• ٢٤ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٥ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

حُسن الظنّ من الإيمان

السيد سابق

حُسن الظنّ من الإيمان

◄اجتنبوا كثيراً من الظن:

صيانة أعراض الناس والمحافظة على حرماتهم وسمعتهم وكرامتهم من فرائض الإسلام وواجباته الأساسية حتى تقوى صِلات الأفراد، وحتى يكونوا كالبنيان المرصوص يشد بعضاً بعضه، وبذلك ينمحي من بينهم كلّ سبب من أسباب الفرقة، وينتفي كلّ ما يزرع في النفوس العداوة والبغضاء.

ولكي يتم ذلك، أوجب الإسلام على المسلم أن يحسن الظن بإخوانه المسلمين، فلا يحل لأحد منهم أن يتهم غيره بفحش أو ينسب إليه الفجور أو يسند إليه الإخلال بالواجب أو النقص في الدين أو المروءة، أو أي فعل من شأنه أن ينقص من قدره أو يحط من مكانته، ما لم يكن ثمة سبب يوجب تهمته، أو أمارة يوجب الشرع العمل بها، كأن يشهد الشهود العدول، أو يقر المتهم بما صدر عنه، أو يقف مواقف التهم، ونحو ذلك من الأدلة التي اعتبرها الشارع.

وقد أمر الله بالتثبت؛ ونهى عن تصديق الوهم والأخذ بالحدس والظن، فقال:

(وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا) (الإسراء/ 36).

أي لا تقل إني سمعت – والحال إنّك لم تسمع، ولا رأيت – والحال إنّك لم ترَ، ولا علمت – والحال إنّك لم تعلم؛ ولا تتبع الظن في أي قضية من القضايا فتصدق ما لا يتفق مع الواقع ولا مع العلم الصحيح، بل استعمل الوسائل الموصلة إلى الحقيقة، فإنّك مسؤول أمام الله عن ذلك كلّه.

وليس الأمر في التثبت والتبيّن مقصوراً على الفاسق، بل هو عام ينتظم الفاسق وغيره ممن ليس أهلاً للثقة بقوله والاطمئنان إلى خبره. وقد عتب الله على الذين يسارعون إلى التصديق دون أن يتثبتوا فقال: (لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ) (النور/ 13).

وقال:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) (الحجرات/ 12).

والظن المأمور باجتنابه هو التهمة التي لا دليل عليها، واتهام الغير بدون دليل موقع في الإثم ومُفضٍ إلى العقوبة؛ والرسول (ص) يقول محذراً من الظنون: "إياكم والظن، فإنّ الظن أكذب الحديث". ويقول: "حسن الظن من حسن العبادة".

 

إساءة الظن بمن وقف مواقف التهم:

فإنّ تظاهر إنسان بمعصية، أو اشتهر بتعاطي الريب، أو جاهر باقتراف السيئات، أو دخل مداخل السوء، فلا لوم على مَن أساء به الظن، لأنّ الظن هنا أصبح حقيقة. وما دام ذلك كذلك يكون بعضه من تمام الإيمان. يقول الرسول (ص): "مَن أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان".

 

سوء الظن عصمة:

وإذا كان الإسلام أوجب حسن الظن بالإنسان – ما لم يصدر عنه ما يوجب سوء الظن به من قول أو فعل، فإنّ على الإنسان أن يكون حذراً إذا عرضت له معاملة مع أحد من الناس، فيقدم سوء الظن حتى تستبين له الحقائق؛ كي لا يقع في شرك المخادعين، الذين لم يظهر ما في طواياهم.

فمثلاً، إذا أراد الإنسان أن يتزوج زوجة من أسرة مستورة الحال، ولم يبدُ منها ما يدل على ريبة، فإنّ عليه ألا يتعجل بعقد قرانها، وعليه أن يقدم الحذر حتى يتبيّن له كرم هذه الأسرة، وشرف محتدها، وصلاحية المرأة لمشاركته الحياة، وحسن قيامها بحقّ الزوج؛ لأنّه إذا اندفع في هذه الحال وأخذ بالظاهر دون أن يحتاط ويتحرى، ويقدم الحذر وسوء الظن، فربما ظهر له بعد العقد عليها ما يعرضه لمشكلات لا قبل له بها.

وكذلك إذا أراد الحاكم أن يعيِّن موظفاً، أو أراد الناخب أن يختار مرشحاً يمثله ويعبر عنه، فإنّه يجب عليه أن يتخير الكفء الأمين الذي ظهرت عدالته وحسن سيرته.

وكذلك إذا أراد مشاركة آخر في تجارة ونحوها، فعليه ألا يتعجل ويأخذ بالظاهر حتى يتبيّن له مدى أمانة شريكه، كي لا يعرِّض ماله للضياع والتلف. وفي هذا يقول الرسول (ص): "احترسوا من الناس بسوء الظن".

 

وجوب التأويل ما دام ممكناً:

وإذا رأى الإنسان من أخيه ما يستنكره فعليه أن يتأوّله – ما وجد له في الخير مذهباً –، يقول الله سبحانه:

(لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا) (النور/ 12).

أي طلبوا التأويل فظنوا الخير؛ إذ لولا التأويل ما كان هذا الظن الحسن. وإذا لم يجد باباً من التأويل ولا ما يدفع سوء الظن فَلْيبادر إلى مواجهة المظنون به، وليفاتحه بما ينسب إليه، فإما أن يعترف ويستمرىء ما هو عليه، وبذلك يسلم من إثم الظن، لأنّ الظن لا يتحول إلى يقين فيكون ما ظنه حقاً فلا تكون التهمة خالية من الدليل؛ وإما أن يحدث توبة ويستأنف حياة نظيفة فيكون ذلك من أعظم الخير الذي أسداه إليه؛ وإما أن تظهر براءته، ويكون الظن قائماً على غير أساس.

 

لا مؤاخذة بحديث النفس:

ومهما عرض للإنسان من شكوك في الناس من ريب بالنسبة لبعض الأفراد فإنّه لا يدخل في دائرة التحذير من سوء الظن ما لم تستقر هذه الشكوك في النفس، وتقوى وتشتد حتى تصل إلى حد الجزم والاعتقاد. لأنّ ما يعرض للنفس دون استقرار لا يقدر الإنسان على دفعه ولا يكلف به ولا يؤاخذ عليه.►

 

المصدر: كتاب دعوة الإسلام

ارسال التعليق

Top