• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

ذكر الله.. شفاء للقلوب

مركز نون للترجمة والتأليف

ذكر الله.. شفاء للقلوب

◄لقد منّ الله سبحانه وتعالى على الأُمّة الإسلامية بأن لم يجعل لها وقتاً محدّداً ومنحصراً للاتصال به، كما ولم يحصر ذلك في مكان معيّن، وإنما هو حبيب وجليس من ذكره، وهو مجيب من دعاه وذكره، فقد ورد في الحديث أنّ جبرائيل (ع) قال للنبيّ (ص): "إنّ الله تعالى يقول: أعطيت أمّتك ما لم أُعطه أمّة من الأُمم، فقال (ص): وما ذاك يا جبرائيل؟ قال (ع): قوله تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) (البقرة/ 152)، ولم يقل هذه لأحد من الأُمم".

ومن المعلوم أنّ طبيعة الإنسان تميل إلى الاجتماع، وتحبّ المؤانسة والصحبة، وتهرب من الوحدة والفراغ، لذلك نجد الإنسان دائماً يسعى ليكون عنده صديق أو رفيق أو جليس. ويسعد الإنسان كلّما كثر جلساؤه ورفقاؤه، ولكن عليه أن ينتبه من أنّ الجلساء على نحوين، منهم من هو ذاكر لله سبحانه، ومنهم من هو غافل عن ذكره، وخير من نصح ابنه في ذلك لقمان الحكيم حيث قال له: "يا بنيّ اختر المجالس على عينك، فإن رأيت قوماً يذكرون الله عزّ وجلّ فاجلس معهم، فإن تكن عالماً نفعك علمك، وإن تكن جاهلاً علّموك، ولعلّ الله أن يظلّهم برحمته فيعمّك معهم، وإذا رأيت قوماً لا يذكرون الله فلا تجلس معهم، فإن تكن عالماً لم ينفعك علمك، وإن كنت جاهلاً يزيدوك جهلاً، ولعلّ الله أن يظلّهم بعقوبة فيعمّك معهم".

 

أهمية ذكر الله:

إنّ قيمة ذكر الله وأهميّته كبيرة جدّاً. والله تبارك وتعالى قال في محكم كتابه العزيز: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ) (العنكبوت/ 45).

قال رسول الله (ص): "لا تختارن على ذكر الله شيئاً فإنّه يقول: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ).

وعنه (ص): "ليس عمل أحبّ إلى الله تعالى ولا أنجى لعبد من كلّ سيّئة في الدنيا والآخرة من ذكر الله.

قيل: ولا القتال في سبيل الله؟

قال (ص): لولا ذكر الله لم يؤمر بالقتال".

لذا فإنّ ذكر الله تعالى بلا شكّ خير عمل نقوم به في هذا الدنيا الفانية، وهو أفضل ما ندّخره لساعة السؤال، وأثقل ما نجده في الميزان يوم الحساب، فقد قال رسول الله (ص): "ألا أُخبركم بخير أعمالكم لكم، أرفعها في درجاتكم، وأزكاها عند مليككم، وخير لكم من الدينار والدرهم، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتقتلوهم ويقتلوكم؟ فقالوا: بلى، فقال: ذكر الله عزّ وجلّ كثيراً".

أما حقيقة الذكر فقد عبّر عنها رسول الله (ص) بقوله: "من أطاع الله عزّ وجلّ فقد ذكر الله وإن قلّت صلاته وصيامه وتلاوته للقرآن".

 

ذكر الله بُكرةً وأصيلا:

وكفيل لهذا الذكر بأن يمحو السيِّئات التي يقترفها الإنسان بين مطلع الشمس وغروبها، وذلك ما لو ذكر الله في الصباح، وذكره أيضاً في المساء، ففي تفسير العيّاشي: عن جابر، عن أبي جعفر (ع)، قال: "قال النّبيّ (ص): إنّ الملك يُنزل الصحيفة أوّل النهار وأوّل الليل، يكتب فيها عمل ابن آدم، فأمّلوا في أوّلها خيراً، وفي آخرها خيراً، فإنّ الله يغفر لكم ما بين ذلك، إن شاء الله، فإنّ الله يقول: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ).

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا) (الأحزاب/ 41-42).

بل ذكرُ الله حسنٌ على كلِّ حال، حال القيام والقعود، حال الحزن والسرور، حال الضيق والفرج.. قال تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأولِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ) (آل عمران/ 190-191)، ومن وصايا الإمام عليّ (ع) لابنه الحسن (ع) – عند الوفاة – قال: "وكن لله ذاكراً على كل حال".

 

أقم الصلاة لذكري:

إنّ الذاكر بمنزلة المصلّي والقائم بين يدي الله تعالى: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) (طه/ 14).

