• ٢٦ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الصوم الاجتماعي

العلامة الراحل محمّد حسين فضل الله

الصوم الاجتماعي

 

◄المجتمع كيان محدد، ولكلّ مجتمع تقواه وضوابطه وقضاياه، ولكلّ هذه الضوابط والقضايا مسؤوليات، وذلك بأن لا تحدث أيّة فتنة تخلّ بوحدة المجتمع المسلم، فقد تدعوك نفسك إلى أن تقول كلمة تثير فتنة، وتقول أخرى تثير حرباً وحقداً وعداوة، وبذلك فإنك تفطر اجتماعياً على معصية من معاصي الله، فأن تصوم الصوم الاجتماعي هو أن تبتعد عن كلّ ما يضرّ الناس (وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأرْضِ) (القصص/ 77). أي أن تقوم عن إفساد المجتمع في كلّ ما يؤدي إلى فقدان سلامته. وأن تصوم اجتماعياً فإنّ عليك أن تبتعد عن العصبيات كلّها، لأنّ التعصب ليس خيراً، ولذلك كنت تخلص إلى فكرك فإن ذلك لا يعني أن تتعصب له، بل أن تلتزمه، وهناك فرق كبير بين الالتزام والتعصب، فالتعصب هو انغلاق والالتزام هو ثبات وانفتاح.. وقد ورد هذا الحديث عن عليّ (ع): "الصيام اجتناب المحارم كما يمتنع الرجل من الطعام والشراب". وإذا عرفنا بأنّ المحارم، لاسيّما الاجتماعية، هي التي تضرّ وتفسد المجتمع كما تفسد الفرد، عرفنا السبب في الدعوة إلى الصوم الاجتماعي. وقد ورد في الحديث "ما يصنع الصائم بصيامه إذا لم يصن لسانه وسمعه وبصره وجوارحه". وقد ورد عن رسول الله (ص) في قوله لجابر بن عبدالله "يا جابر! هذا شهر رمضان مَن صام نهاره وقام ورداً من ليله وعفّ بطنه وفرجه وكفّ لسانه خرج من ذنوبه كخروجه من الشهر فقال جابر: يا رسول الله ما أحسن هذا الحديث! فقال رسول الله: يا جابر ما أشدّ هذه الشروط". الحديث جميل ولكن كيف تطبّقونه؟! وفي الحديث عن الباقر (ع): "إذا أصبحت صائماً فليصم سمعك وبصرك عن الحرام وجارحتك وجميع أعضائك من القبيح، ودع عنك الهذي" أي الكلام الذي لا منفعة له "وأذى الخادم" وبالطبع فإنّ ذلك يشمل أذى الزوجة والأولاد والعامل "وليكن عليك وقار الصيام، والزم ما استطعت من الصمت والسكوت إلّا عن ذكر الله، ولا تجعل يوم صومك كيوم فطرك...".

وفي الحديث عن الباقر (ع) والصادق (ع): "إنّ رسول الله (ص) سمع امرأة تسابّ جارية لها وهي صائمة فدعا رسول الله بطعام فقال لها: كلي! فقالت: أنا صائمة يا رسول الله! فقال: كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك؟! إنّ الصوم ليس من الطعام والشراب وإنّما جعل الله ذلك حجاباً عن سواهما من الفواحش من الفعل والقول يفطّر الصائم، ما أقلّ الصوّام وأكثر الجوّاع". وكان من دعاء الإمام زين العابدين (ع) إذا دخل شهر رمضان "وأعنّا على صيامه بكفّ الجوارح عن معاصيك واستعمالها فيه بما يرضيك حتى لا نصغي بأسماعنا إلى لغو ولا نسرع بأبصارنا إلى لهو وحتى لا نبسط أيدينا إلى محظور" أي محرّم "ولا نخطو بأقدامنا إلى محجور". أي ما حجرته علينا من المحرّمات، وإلى غير ذلك مما يتصل بارباك الواقع الاجتماعي كالغيبة والإشاعات الكاذبة والقول بغير علم والحكم بالباطل وإثارة الحقد والفتنة وإيجاد الأجواء القلقة في المجتمع، فإنّ ذلك كلّه يفطّر الصائم روحياً وإن كان لا يفطّره مادياً.

وهناك حديث عن عليّ (ع) في صيام القلب والمراد به صيام العقل يقول: "صيام القلب عن الآثام". ومنها التخطيط للمعصية والإضرار بالناس وإسقاط كراماتهم "أفضل من صيام البطن عن الطعام". وعنه (ع): "صوم القلب خير من صوم اللسان وصيام اللسان خير من صيام البطن". أي أننا بصومنا المعروف وهو الامتناع عن الأكل والشرب إنّما نفعل الأقلّ من الصيام. وعنه (ع): "صوم الجسد الإمساك عن الأغذية بإرادة واختيار خوفاً من العقاب ورغبة في الثواب والأجر، وصوم النفس إمساك الحواس الخمس عن سائر المآثم وخلوّ القلب عن جميع أسباب الشرّ".►

ارسال التعليق

Top