• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

التقوی.. أُمّ الفضائل وأساس الإصلاح

عمار كاظم

التقوی.. أُمّ الفضائل وأساس الإصلاح

أليس العبد يقضي سائر عمره في العبادة والمجاهدة حتى يبلغ الرِّضا والقبول عند الله سبحانه وتعالى؟.. أليس يقيم الصلاة ويؤدِّي الزكاة ويصوم رمضان ويحجّ البيت ليحوز القبول عند مولاه؟.. أليس ينفق أمواله الطائلة ويقضي عمره يتعلَّم العلم ويعلِّمه طمعاً في رحمة الله وعفوه سبحانه تعالى لقوله في كتابه العزيز: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (المائدة/ 27).

فما هي التقوى؟ وإلى ماذا ينصرف هذا المعنى العظيم؟

التقوى هي طاعة الله حقّ طاعته، أن يُطاع فلا يُعصى، وأن يُذكر فلا يُنسى، أن يُشكَر فلا يُكْفَر: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (آل عمران/ 102)، فإذا تحقّقت الطاعة بهذا الشكل حصلت في النفس الخشية والهيبة من الله سبحانه الذي حذّرنا نفسه بقوله: (وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) (البقرة/ 41)، وقال سبحانه وتعالى أيضاً: (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (البقرة/ 281)، أي اخشوا هذا اليوم واجعلوا مراقبة الله في نفوسكم دائمة. ویقول عزّوجلّ: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون)، هذه الآية التي جعلها الله غاية سامية للمؤمنين ترتجى صيام شهر رمضان إيماناً واحتساباً.

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذراً لما به بأس». وعن الإمام عليّ (عليه السلام): «التقوى غاية لا يهلك مَن اتبعها، ولا يندم مَن عَمِل بها، لأنّ بالتقوى فاز الفائزون، وبالمعصية خسر الخاسرون». ويقول الإمام الجواد (عليه السلام): «لا تكن وَليّاً لله في العلانية وعدواً له في السرّ». إنّ الإنسان الصائم الذي يمتنع في السرّ والعلن عن تناول اللّذة الحلال من الأكل والشرب، يمتنع عن تناول الحرام من باب أولى. إنّ عبادة الصوم تمنح الصائم الوقاية من الأدران والأوساخ وأمراض النفس والروح وهي حصانة لشخصيّته. ونظراً لأهميّة التقوى في حياة الإنسان وعلاقة الصيام به جاء في الحديث الشريف: «إنّ قليل العمل مع التقوى خير من كثير العمل بلا تقوى»، وجاء في الحديث القدسي: «الصوم لي وأنا أُجزي به». إنّ منزلة التقوى جليلةٌ وطالبها يحتاج إلى همّة عالية ومجاهدة دائمة، وتحصيلها ليس بالأمر اليسير والهين؛ فإنّ المكارم على قدر المكاره، ولكنّ الله الرؤوف الرحيم يسهّل على عبده التقي كلّ أمر عسير وصعب وهو القائل: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت/ 69).

وإذا كانت التقوى تقوم بحراسة الإنسان والحفاظ على كيانه الإنساني المتميز فإنّ الإنسان بدوره أيضاً يجب أن يقوم بحراسة التقوى والمحافظة عليها، وهذا من نوع المحافظة المقابلة بين الإنسان والثياب حيث انّ الإنسان يحافظ عليها من التلف والسرقة وهي تحافظ على الإنسان من الحر والبرد والبأس، وقد قال القرآن الكريم: (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ) (الأعراف/ 26)، وجاء عن الإمام عليّ (عليه السلام): «ايقظوا بها نومكم واقطعوا بها يومكم واشعروها قلوبكم وارحضوا بها ذنوبكم.. ألا فصونها وتصونوا بها..». إنّ تقوى الله القوّة الروحية المعنوية المتولدة لدى الإنسان ومن خلال الصوم تعتبر مقياساً للتفاضل بين الناس والتمييز بينهم. يقول تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات/ 13).

وأخيراً، ليكن وراء ذلك صدق العزيمة في أن يكون شهر رمضان بحقّ رحلة بناء على قوّة الإرادة في طاعة الله والجهاد في سبيله، ومصدر تنمية لأخلاق الصبر والأمانة والمراقبة، والحسِّ المشترك بين المؤمنين في ظل العبودية لله عزّوجلّ، والإخلاص في تلقي الخطاب الثري الندي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا).

ارسال التعليق

Top