يقول الإمام الباقر (ع): "لا يزال المؤمن في صلاة ما كان في ذكر الله، قائماً كان أو جالساً أو مضطجعاً، إنّ الله تعالى يقول: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَ...).

"اللّهُمَّ.. أسألك بحقّك وقدسك وأعظم صفاتك وأسمائك أن تجعل أوقاتي من الليل والنهار بذكرك معمورة، وبخدمتك موصولة، وأعمالي عندك مقبولة، حتى تكون أعمالي وأورادي كلُّها ورداً واحداً، وحالي في خدمتك سرمداً".

 

خصوصيّة ذكر الله في بعض المواقف:

هناك بعض المواقف والأوضاع قد خصّها الله تعالى بذكره والاستعانة به، منها:

أ‌-       عند لقاء العدو وقتاله، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الأنفال/ 45)، وعن الإمام عليّ (ع): "إذا لقيتم عدوّكم في الحرب فأقلّوا الكلام واذكر الله عزّ وجلّ".

ب‌-  عند دخول الأسواق والتبضّع، ورد عن الإمام عليّ (ع): "أكثروا ذكر الله عزّ وجلّ إذا دخلتم الأسواق عند اشتغال الناس، فإنّه كفّارة للذنوب وزيادة في الحسنات، ولا تُكتبوا في الغافلين".

وعن رسول الله (ص) قال: "من ذكر الله في السوق مخلصاً عند غفلة الناس وشغلهم بما فيه كتب الله له ألف حسنة ويغفر الله له يوم القيامة مغفرة لم تخطر على قلب بشر".

ت‌-  عند الهمّ والحكم والقسمة، قال رسول الله (ص): "اذكر الله عند همِّك إذا هممت، وعند لسانك إذا حكمت، وعند يدك إذا قسمت".

ث‌-  عند الغضب، قال رسول الله (ص): "أوحى الله إلى نبيّ من أنبيائه: ابن آدم، اذكرني عند غضبك أذكرك عند غضبي، فلا أمحقك فيمن أمحق".

ج‌-     في الخلوات وعند اللّذّات، قال الإمام الباقر (ع): "في التوراة مكتوب: ... يا موسى... اذكرني في خلواتك وعند سرور لذّاتك أذكرك عند غفلاتك"، وعن الإمام الصادق (ع) قال: "شيعتنا الذين إذا خلوا ذكروا الله كثيراً".

 

صفات أهل الذكر:

1-    ذكرُ الله سبحانه من سجيّة المتّقين المؤمنين وشيمهم، قال الإمام عليّ (ع): "ذكرُ الله شيمة المتّقين"، وعنه (ع): "ذكرُ الله سجيّة كلّ محسن وشيمة كلِّ مؤمن".

2-    المؤمن هو في ذكر دائم وتفكير مستمرّ، قال الإمام عليّ (ع): "المؤمن دائم الذكر، كثير الفكر، على النعماء شاكر، وفي البلاء صابر".

بل لا تلهي المؤمنين عن ذكر الله تعالى ملذّات الدنيا وهمومها، قال تعالى: (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ) (النور/ 37).

قال الإمام الباقر (ع): "كأنّ المؤمنين هم الفقهاء أهل فكرة وعبرة، لم يُصمّهم عن ذكر الله ما سمعوا بآذانهم، ولم يُعمهم عن ذكر الله ما رأوا من الزينة".

3-    الذاكرون لا يملّون من ذكره، قال الإمام الباقر (ع) – في صفة أبناء الآخرة: "لا يملّون من ذكر الله".

وقد يعيش المؤمن حالة الصمت الطويل إلّا من ذكر الله تعالى، قال الإمام عليّ (ع): "طوبى لمن صمت إلّا بذكر الله".

قال أمير المؤمنين (ع)، في صفة المؤمن التقيّ: "إن كان في الغافلين، كُتب من الذاكرين، وإن كان في الذاكرين، لم يُكتب من الغافلين".

4-    حبُّ مجالس الذكر والتزوّد منها، كمجالس ذكر نعم الله تعالى وعظمة إعجازه في الخلق، فضلاً عن حضور مجالس ذكر محمّد وآل محمّد (عليهم السلام) الذين هم الوسيلة إلى ذكر الله سبحانه وطاعته، قال رسول الله (ص): "ارتعوا في رياض الجنّة.

قالوا: يا رسول الله، وما رياض الجنَّة؟

قال: مجالس الذكر".

