التي يدعي بها بعض الجهال، وقد يقول قائل إنّ الشريعة فرقت بينهما في الميراث، ولكن الحقيقة أنّ الشريعة أعطت المرأة مثل الرجل، وساوته في الميراث، بل إنّ المرأة قد تفوق في بعض الأحيان في حصتها من الميراث على حصة الرجل.

    

- مراحل التربية:

المرحلة الأولى: الطفولة المبكرة، وهي مرحلة الملاعبة والضحك إلى سن السابعة، ولا يجوز فيها الضرب والتعنيف؛ لأنها لا يعرفون ولا يفقهون.

المرحلة الثانية: هي الفترة من سن 7 سنوات إلى سن 14، وهي مرحلة التوجيه والتأديب بالحسنى والرفق، ومن ذلك: الأمر بالصلاة في سن السابعة؛ لقوله (ص): "مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر". أي الضرب غير المبرح إذا بلغوا سن عشر سنوات في جانب الصلاة.

المرحلة الثالثة: بعد الـ14: وهي مرحلة المصاحبة والاستمرار في سياسة الحب والحنان، بل زيادة الجرعات بحيث نتقرب منهم بشكل أكبر ونمنحهم الثقة: ليفضوا بأسرارهم. فالإسلام لا يقبل الفجوة بين الآباء والأُمّهات تجاه الأولاد والبنات؛ لأنّها سبب ما يرتكبه الأبناء والبنات من أخطاء. وبهذا الاحتواء الأبوي للأبناء يصبح الأبناء بعد الواحد والعشرين على استعداد لخوض غمار الحياة.


ارسال التعليق

Top