• ٢٥ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

القرآن الكريم والحث على السعي والاجتهاد

أسرة البلاغ

القرآن الكريم والحث على السعي والاجتهاد

حبب الإسلام بشكل عام السعي في الأرض، وحبَّب الجد والاجتهاد من أجل كسب لقمة العيش، وجعل العمل شكلاً من أشكال العبادة، وهذا ينسجم ويتلاءم مع السنّة الكونية في الحياة، بالحيوانات تسعى وتكدح من أجل حبات الطعام، والطيور تسعى منطلقة من أعشاشها في سبيل لقمة عيشها، وهكذا بقية الكائنات.. يقول تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) (الملك/ 15). (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (الجمعة/ 10-11). فكأنّ السنّة الإلهية جعلت الأرض موضعاً مذلّلاً للإنسان، أنّى يسعى فإنّه يجد مجالاً للرزق وكسب لقمة العيش.. ولذلك فإنّ الإسلام، لم يجعل مفهوم التوكل على الله، وسيلة لانقطاع العمل، وعدم السعي باعتبار أنّ الرزق آتٍ فلِمَ العمل؟.. بل إنّ الله سبحانه وتعالى ربط بين العمل والتوكُّل على الله سبحانه.. لأنّ السعي في الأرض يحتاج إلى تسديد وتوفيق، ولا أحد يقوم بهذا التسديد غير الله سبحانه وتعالى.. ويؤكّد الرسول الكريم محمّد (ص)، في مفاهيمه الإسلامية الرائعة، أنّ الرزق، وثمرات الأعمال لا تأتي عبر التمني، والتصور، ورسم الأحلام، بل تأتي بالعمل الجاد المخلص.. ورد عن رسول الله (ص): "ملعون من ألقى كلّه على الناس". وورد عنه (ص) أيضاً: "العبادة سبعون جزءاً أفضلها طلب الحلال". وورد عن الإمام الصادق (ع): "لا خير فيمن لا يحبُّ جمع المال من حلال يكفُّ به وجهه ويقضي به دينه ويصل به رحمه". فالتوكل إذن لابدّ وأن يقرن بالعمل.. (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (التوبة/ 105). ويقول النراقي في جامع السعادات: "إنّ الشارع المقدس كلف الإنسان بطلب الرزق بالأسباب التي هداه الله إليها، من زراعة، أو تجارة، أو صناعة، أو غير ذلك ممّا أحلّه الله، وبإبقاء النسل بالتزويج، وكلّفه بأن يدفع عن نفسه الأشياء المؤذية بالتوسل إلى الأسباب المعينة لدفعها. وكما أنّ العبادات أمور، أمر الله تعالى عباده بالسعي فيها، ليحصل لهم بها التقرّب إليه والسعادات في دار الآخرة، فكذلك طلب الحلال، ودفع الضرر والألم عن النفس والأهل والعيال أمور أمرهم الله تعالى، ليحصل لهم بها التوسل إلى العبادات وما يؤدِّي إلى التقرُّب والسعادة. ولكنه سبحانه كلفهم أيضاً بألّا يثقوا إلّا به، ولا يعتمدوا على الأسباب. كما أنّه سبحانه كلفهم بألّا يتكلوا على أعمالهم الحسنة، بل على فضله ورحمته. فمعنى التوكل المأمور به في الشريعة: اعتماد القلب على الله في الأمور كلها، وانقطاعه عما سواه، ولا ينافيه تحصيل الأسباب إذا لم يسكن إليها". فالتكسب وطلب الرزق إذن، لا ينافي عملية التوكل على الله سبحانه.. بل إنّ طلب الرزق والسعي والتوكل على الله سبحانه من العبادات التي أمرنا القرآن الكريم بممارستها، خاصة وأنّ الأرض قد ذلَّلها الله سبحانه للبشرية، وما على الإنسان إلّا أن يجدّ ويتوكل على الله، ليرى أنّ الأرض قد امتلأت بالأنهار، وأنّ المروج قد امتلأت بالأشجار والأثمار، وأنّ الأرض قد سادها العمران.. وتضلّلها كلها عناية رب غفور رحيم..

قال سبحانه تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الجمعة/ 9-10). نرى من خلال هاتين الآيتين الكريمتين أنّ الله سبحانه وتعالى أمر المسلمين بالعبادة كذلك حرضهم وحثهم على الجسد والكسب والعمل، وأن لا يكنوا متكاسلين عن طلب الرزق والعلم والتقدم. إذ أنّ دين الإسلام ليس دين العبادة فحسب، بل هو دين الحياة، ودين العمل، ودين الجهاد والسعي، ودين العزة والكرامة. من الواجب أن يكون الإنسان جاهداً عاملاً في وسعه لارتقاء حياته من حسن إلى أحسن، وهذا ما نراه من (دستور) الإسلام العظيم وهو القرآن الكريم، إذ أمر بعد أداء فريضة الصلاة، الانتشار في الأرض، والسعي في طلب الرزق، ولا يرضى الإسلام بإهمال الحياة ويكتفي المسلم بالتقشف والزهد، ويقول: "ربي ارزقني من فضلك، وانزل عليَّ مائدة من السماء". لقد عارض هذا الخمول شعار الدين الإسلامي، كما ورد عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب في وصيته لولده الحسن (عليهما السلام): "يا بني اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً". وجاء عن أبي عبدالله (ع) قال: "إني لأركب في الحاجة التي كفاها الله. ما أركب فيها إلا التماس أن يراني الله أضحّي في طلب الحلال، أما تسمع قول الله عزّ اسمه فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله". وقال أيضاً: "أرأيت لو أنّ رجلاً دخل بيتاً وطين بابه عليه ثمّ قال رزقي ينزل عليّ، أكان يكون هذا؟؟" قال سبحانه وتعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) (التوبة/ 105). وقال تعالى شأنه: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) (الملك/ 15).

وإذا رأيت الرزق ضاق ببلدة *** وخشيت فيها أن يضيق المكسب

فارحل فأرض الله واسعة الفضا *** طولاً وعرضاً شرقها والمغرب 

ارسال التعليق

Top