• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

التوازن بين الدنيا والآخرة

عمار كاظم

التوازن بين الدنيا والآخرة

المنهج القرآني في بناء المجتمع والحياة العملية للفرد والجماعة يقوم على أساس التوازن بين عالمَي الدنيا والآخرة، مما يُحقِّق توازن الشخصية وانتظام السلوك، فالقرآن يدعو الإنسان أن يعمل لآخرته ويعمل لدنياه ولحياته الدنيوية. فلم يدعُ الإسلام إلى الرهبانية وتعذيب الجسد وحرمانه من طيِّبات الحياة: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ (الأعراف/ 32).

فالإنسان مكوَّن من جسد وروح وعواطف ومشاعر ومنظومة نفسية وغرائزية، وكلّ هذه المكوِّنات لها الحقّ في أن تُشبع وتُلبَّى طلباتها، وذلك من عدل الله وحكمته، بل ومن دواعي الشكر والارتباط بالله تعالى، وصَّى به الله تعالى مفيض النِّعم.. فللإنسان حاجة من الطعام والماء والسكن والحبّ والأمن والترفيه عن النفس، والرغبة في الزينة والجمال، والتعبير عن الذات، وتوظيف طاقاته بما يعود عليه بالنفع وعلى مجتمعه.. إلخ، وكلّ ذلك مُباح في الشريعة الإسلامية، وعلى الإنسان أن يسعى ليوفِّر حاجاته ويستمتع بطيِّبات الحياة، بل والتشريع الإسلامي وقيم الأخلاق تُوجب على الدولة والمجتمع كفالة الفرد العاجز عن توفير حاجاته المناسبة.

والقرآن يُثبِّت لنا أساساً وقاعدةً حياتية هامّة، وهي أنّ الله سبحانه ضَمِن للإنسان توفير مستلزمات الحياة، وهذا الحقّ جاء في العهد الإلهي لآدم (عليه السلام). جاء في قوله تعالى: ﴿إِنَّ لَكَ أَلا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى) (طه/ 118-119). وحين ذُكِّر الإنسان بنِعم الله سبحانه، خاطبه بقوله: ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾ (قريش/ 3-4). فالقرآن يشير بوضوح إلى حقّ الإنسان في الأمن الغذائي، والأمن على الحياة من المخاطر، وعدَّها من النِّعم الكبرى على الإنسان، وأمر الإنسان بالعمل والإنتاج وإعمار الأرض وإحيائها واستثمار خيراتها. ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ﴾ (هود/ 61).

لقد أمر الله سبحانه الإنسان أن يترك المُحرَّمات ويؤدِّي الواجبات، بل ودُعي إلى ترك المكروه وعمل المُستحب والتصعيد الروحي، والتقرُّب إلى الله سبحانه بالأعمال الصالحة التعبُّدية والاجتماعية التي هي من أعمال البرّ والإحسان والمعروف، أُمر بالصلاة والصوم والزكاة والحجّ، والدُّعاء والصدقة والشكر والاستغفار، والإكثار من ذكر الله تعالى وتلاوة القرآن، والرضا بقضاء الله وقدره، والإصلاح بين الناس، والجهاد في سبيل الله تعالى بالمال والنفس.. إلخ.

إنّ الإيمان بعالم الآخرة والخوف من الله سبحانه، والإيمان بأنّه يعلم السرّ والنجوى، ضمانة أكيدة لحماية الفرد والمجتمع من الانزلاق في هاوية المعاصي وارتكاب الجرائم، وتعاطي السلوكية العدوانية، ومخالفة قانون الحقّ والعدل، وإنّ الإيمان بالجزاء الآخروي يُحرِّك الإنسان نحو عمل الخير، والإنفاق في سبيل الله، ومساعدة الآخرين ممّا ينهض بالمجتمع ويعمل على تطويره وإصلاحه: ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لأنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ﴾ (المزمل/ 20).

ارسال التعليق

Top