• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

تواضع لكل الناس

عبدالله أحمد اليوسف

تواضع لكل الناس

◄من أهم العوامل للنجاح الاجتماعي هو التواضع للناس، فالمتواضع يحوز على حب الآخرين له، وعلى تقدير واحترام الجميع، لأنّ من يحترم الآخرين يحترمونه، ومن يقدرهم يقدرونه، والعكس صحيح تماماً.

والتواضع صفة حميدة يجب أن يتحلى بها المسلم، لأنّها تعبر عن كبر النفس وسموها ورفعتها، ولذا على المسلم أن يجتهد كي يتحول التواضع إلى ملكة لديه.

وقد أمر القرآن الكريم المؤمنين بالتواضع، وبالرغم من أن كلمة "التواضع" لم ترد بلفظها في القرآن الكريم، ولكن وردت كلمات تشير إليها وتدلّ عليها، منها قوله تعالى: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) (الحجر/ 88)، وقوله تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا) (الفرقان/ 63)، وقوله تعالى: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (الشعراء/ 215).

إلى غيرها من الآيات الشريفة التي فيها معنى التواضع، أما في السنّة المطهّرة فقد ورد الكثير من الروايات التي تحثّ على التحلي بالتواضع، والتي توضح أيضاً فضيلة التواضع، منها قول الرسول (ص): "ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلّا عزاً، وما تواضع أحد لله إلّا رفعه الله" وقوله: "أفضل العبادة التواضع" وقوله: "إنّ التواضع لا يزيد العبد إلّا رفعة، فتواضعوا يرفعكم الله" وقال (ص) لأصحابه يوماً: "ما لي لا أرى عليكم حلاوة العبادة" قالوا: وما حلاوة العبادة؟ قال: "التواضع" إلى غيرها من الروايات الكثيرة التي تبين أهمية التواضع وفضيلته، فحريّ بالمسلم أن يتصف بهذه الصفة الرفيعة، والتي توصله للفلاح والسعادة في آخرته ودنياه.

 

فن التواضع:

ما هو التواضع؟

كلمة التواضع مأخوذة من مادة "وضع" وهي تدلّ على خفض الشيء، والتواضع في عُرف علماء الأخلاق هو لين الجانب، والبعد عن الاعتزاز بالنفس، ولذلك قالوا: إنّ التواضع هو اللين مع الخلق، والخضوع للحق، وخفض الجناح.

والتواضع... فن..!

ولذلك فأنت بحاجة لمعرفة أصول هذا الفن وأسسه ومقوماته، ومن ثمّ لابدّ من التمرن والتدرّب لإتقان هذا الفن.

فالتواضع هو أرضية الصداقة، وهو ليس علماً يقرأ، ولا نظرية تحفظ، ولا محاضرة تلقى، إنما التواضع فن يحتاج الإنسان إلى التدرّب عليه.

ومن السهولة بمكان أن يعرف الإنسان شيئاً من الزاوية النظرية، ولكن الصعب هو أن يتدرّب عليه، حتى يصبح جزءاً من تصرفاته الطبيعية.

فأنت يمكنك، خلال دقيقة واحدة أن تتعلم كيف تقود السيارة، إلّا أنّك تحتاج من الوقت شهراً من التدرّب لكي تقود السيارة فعلاً وتمارسها بشكل عادي.

هكذا التواضع... فمعرفة أصوله وطريقته لا تستغرق وقتاً، ولكنها بحاجة إلى فترة طويلة حتى يتعلمه الإنسان عملياً.. ويصبح جزءاً من تصرفاته.

إنّ الإصرار، وقوة الإرادة، وثبات العزيمة، والاستقامة، عناصر ضرورية لتدريب النفس وتمرينها على الصفات الحميدة، وتخليصها من كلّ الصفات الرذيلة.

والآن.. ما هي أصول التواضع؟ كيف نتواضع؟ ماذا يعني التواضع؟

للإجابة على هذه التساؤلات.. إليك الصورة المشرقة من تواضع الرسول (ص) حتى نستلهم منها دروساً في فن التواضع.