في كتاب الإرشاد: عن النّبيّ (ص): "إنّ الملائكة يمرّون على حلق الذكر، فيقومون على رؤوسهم، ويبكون لبكائهم، ويؤمّنون على دعائهم، فإذا صعدوا إلى السماء، يقول الله: يا ملائكتي أين كنتم؟ وهو أعلم، فيقولون: يا ربّنا، إنّا حضرنا مجلساً من مجالس الذكر، فرأينا أقواماً يُسبِّحونك ويُمجِّدونك ويُقدِّسونك، يخافون نارك، فيقول الله سبحانه: يا ملائكتي أذودها عنهم، وأُشهدكم أنّي قد غفرت لهم، وأمنتهم ممّا يخافون، فيقولون: ربّنا، إنّ فيهم فلاناً، وإنّه لم يذكرك، فيقول الله سبحانه: قد غفرت له بمجالسته لهم، فإنّ الذاكرين من لا يشقى بهم جليسهم".

 

مقام الذاكرين عند الله:

1-    إنّ الذاكر لله تعالى يكون أخصّ عباد الله المقرّبين إليه، قال رسول الله (ص) وقد قال رجل أمامه: أُحبُّ أن أكون أخصّ الناس إلى الله تعالى:

قال (ص): "أكثرْ ذكر الله تكن أخصَّ العباد إلى الله تعالى".

2-    إنّ الذاكر لله تعالى هو من المكرّمين بل هو أكرم خلق الله جلّ جلاله، فعن الإمام الصادق (ع) قال – لما سُئِل: من أكرم الخلق على الله؟ –:

قال (ع): "أكثرهم ذكراً لله وأعملهم بطاعته".

3-    ومن مقامات الذاكرين لله سبحانه نيلهم وسام شرف ذكر الله جبّار السماوات والأرضين، قال (ع) – أيضاً –: "يا من ذكره شرف للذاكرين، ويا من شكره فوز للشاكرين، ويا من طاعته نجاة للمطيعين، صلِّ على محمّد وآله، وأشغِل قلوبنا بذكرك عن كلِّ ذِكر".

4-    يُعتبر الذاكر جليس الله، قال الإمام عليّ (ع): "ذاكر الله سبحانَهُ مُجالِسُه".

وورد عن رسول الله (ص) قوله: "قال موسى: يا ربّ،

أقريب أنت فأناجيك أم بعيد فأناديك؟

فإنِّي أُحسّ صوتك ولا أراك، فأين أنت؟

فقال الله: أنا خلفك وأمامك وعن يمينك وعن شمالك.

يا موسى، أنا جليس عبدي حين يذكرني، وأنا معه إذا دعاني".

وهو القائل عزّ وجلّ: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) (البقرة/ 152).

يقول الإمام زين العابدين (ع) – في الدعاء – "إلهي أنت قلت وقولك الحق.. (فاذكروني أذكركم) فأمرتنا بذكرك ووعدتنا عليه أن تذكرنا تشريفاً لنا وتفخيماً وإعظاماً، وها نحن ذاكروك كما أمرتنا، فأنجز لنا ما وعدتنا يا ذاكر الذاكرين".

 

آثار ذكر الله على المؤمن:

1-    قلوب الذاكرين هي دوماً مطمئنة، لأنّها تحيا بذكر الله تبارك وتعالى ولا تخلو منه، قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد/ 28).

جاء في دعاء للإمام زين العابدين (ع): "إلهي بك هامت القلوب الوالهة، وعلى معرفتك جُمعت العقول المتباينة، فلا تطمئن القلوب إلا بذكراك، ولا تسكن النفوس إلا عند رؤياك".

2-    يعيش الذاكرون لذّة الذكر الإلهيّ وعشقه ومحبّته.. فهنيئاً لمن ينال هذا الأثر العظيم، قال الإمام عليّ (ع): "الذكر لذّة المحبّين"، وعنه (ع): "ذكر الله مسرّة كلِّ متّقٍ ولذّة كلِّ موقن". وعنه (ع): "الذكر مفتاح الأنس".

وقد أوضح الأمير (ع) هذا الأثر بشكل عمليّ حينما قال: "إذا رأيت الله يؤنسك بذكره فقد أحبّك، إذا رأيت الله يؤنسك بخلقه ويوحشك من ذكره فقد أبغضك".

وعنه (ع): "يقول الله عزَّ وجلَّ: إذا كان الغالب على البعد الاشتغال بي، جعلت بغيته ولذّته في ذكري، فإذا جعلت بغيته ولذّته في ذكري عشقني وعشقته، فإذا عشقني وعشقته رفعت الحجاب فيما بيني وبينه، وصيّرت ذلك تغالباً عليه، لا يسهو إذا سها الناس، أولئك كلامهم كلام الأنبياء، أولئك الأبطال حقّاً".

3-    إنّ في ذكر الله تعالى صلاح الروح والقلب وشفاءهما من مرض الذنوب والآثار، فضلاً عن تحسين السلوك والأفعال، قال رسول الله (ص): "ذكر الله شفاء القلوب"، وفي دعاء كميل: "يا من اسمه دواء وذكره شفاء".

