• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

دور الإيمان في تحسين العلاقات الاجتماعية

مرتضى المطهري

دور الإيمان في تحسين العلاقات الاجتماعية
◄خُلق الإنسان اجتماعياً مثل بعض الأحياء الأخرى، فالفرد وحده لا يمكن أن يؤمّن لنفسه كلّ ما يحتاج، إذن لابدّ أن تكون الحياة "شركة" بين مجموعة منهم، ولكلّ فرد سهم في الواجبات والحقوق، فيصبح لدينا لون من "تقسيم العمل" بين الأفراد.

مع وجود تفاوت بين الإنسان وسائر الأحياء الاجتماعية مثل (نحل العسل)، وهذا التفاوت هو أنّ تقسيم العمل في تلك الأحياء يكون بحكم الغريزة والطبيعة، وقد سلبت منها القدرة على التخلف والتغيير. أما الإنسان فهو موجود حر مختار ولابدّ أن يؤدي أعماله بحرّية تامة وبعنوان كونها "واجباً".

وبعبارة أخرى: تحتاج تلك الأحياء إلى أمور اجتماعية وقد أعطيت غرائز اجتماعية تتحكّم فيها على الرغم منها. أمّا الإنسان فمع انّ حاجاته اجتماعية ولكنّه لا توجد في حقّه غرائز تتحكّم فيه كما في سائر الأحياء، بل تبرز غرائزه الاجتماعية بصورة "عروض" من الداخل بحيث يمكن إخضاعها للتربية والتعليم.

والحياة الاجتماعية السليمة هي تلك التي يحترم فيها الأفراد القوانين وحقوق وحدود كلّ فرد منهم، ويقدّسون العدالة، ويتبادلون الحبّ والصداقة، وكلّ فرد منهم يحب للآخرين ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لها، ويعتمد ويطمئن كلّ منهم بالآخر، والضامن للاعتماد المتبادل هو الوضع الروحي لهم، وكلّ فرد منهم يحسّ بأنّه مسؤول في مجتمعه، وهم يبدون في أكثر الأماكن سريّية نفس تلك التقوى والعفاف الذي يظهر منهم وسط الملأ العام. ويحسنون إلى بعضهم بنيّات مجرد عن الطمع تماماً، ويهبّون لمقاومة الظلم والانحراف، ولا يفسحون المجال لأيّ ظالم أو مفسد، ويثمنون القيم الأخلاقية، ويتعاملون فيما بينهم كأنّهم أعضاء متحدة متفقة لجسم واحد.

والشيء الذي أكثر من غيره يجعل الحقّ محترماً، والعدالة مقدّسة، والقلوب متحابّة، والأفراد متبادلين للثقة، والتقوى والعفاف نافذين إلى أعماق الوجدان الإنساني، والقيم الخلقية حيّة، ويمنح الشجاعة لمقاومة الظلم، ويحول الأفراد إلى أعضاء جسم واحد متفقين ومتحدين، انّما هو الإيمان الديني.

والتجليّات الإنسانية التي تتلألأ كالنجوم في سماء التأريخ هي تلك النابعة من الإحساسات الدينية.

 

التقليل من الآلام:

في الحياة البشرية – شئنا أم أبينا – توجد الأشياء الحلوة والمفرحة والمحققة للآمال، وتوجد الآلام والمصائب والهزائم والأمور المرّة وغير المتوقعة وكثير منها لا يمكن الحيلولة دون وقوعه أو لا يمكن رفعه بَعد وقوعه مهما حاولنا ذلك.

والإنسان مكلّف أن يليّن من خشونة الطبيعة ويغيّر المرارة إلى حلاوة. ولكنّ بعض الحوادث لا يمكن الحيلولة دون وقوعه، أو لا يمكن رفعه بعد وقوعه، مثل الشيخوخة. فالإنسان – شاء أم أبى – يخطو نحو الشيخوخة ونحو مرحلة ينطفىء فيها نور العمر. والضعف وبقية عوارض الشيخوخة تضفي على الحياة لوناً شاحباً من الحزن والغم.

وعلاوة على هذا فإنّ فكرة الموت والعدم ومفارقة الوجود والكون وتركه للآخرين، كلّ هذا يجعل الإنسان في دوامة من الألم والعذاب.

ولكنّ الإيمان الدّيني يوجد في الإنسان روح المقاومة ويحوِّل المرارة إلى حلاوة، فالإنسان المؤمن يعلم أنّ لكلّ شيء في الكون حساباً معيناً وإذا كان ردّ فعله إزاء الأشياء المرة على النحو المطلوب، فلو فرضنا أنّها بذاتها غير قابلة للتعويض، فإنّنا سنعوّض عليها عند الله سبحانه.

والشيخوخة لمّا لم تكن هي النهاية وبالإضافة إلى هذا فإنّ الإنسان المؤمن يملأ دائماً فراغه بالعبادة والأنس بذكر الله فهو يصبح طيّب العِشرة، ويحرص الناس على صداقته، بحيث تصبح لذة الحياة في مرحلة الشيخوخة أكبر وأعمق من مرحلة الشباب بالنسبة إلى المؤمنين بالله تعالى.

وتختلف صورة الموت في عين الإنسان المؤمن عن صورته في عين الشخص غير المؤمن، فليس الموت – من وجهة نظر المؤمن – فناءً ولا عدماً، بل هو انتقال من دنيا فانية إلى أخرى باقية، ومن كون صغير إلى أكبر منه. والموت انتقال من كون أعد للعمل والبذر إلى كون معد للنتيجة والمحصول. ومن هنا فمثل هذا الفرد يقدم على إذابة حزنه من الموت بأعمال الخير التي يطلق عليها الدّين اسم "العمل الصالح".

ويقطع علماء النفس بأنّ أكثر الأمراض النفسية الناشئة من الآلام الروحية ومرارة الحياة تنتشر بين الأفراد غير المتديّنين. أمّا المتدينون فكلّما كان إيمانهم قوياً ومحكماً أكثر كانوا مصونين من هذه الأمراض بنفس تلك النسبة. ولهذا السبب فإنّ أحد أعراض عصرنا والذي جاء نتيجة لضعف الإيمان الديني هو انتشار الأمراض النفسية والعصبية.►

المصدر: كتاب الإنسان والإيمان

ارسال التعليق

Top