• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

خطّ العبودية والإخلاص لله وحده

عمار كاظم

خطّ العبودية والإخلاص لله وحده

يقول تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (الإسراء/ 70). تدعو هذه الآية إلى احترام الكرامة البشرية، وإلى ألا يساء إليها تحت أيّ عنوان وتبرير، مهما كان، فذلك لا يتوافق البتّة مع دعوة الباري عزّوجلّ إلى حفظ الواقع الإنساني، وعدم التفريط في الكرامات، الذي يعتبر من الأُمور المخلّة بالنظام والسنن الإلهيّة والأخلاقية والإنسانية. الحرّية بكلّ أنواعها حقّ طبيعي لابدّ من توجيهه وفق مقتضيات الحقّ ومستلزماته، فلا معنى لحرّيةٍ تؤدِّي إلى إبطال الحقّ وتأكيد الباطل، فالحرّية هي قوّة تعين الفرد والجماعة على إدارة شؤونهم بما يرتفع بنفوسهم ويجعلها تبدع وتنتج وتنفع في الميادين كافّة.. الحرّية تأخذ حيّزها الطبيعي عندما تظهر حُسن اختيار العبد لموقفه، وحُسن اختيار طريقة معاشه وحياته، وحُسن اختيار الفكر الذي يزكو به ويسمو ويفتح آفاقه الواسعة على الوجود كلّه. فلقد ورد عن أهل البيت (عليهم السلام): «لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرّاً».. فالإنسان حرٌّ في فكره ورأيه وتعبيره عن ذلك أمام كلّ الناس، وحرٌّ في تصرّفاته وحياته أمام كلّ الناس، ولكنّه عبد لله تعالى، لا يملك شيئاً إلّا العبودية أمام الله، ويملك الحرّية أمام الناس، وحتى إنّ ولاية الأنبياء والأولياء على الناس هي من خلال جعل الله تعالى لهم ذلك، لأنّهم عباده الذين اصطفاهم لإنذار الخلق وتبشيرهم وقيادتهم في الحياة.

العبودية لله وحده وهي المصدر الأساسي لحرّية الإنسان وتتحقق العبودية بجعل كلّ عمل يمارسه الإنسان في الحياة متطابقاً مع إرادة الله، فالحاكم عندما يحكم بين الناس بالعدل، والتاجر حينما يمتنع عن الغش والربا والاحتكار، والعامل حينما يخلص في العمل، ويسعى من أجل الكسب الحلال، والقائد حينما يضحي من أجل الحقّ والإصلاح، والجندي عندما يجاهد في سبيل الله، والأب حينما يربي أبناءه تربية صالحة، وكذلك الذي يبتعد عن قتل النفس، وظلم الناس أو يقوم بالعطف على الفقير، أو يقضي حاجة محتاج، أو يستنكر عملاً قبيحاً أو يرشد إنساناً منحرفاً... إلخ. عندما يعمل الناس جميعاً هذه الأعمال، أو يقفون هذه المواقف وأمثالها وفق أوامر الله وشريعته، إنّما يمارسون العبادة بأوضح صُورها ويحقّقون إرادة الله على حقيقتها (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (الأنعام/ 153). فالسير على طريق الله والالتزام بمنهجه وشريعته في الحياة هي: وصية الله التي أوصانا بها وطالبنا أن نلتزم بقوانينها وأنظمتها وتعاليمها، من حلال وحرام وواجب، ولا ننحرف عنها، فنتبع القوانين والنظم والمبادئ والأفكار التي وضعها الإنسان وفق مصالحه ومنافعه الأنانية الخاصّة، فننحرف عن عبادة الله ونشرك هؤلاء الناس في العبادة مع الله، فنخرج على خطّ العبودية والإخلاص لله وحده. فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) تفسير قوله تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ) (التوبة/ 31). «أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفُسهم ولو دعوهم إلى عبادة أنفُسهم ما أجابوهم ولكن أحلوا لهم حراماً وحرّموا حلالاً فعبدوهم من حيث لا يشعرون». وفي نهاية المطاف نستنتج أنّ العبودية في الإسلام لا ينحصر تجسيد مضمونها، ولا التعبير عنها، في مجموعة من عبادات الإنسان وأعماله، كالصوم والصلاة، والحجّ فقط، بل وتشمل كلّ تفكير ونشاط وسلوك وعلاقة إنسانية يمارسها الإنسان مع ربّه ونفسه وعائلته أو مع مجتمعه ومحيطه، شريطة أن يكون الدافع إلى ذلك هو التسليم لأمر الله والاستجابة لإرادته والرغبة في قربه. وهذا هو معنى قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ) (الحجّ/ 77). ولكي يعي الإنسان معنى العبودية ويدرك أثرها وأبعادها في حياته، ويستشعر وجودها ومظاهر تحققها في عالمه، فيندمج في خطها، ويتطابق مع مصاديقها ليكون عبد لله لا لغيره. 

ارسال التعليق

Top