• ٢٥ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

العبادات وترقية المعاني الاجتماعية

العبادات وترقية المعاني الاجتماعية

◄العبادات عملاً بالغ السموّ في إصلاح شؤون الحياة، وتنظيم وترقية المعاني الاجتماعية، وضمان نجاح القوانين والشرائع التي توضع للنّاس، إذ أنّ وضعها بمعزل عن هذه الجوانب: (الاعتقاد، والأخلاق، والعبادات) يعتبر في الحقيقة تدميراً لمهمتها، وتفريغاً لمضمون الالتزام الذاتي بها، وإغراء – منذ البدء – للتلاعب بها طالما أمن الإنسان عقاب السلطة، أو وجد في القوانين ثغرة ينفذ منها لما تريد أهواؤه.

إنّ (الصّلاة) مثلاً – فوق مهمتها التعبدية المحضة، ووظيفتها في تثبيت العقائد وتربية الأخلاق – تؤدي عملاً خطيراً في التربية الاجتماعية للأُمّة المسلمة، حين تجعل المسجد محضناً تربوياً لإنضاح العلائق الاجتماعية، وطبعها بطابع السمو، والوصول بها إلى أقصى كمالات التطبيق، بما يُهبّه عليها من بواعث الروح، ومراعاة الله، وابتغاء مرضاته، وخوف عقابه.

إنّ (صلاة الجماعة) تجمع المسلمين في مكان واحد، خمس مرات كلّ يوم، وتأخذ بهم إلى وجهة واحدة، وتسوي بينهم في الصفوف، وتجعل للسابق الفضل في الأجر، وفي الصف مهما كانت منزلته الاجتماعية، ثمّ تعلمهم اختيار إمامهم على أساس الفضل والتقوى، وخلال الخير من العلم، والقراءة، والصلاح... إلخ.

ثمّ تلزمهم بمتابعته وتذكيره إن أخطأ، واتباعه في الأخطاء التي لا تضر ضرراً بليغاً حفظاً للجماعة، وانتظامها، وتلزمهم بعدم اتباعه فيما يضر ضرراً بليغاً كالذي يفسد الصلاة، فضلاً عما تحققه هذه الجماعة للمسلمين من نظام تتراص فيه الصفوف وتتحاذى بالأعناق، والمناكب، والكعوب، وتسد فيه الفرجات، وتوصل فيه الانقطاعات.

ثمّ تأتي (صلاة الجمعة): فتجمعهم على هيئة جامعة أكثر من ذلك في كلّ يوم جمعة، حيث شرع الله تعالى لنا خطبتها تذكيراً وتعليماً للمسلمين بما يصلح دينهم ودنياهم، كحد أدنى – إجباري – للتثقيف العام في أمور الدين والدنيا.

إنّ الصلاة – لو وعي المسلمون حقيقتها – لهي توجيه وتنظيم اجتماعي كامل، يتمثل فيه المجتمع الكبير، وبقدر ما يحسن المسلمون هذه الصلاة، وما تعنيه من معان وتوجيهات، بقدر ما يرجى لهم إحسان الحياة في مجتمعاتهم، ولا فرق في هذا المنهاج بين المسجد والمجتمع، فكلاهما: تجمع يجب أن يخضع لدين الله وتعاليمه.

والعجب كلّ العجب أن يكون لدى المسلمين هذا النمط التربوي الفذ، ثمّ يكونوا على هذه الحال من الفوضى الاجتماعية المحزنة، وما ذلك إلا لإهمال هذه المعاني الإلهية العالية، وما تحويه من أسرار الإصلاح، والتربية الحكيمة، مع أنّ الصلاة هي أكثر التكاليف تمحضاً للتعبد، فكيف بغيرها من التكاليف التي لحظ فيها ابتداء معنى الإصلاح الاجتماعي؟!

(كالزكاة) التي هي في حقيقتها واجب مالي يؤخذ من الأغنياء، ليرد على الفقراء وذوي الحاجة من الغارمين، والأرقاء وغيرهم، وهي بذلك تمثل الحد الأدنى المفروض فرضاً للتعاون الاجتماعي، والتكافل الاقتصادي بين أبناء الأُمّة الواحدة، لذلك جعل الله تعالى معظم مصارفها اجتماعية بحتة، بأوسع المدلولات الاجتماعية في القديم أو الحديث على السواء.

وكما جاءت صلاة العيد لتوسع دائرة الاجتماع في الصلاة، تأتي هنا أيضاً (زكاة الفطر) لتوسع قاعدة التكافل، والتعاون إلى أقصى حد، حتى إنها تسمى (زكاة الرؤوس) لأنها فرضت على الصائم ومن يعوله من الأولاد، والأقارب وغيرهم، ومن الأئمة من يقول بوجوبها على الفقير نفسه، ولو دفعها مما أخذه من غيره، تعويداً له على البذل والعطاء.

أما الأثر الاجتماعي لفريضة (الحج) فواسع شامل، خليق بأن تؤلف فيه الكتب المستقلة، ولا زالت آثاره تتبدى كلّ يوم بجديد من حكمة الله تعالى في تشريعه، وقد أشار القرآن الكريم إلى كثير من ذلك.

قال تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ) (البقرة/ 198). ►

ارسال التعليق

Top