• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

حل المنازعات والإصلاح بين الناس

عمار كاظم

حل المنازعات والإصلاح بين الناس

(وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين) (الأنفال/ 46)، المنازعات وحدوث المشاكل بين الناس ظاهرة ملازمة للمجتمع الإنساني ولا يمكن أن يوجد مجتمع من غير أن تكون فيه مشاكل وخلافات ونزاعات وجرائم ومخالفات… ومن الأهداف الأساسية للأنبياء والمرسلين والرسالات الإلهية هو (الإصلاح بين الناس) لذا يركز القرآن العناية ويثقف المسلمين على أهمية الإصلاح بين الناس وحل المنازعات التي تحدث في المجتمع فليس من أخلاقية المسلم أن يكون متفرجاً على المشاكل والنزاعات كأن الأمر لا يعنيه بل هو مسؤول عن تحمل تلك المسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى عملاً بقاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. نقرأ عناية القرآن الخاصة في إصلاح المشاكل الأسرية وحل منازعات الأسرة عندما يعرض صورة من مشاكل الأسرة ويدعو لحلها صلحا قال تعالى: (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا) (النساء/ 128)، ويرشد القرآن الكريم في آيات أخر إلى آلية عملية لحل النزاع الذي يحدث بين الزوج والزوجة… جاء هذا البيان في قوله تعالى: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا) (النساء/ 35).. وسجل القرآن الكريم حادثة منازعات بين قبيلتين في عصر النزول، وحدث بينهما خلاف وقتال.. ووجه المسلمين في ذلك الوقت ودعاهم إلى أن يسارعوا للإصلاح بينهم والوقوف بوجه المعتدي الذي يرفض الاستجابة للإصلاح وحل هذا النزاع. (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصحلوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا إن الله يحب المقسطين إنما المؤمنون إخوة فاصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون) (الحجرات/ 9 – 10). ويكشف القرآن دعوته للإصلاح بين الناس وحل المنازعات والخلافات وإنهاء المشاكل بمبادرات اجتماعية وجهود مدنية خارج دائرة القضاء… إن القرآن يدعو المسلمين إلى البر وهو المعروف والإحسان وإلى تقوى الله وإلى الإصلاح بين الناس فيخاطبهم بقوله: (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم) (البقرة/ 224). ومرة أخرى يدعو القرآن إلى تقوى الله وطاعته وطاعة الرسول صلى الله عليه وآله وهي الالتزام بأحكام الشريعة وقيمها الإنسانية السامية… وإصلاح مشاكل المجتمع التي تحدث بين الناس وحل منازعاتهم بالتي هي أحسن. (فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين) (الأنفال/ 1). إن المصلحين الذين يحلون مشاكل المجتمع والمنازعات والخلافات التي تحدث بين الناس يستحقون الثناء والتقدير والجزاء الكريم من الله سبحانه وذلك رفع لشأن الإصلاح وحل المنازعات وتعظيم له… وفي إصلاح المجتمع وتطهيره من المفاسد والانحرافات الفكرية والسلوكية وإصلاح العلاقات الإنسانية بين الناس… نقرأ هذا التكريم والثناء في قوله تعالى: (والذين يُمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين) (الأعراف/ 170). فالإصلاح في تشخيص القرآن وقاية من الهلاك والدمار، فلنق أنفسنا ومجتمعنا من الهلاك والدمار. (واتقوا فتنة لا تصيبين الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب) (الأنفال/ 25). ويثبت القرآن مبدأين أساسيين للإصلاح هما، أولهما أساس الحق والعدل… فالقرآن يريد أن يبني الحياة على أساس الحق والعدل.. وعندما يحدث نزاع بين طرفين يأمرنا القرآن أن نحل هذا النزاع بالعدل والقسط قال تعالى: (فأصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا إن الله يحب المقسطين) (الحجرات/ 9)، والأساس الثاني من الأسس التي يرتكز عليها الإصلاح وحل المنازعات الذي يدعو له القرآن الكريم هو أساس العفو والتسامح… قال تعالى: (وإن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم) (البقرة/ 237). وقد جعل الله الإيمان من أسس الأخوة تدخل في إطاره الحقوق التي فرضها للأخ على أخيه {إنما المؤمنون اخوة} فإن الإيمان لحمة كلحمة النسب وقد كثرت الأحاديث التي تؤكد أن (المؤمن أخو المؤمن عينه ودليله لا يخونه ولا يظلمه ولا يغشه ولا يعده عدة فيخلفه)، وإن (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يغشه ولا يخذله ولا يغتابه ولا يخونه ولا يحرمه) والمراد بالمؤمن في كل موارد القرآن المسلم عاش الإيمان عقيدة في قلبه والتزاما بالإسلام في حياته ما يجعل الوحدة بين المسلمين تترسخ عبر الأخوة الإسلامية الإيمانية التي جعلها الله قاعدة للعلاقة فيما بينهم. وإذا كان المؤمنون إخوة فإن النداء الإلهي يتوجه إليهم جميعا ليصلحوا {فأصلحوا بين أخويكم} باعتبار أن الإصلاح من حقوق المؤمنين على بعضهم البعض، ومسؤوليتهم في الحياة الاجتماعية الإسلامية التي يعتبر الجميع معنيين بتوازنها وتماسكها واستقامتها في خط الصلاح والإصلاح والوحدة، {واتقوا الله} في كلّ أموركم وعلى مستوى العلاقات كي لا تختلفوا بالباطل وفي خلافاتكم لتحلوها على قاعدة التقوى المرتكزة على شريعة الله فيما جعله الله من الحقوق في الحياة العامة والخاصة للناس {لعلكم ترحمون} لأن الله جعل رحمته للمتقين والملتزمين بالسير على خطى رضاه ولمن يلتزمون شريعته في أوضاعهم الفردية والاجتماعية، لأن ذلك سبيل للوصول إلى النتائج الإيجابية على مستوى السلامة العامة للحياة الأمر الذي يربط الناس بالإسلام من خلال الرحمة الإلهية في شريعته واللطف الإلهي في رحمته ورضوانه.

ارسال التعليق

Top