• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

تأثير السكري في عظام المرأة وعلاقة التطور بالخصوبة

تأثير السكري في عظام المرأة وعلاقة التطور بالخصوبة
للسكري عواقب سيئة تقريباً على مجمل الأعضاء والأفعال الحيوية. نذكر هنا تأثيراته في صحة عظام المرأة في حدود سن انقطاع الطمث، مثلما بينتها استنتاجات دراسة واسعة أجريت في الولايات المتحدة. كما نشير إلى دراسة أخرى، حول التطور والخصوبة. من مفارقات السكري أنه، لفترة وجيزة، يقوي البنية العظيمة عند المرأة، في سن معينة، تحديداً قبل انقطاع الطمث ببضع سنوات. لكن، بعد مضي بضع سنوات، تنعكس الأمور، فيصبح السكري أحد ألدّ أعداء سلامة عظام المرأة، لاسيما أن ذلك التدهور يتصادف مع فترة انقطاع الطمث، وما قد تفضي إليه أصلاً من رفع احتمالات الإصابة بهشاشة العظام (جراء التغيرات الهرمونية الحاصلة في تلك الفترة). فمن الثابت والمعروف أن ضمور إفراز بعض الهرمونات، إثر انقطاع الطمث، في كثير من الأحيان، يؤدي إلى إضعاف البنية العظمية. وإن تضافر ذلك مع وجود إصابة بالسكري، لا يستبعد أن تكون العواقب وخيمة على العظام. ففي الولايات المتحدة الأميركية، أجريت مؤخراً دراسة مستفيضة على عدد كبير من النساء (تحديداً، 2245 امرأة، تم اختيارهن من بين أكثر من 100 عيادة ومستشفى، من مختلف الولايات). والدراسة، التي استغرقت ثلاث سنوات، أتت ضمن دراسة أشمل وأعم، قامت بها وزارة الصحة الأميركية، التي أطلقت عليها تسمية "سوانswan" (مختصر Study of Women Across the Nation). وكانت المشاركات كلهن بين سني 42 و52 عاماً، بعبارة أخرى: كن كلهن إما موشكات على بلوغ سن انقطاع الطمث، أو بلغنها فعلاً، أو تجاوزنها قليلاً. وفي بداية الدراسة، لاحظ الباحثون أمراً غريباً، يبدو عقب سن الطمث، أعلى بضعفين عند فئة المصابات بالسكري قياساً بالأخريات، المعصومات منه. هذا يعني أن للسكري علاقة غريبة مع صلادة العظام لدى النسوة، أو هشاشتها، بما أن من نتائجه العرضية، على ما يبدو، تقوية الكتلة العظمية قبل سن انقطاع الطمث، ثم فجأة "يتغير سلوكه"، فيبدأ بتدمير تلك الكتلة نفسها حال بلوغ تلك السن، أو قبُيلها بقليل. وللعلم، فإن فقدان الكتلة العظمية، في حد ذاته، أمر طبيعي، للنساء والرجال على حد سواء. لكن الظاهرة تخص النساء أكثر. فمن جهة، تبدأ مبكراً أكثر. ومن جهة أخرى. تكون نسبة الفقدان أعلى عند المرأة منها عند الرجل: فعقب انقطاع الطمث، تفقد المرأة سنوياً نسبة 0.3 في المئة من كتلتها العظمية. لكن، تتسارع النسبة لتصل إلى 2 في المئة سنوياً، بعد مضي 10 سنوات. وذلك كله، طبعاً، من دون وجود عوامل مساعدة ومؤهبة أخرى، مثل السكري، الذي يزيد الطين بلة. إلى ذلك، ينبغي معرفة أن النسب متفاوتة، حتى عند المرأة الواحدة، بحسب نوعية العظام: هل هي "إسفنجية" أم صلدة؟ وهل هي عظام "حاملة" (مثل عظم الفخذ) أم غير حاملة (مثل عظم الكعبرة)؟   - لا علاقة لرضوض الطفولة: وفي سياق متصل، في الحديث عن العظام، أجريت دراسة أخرى، شملت نحو 150 شخصاً، ذكوراً وإناثاً، تابعهم الباحثون منذ الطفولة حتى بدايات سن البلوغ. وأثبتت الدراسة التي قامت بها جامعة إقليم "ساسكاتشيوان Saskatchewan"، في كندا، أن التعرض لكسور في العظام أثناء الطفولة لا علاقة له، لاحقاً، بقابلية حصول كسور أو رضوض عظمية، بعد سن البلوغ. وبذلك، تكمن أهمية تلك الدراسة في تفنيد بعض الأفكار الشائعة في هذا المجال.   - التطور وخطر العقم: ولنشر إلى دراسة ثالثة، غير ذات علاقة بالعظام، إذ تتطرق إلى موضوع آخر، يختلف تماماً عن علاقة السكري بالكتلة العظمية، وعن تأثير إصابات الطفولة لاحقاً. فهي تتناول جانباً "حضارياً": هل ثمة علاقة بين درجة خصوبة المرأة، بمعنى معدل الإنجاب لكل أم، من جهة، ومن جهة أخرى التطور العلمي والتقني لمعظم المجتمعات المعاصرة. إذ لاحظ الباحثون أن القرن الماضي، الذي عرف تطوراً منقطع النظير في تاريخ البشرية، في المجالات العلمية والتطبيقية، شهد أيضاً انخفاضاً ملموساً في قدرة المرأة على الإنجاب. وهذا ما أدّى إلى ترسيخ بديهية مفادها: يتناسب "التقدم" عكسياً مع خصوبة المرأة (نعني التقدم الاجتماعي والصحي والعلمي والتقني، وتطبيقات العلوم المختلفة، واستنباط مئات الأجهزة الحديثة، ووسائل النقل، وما إلى ذلك). وطبعاً، تهمل تلك البديهية حقيقة أن تقلص معدلات عدد الأطفال لدى العائلات يشمل أيضاً انخفاض الخصوبة عند الرجل. إذ أثبتت دراسات عديدة أن حالات العقم وعدم القدرة على الإنجاب، لدى بعض الأسر، يمكن أن تنجم أيضاً عن عقم الرجل، بنسبة عامة تؤلف 12 في المئة من مجمل حالات العقم في العالم. هكذا، يجوز الاستنتاج أن للرجل أيضاً ضلعاً في التدني التدريجي لمعدل عدد الأطفال للأسرة الواحدة، على الصعيد العالمي، الذي حصل خلال القرن العشرين.   - مؤشر التطور: في أي حال، الدراسة الأخيرة، التي نشرتها مجلة "نايتشر" (الطبيعة) البريطانية الشهيرة، أدخلت عنصراً إضافياً: "مؤشر التطور الإنساني". وهذا المؤشر، ذو الدلائل الإحصائية المهمة، الذي استنبطته منظمة الأمم المتحدة عام 1990، يأخذ بعين الاعتبار مجموعة عوامل اجتماعية واقتصادية، وليس فقط الموارد، وتصنيف البلدان المختلفة هذا في خانة الدول "المتطورة"، وذاك في فئة "البلدان النامية"، وما إلى ذلك. هكذا، مثلاً، عام 2004، بلغ معدل "مؤشر التطور الإنساني" لمجموع البلدان العربية 0.7 بتزايد طفيف، إنما مطرد، قياساً بالسنوات السابقة. ومؤشر 0.700 أعلى من مؤشرات بلدان جنوب آسيا، التي بدورها لها منزلة أعلى من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. لكن 0.700 في المقابل، أقل بكثير من 0.920، مؤشر بلدان "منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية" (أوروبا الغربية والولايات المتحدة وكندا واليابان)، التي تنعم بأعلى مؤشر في العالم، قبل أوروبا الوسطى والشرقية، ثم أميركا اللاتينية، ثم جنوب شرق آسيا، التي تأتي مباشرة قبل البلدان العربية (بمؤشر 0.760). وعام 2010، احتلت الإمارات أول مرتبة عربياً، ورقم 32 عالمياً (بمؤشر 0.815)، وبعدها قطر، في المركز 38 عالمياً (بمؤشر 0.803). ويُذكر أن النرويج جاءت الأولى على صعيد العالم (المؤشر 0.938). والجديد، بحسب دراسة مجلة "نايتشر"، هو أن المعطيات السكانية بدأت تتغير منذ مطلع القرن الحالي. فإذ لا يزال معدل خصوبة المرأة آخذاً في التراجع في المجتمعات ذات مؤشر التطور الإنساني المتدني أو المتوسط (ومنها منطقتنا، ذات المؤشر المتوسط، فضلاً عن شبه القارة الهندية وجنوب آسيا، وأفريقيا السوداء، ذات المؤشر الأدنى عالمياً)، فإن التوجه معاكس تماماً في البلدان ذات مؤشر التطور الإنساني العالي. بعبارة أخرى، بدأت البلدان الصناعية "الغنية" (بمعنى أوروبا الغربية وأميركا الشمالية واليابان) تستعيد معدلات خصوبة أعلى، تضاهي ما كانت عليه عندهم في منتصف القرن العشرين. في المقابل، بدأت معدلات الإنجاب لكل أم تنخفض في المنطقة العربية والهند وجنوب آسيا وأفريقيا. لكن، ينبغي مراعاة الحذر في تفسير تلك الاستنتاجات، حتى وإن صحت. فتزايد معدلات خصوبة المرأة الغربية تزايداً طفيفاً لا يعني أنها بلغت مستوى خصوبة المرأة العربية والهندية والأفريقية. فمعدلات الإنجاب، في البلدان الصناعية، بلغت حدوداً دنيا لم يسبق لها مثيل، لاسيما في تسعينات القرن الماضي. وحتى الآن، رغم التزايد الطفيف، ظلت متدنية. هكذا، مثلاً، في اليابان، عام 2010، كان معدل الخصوبة 1.2 طفل لكل أم، مقابل 7.7 في النيجر، و3 في مصر، مثلاً. وعام 2010، لم يتجاوز معدل الخصوبة في فرنسا سوى 1.97، و1.47 في إسبانيا، و1.32 في إيطاليا، وهكذا دواليك. لذا، فإنّ الزيادة الطفيفة (مثلاً 1.47 في إسبانيا بدلاص من 1.42) غير كافية لمضاهاة مُعدّلات هي أصلاً عالية، وتظل مرتفعة على الرغم من انخفاضها الطفيف جرّاء التطور الاجتماعي.

ارسال التعليق

Top