• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

العمل الإنساني.. هويّة للإنسان المؤمن

عمار كاظم

العمل الإنساني.. هويّة للإنسان المؤمن

قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة/ 82). فالإنسان كموجود إلهيّ له رسالة في الحياة؛ رسالة إثبات الذات وإعمار الأرض، والله تعالى يقبل منه فقط ما يصدر من كلام طيِّب نافع، ويرفع له في كتابه العمل الخالص لوجه الله، الذي يصلح في ميزان الأعمال، ويعود بمنفعته على ذات الإنسان والجنس البشري بوجه عامّ. والإنسان الباحث عن تأكيد هويّته وذاته، وتأصيل وجوده على قواعد ثابتة لا تهتزّ، بالشكل الذي يرفع من شأنه وينمّي كلّ طاقاته، عليه أن ينفتح بكلّ قواه على الله تعالى، المالك لكلّ شيء، بما يمثّل من عزّة وقوّة تمدّ الإنسان بما يلزم من عناصر تثبّت له مسيرته.

قال تعالى: (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ) (فاطر/ 10)، بما تفيده من القوّة المادّية والمعنوية التي تثبّت المواقع في الحياة والناس بشكل صلب لا يهتزّ ولا يُغلب ولا يُقهر (فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً) (فاطر/ 10)، فهو الذي يملك كلّ مواقع القوّة في الأرض والسماء، فله كلّ شيء، ولا يملك أحدٌ معه شيئاً. إنّ الباري تعالى يريد من المؤمنين المخلصين الموحِّدين، أن يربّوا أنفُسهم على أن يعيشوا العزّة في كلّ تحرّكاتهم وأوضاعهم بعمق ووعي وقناعة، ولا يكون ذلك إلّا في مدى انفتاحهم على مواقع العزّة الإلهيّة التي لا حدود لها، والتي تدعو الناس إلى التفاعل معها بشكل جدّيّ ومسؤول، لينعكس ذلك على مظاهر حياتهم وتفاصيل كلامهم ومواقفهم، بما يقوّي نظرتهم إلى الحياة، ويجعلهم ينطلقون في كلّ حركاتهم وسكناتهم من موقع القوّة المستمدّة من قوّة الإيمان بالله والإخلاص له.

أمّا عمل الإنسان، فهو الأساس عند الله، بما يتركه من أثر مادّي ومعنوي يعود بالنفع على الإنسان نفسه في دنياه، ويأخذ عليه أجره في القُرب من الله تعالى، كجزاء بما التزم به من حقّ الله في أداء حقّه بأعماله، وسلوكه الفعلي، بحيث حوَّل إيمانه إلى عمل في الواقع يرفع من قيمته وقيمة الحياة من حوله. وكما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «اليوم عملٌ ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل».

وفي الآية الشّريفة: (وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) (فاطر/ 10).. العمل الصالح يرفعه إليه، لأنّ العمل لا يبقى في الأرض ليكون مجرد حركةٍ تنطلق في نشاط الناس، ثمّ تموت في ذهاب الصورة وغياب الزمن، بل يرتفع إلى الله، بما فيه من نفع للإنسان والحياة في معناه الإيماني، وغايته التوحيدية، وروحيته الإنسانية الرسالية المتعلقة بالله، الخاضعة له، فالإنسان يكون عزيزاً عند الله، بمقدار ما يكون طيِّباً في كلامه، صالحاً في عمله، وهو ما يجعله في مواقع القُرب لديه، لينال ـ بذلك ـ الحظوة عنده.

فلنعمل على تأكيد الكلم الطيِّب فيما نطلقه من كلام وأحاديث في مواقفنا ومجالسنا الخاصّة والعامّة، فنحوّل كلّ أجواء الكلام إلى منافع وراحة وطمأنينة. ولنعمل على تأكيد القول الطيِّب بالعمل الصالح النافع الذي يبني الحياة والعلاقات؛ العمل الذي يزرع ثقافة الوعي والحكمة والمسؤولية والانفتاح، والعمل الذي يرفع من مستوى وعي الناس، وينمّي قدراتهم وطاقاتهم وأوضاعهم.

ختاماً، المؤمنون هم الذين يثبّتون الكلام الطيِّب عبر العمل الصالح في الحياة كلّها، فالكلمة مسؤولية وأمانة، والعمل الصالح يعبِّر عن جوهر وجودنا وأصالة شخصيتنا، وهو سجلّ مصيرنا أمام الله تعالى في الدُّنيا والآخرة.. ربّنا اجعلنا من أصحاب الكلم الطيِّب والعمل الصالح، وارزقنا المرضاة عنّا والرحمة والعزّة في الدُّنيا، وسلامة المصير في الآخرة. 

ارسال التعليق

Top