لقد كان (ص) أشد الناس تواضعاً في علوّ منصبه، فكان يخصف النعل ويرقع الثوب وكان يصنع في بيته مع أهله حاجتهم، وكان أصحابه لا يقومون له لما عرفوا من كراهته لذلك، وكان يمرّ على الصبيان فيسلم عليهم، وأتى (ص) برجل فأرعد من هيبته فقال له: هوّن عليك فلست بملك إنّما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد. وكان يجلس مع أصحابه مختلطاً بهم كأنّه أحدهم فيأتي الغريب فلا يدري أيّهم هو! حتى يسأل عنه حتى طلبوا إليه أن يجلس مجلساً يعرفه الغريب فبنوا له دكاناً من طين فكان يجلس عليه، وكان لا يأكل على خوان ولا في سكرجة حتى لحق الله تعالى، وكان لا يدعوه أحد من أصحابه وغيرهم إلّا قال: لبيك.

وكان (ص) لا يتميز على أصحابه، بل يشاركهم العمل ما قلّ أو كثر، وإذا دخل بيته كان في خدمة أهله، فهو يحلب الشاة، ويرفع الثوب، ويعلف الدابة، ويعقل البعير، ويطحن بالرحى، ويشتري الشيء من السوق ويحمله، ويأكل مع الخادم، ويجالس المساكين، ويُعنى بالأرملة واليتيم والفقير.

هكذا كان الرسول (ص) المثل الأعلى للتواضع، إنّه يرسم لنا صورة واضحة للتواضع، فما أجدرنا أن نقتدي به (ص)، فهو قائدنا وقدوتنا.

 

تواضع.. تكن عظيماً:

تواضع... فهي وصية الأنبياء لأممهم!

تواضع... فهي نصيحة الحكماء لمجتمعاتهم!

تواضع... فهي حكمة الفلاسفة لجماهيرهم!

تواضع... كي يحبك الله، ويحبك الناس، فالمتواضع محبوب عند الله، ومحبوب عند الناس، والمتكبر مبغوض عند الله، ومنبوذ عند الناس.

التواضع هو من أهم عناصر النجاح الاجتماعي، فإذا شئت أن تكون وجيهاً وزعيماً في مجتمعك، أو بين أصدقائك، أو على صعيد قبيلتك.. فلا شيء كالتواضع يوصلك إلى ما تريد، وكما قال حكيم الصين "لاوتي": الرطل العاقل هو الذي إذا أراد أن يعلو على الناس وضع نفسه أسفلهم، وإذا شاء أن يتصدرهم جعل نفسه خلفهم، ألا ترى إلى البحار والأنهار كيف تتلقى الجزية من مئات الترع والجداول التي تعلوها!".

فلا أحد من الناس يحب ذلك الإنسان المتبختر بنفسه، المغرور بذاته، المتكبر على أقرانه، المتجبر في مشيه وكلامه، ولن يعترف بكبريائه أحد، ولن يُذعِن لاستعلائه مخلوق قط! بل إنّ التكبر على أمثال هؤلاء هو الردّ الأمثل لتمريغ تكبرهم في التراب!

وكما قال الرسول محمّد (ص): "إذا رأيتم المتواضعين من أمتي فتواضعوا لهم، وإذا رأيتم المتكبرين فتكبروا عليهم فإنّ ذلك مذلة لهم وصغار" فالتواضع إنما يكون للإنسان الطيب المؤمن، أما المتكبر فليس جديراً بأن يُتواضع له!

والمتواضع، سيكسب محبة القلوب، وثناء الناس عليه، واحترامهم له، وتقديرهم لشخصيته، وبالتالي سيكون من السهل تقوية وشائج الصداقة معهم، وسيصبح عظيماً في عيون محبيه.. وكما قال الشاعر:

تواضع تكن كالنجم لاح لناظر *** على صفحات الماء وهو رفيع

ولا تك كالدخان يعلو بنفسه *** على طبقات الجو وهو وضيع

وقال البحتري:

دونت تواضعاً وعلوت قدراً *** فشأنك انحدار وارتفاع

كذاك الشمس تبعد أن تسامى *** ويدنو الضوء منها والشعاع

وقالت ليلى الأخيلية:

ومخرق عنه القميص تخاله *** بين البيوت من الحياء سقيما

حتى إذا رفع اللواء رأيته *** تحت اللواء على الخميس زعيما

فإذا أردت أن تكون نجاحاً في علاقاتك مع الآخرين طبّق هذه النصيحة: تواضع...!►

 

المصدر: كتاب الشخصية الناجحة

ارسال التعليق

Top