وقال الإمام عليّ (ع): "من عمّر قلبه بدوام الذكر حسنت أفعاله في السرّ والجهر".

وعنه (ع): "أصل صلاح القلب اشتغاله بذكر الله".

وأيضاً عنه (ع): "مداومة الذكر قوت الأرواح ومفتاح الصلاح". بل من الآثار المباركة لذكر الله تعالى حياة القلوب ونورها، فعن الإمام عليّ (ع): "في الذكر حياة القلوب"، وعنه (ع): "عليك بذكر الله، فإنّه نور القلوب".

4-    إنّ في ذكر الله تبارك وتعالى هداية العقول وتبصرتها نحو طريق الحقّ، قال أمير المؤمنين (ع): "الذكر جلاء البصائر ونور السرائر"، وعنه (ع): "الذكر هداية العقول وتبصرة النفوس".

5-    وبذكر الله سبحانه تُستنزل الرحمة الإلهية وتُفتح أبواب البركات، قال أبو الحسنين (ع): "الذكر يؤنس اللبّ ويُنير القلب ويستنزل الرحمة".

6-    وذكر الله مَطردة للشيطان كما قال أمير المؤمنين (ع): "ذكر الله مَطردة الشيطان".

وعن الإمام زين العابدين (ع) – في الدعاء –: "وجعلت لنا عدوّاً يُكيدنا... فاقهر سلطانه عنّا بسلطانك، حتى تحبسه عنّا بكثرة الدعاء لك، فنُصح من كيده في المعصومين بك".

7-    الذكر أمانٌ من النفاق والخداع، قال تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا) (النساء/ 142).

وعن الإمام عليّ (ع): "من أكثر ذكر الله فقد برئ من النفاق".

8-    الذاكر لله تعالى لا يموت عطشانَ، فعن رسول الله (ص) قال: "كلُّ أحد يموت عطشانَ إلا ذاكر الله".

إذاً هي كلمات صغيرة تُردّدها أيّها الإنسان العزيز، وتعيش معها بقلبك ووجدانك، فتنتقل من عالمٍ البعد والوحشة إلى عالم القرب والمؤانسة، هو الذي وعد وهو أصدق من يوفي، هو الذي قال اذكروني، وهو الذي وعد بأن يذكرنا، وعندما يطلب الله سبحانه من عباده أن يذكروه، فهو يُحبّ أن يسمع صوتنا، ويرى ضمائرنا مقبلة إليه، فهو يُحبّ هذه المجالس، وهو يُحبّ أصحابها، هي مجالس الذكر لا الغفلة، ومجالس العلم لا الجهل، ومجالس القرب لا البعد، هي مجالس الحديث مع الله، فعن النبيّ (ص) أنّه قال: "يا رب وددت أنّي أعلم من تُحبّ من عبادك فأُحبّه، فقال: إذا رأيت عبدي يُكثر ذكري، فأنا أذنت له في ذلك، وأنا أُحبّه، وإذا رأيت عبدي لا يذكرني، فأنا حجبته، وأنا أُبغضه".

 

ما يؤدِّي إلى الغفلة عن ذكر الله تعالى:

1-    أن يعيش الإنسان طول الأمل ويتوهّم أنّه سيبقى إلى الأبد، الأمر الذي يجعله غارقاً في بحر الغفلة عن ذكر الله تعالى، قال الإمام عليّ (ع): "إعلموا أنّ الأمل يُسهي العقل، ويُنسي الذكر. فأكذبوا الأمل، فإنّه غرور، وصاحبه مغرور".

2-    إرتكاب المحرّمات والذنوب والآثام يوقع الإنسان تحت سيطرة الشيطان ويُبعده عن رضا الله تعالى، قال المولى عزّ وجلّ: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (المائدة/ 91).

3-    الانشغال بملذّات الدنيا وشهواتها، وهذا ما حذّر منه المولى تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (المنافقون/ 9). يقول الإمام عليّ (ع): "ليس في المعاصي أشدّ من اتّباع الشهوة، فلا تُطيعوها فتُشغلكم عن الله".

وفي دعاءٍ للإمام زين العابدين (ع): "وأستغفرك من كلِّ لذّة بغير ذكرك، ومن كلِّ راحة بغير أنسك، ومن كلِّ سرور بغير قربك، ومن كلِّ شغل بغير طاعتك".

 

تبعات الغفلة:

إنّ الغفلة عن ذكر الله تعالى هي خسارة عظمى للإنسان في الدنيا والآخرة، قال رسول الله (ص): "ما من ساعة تمرُّ بابن آدم لم يذكر الله فيها إلّا حسر عليها يوم القيامة".

وفي الخبر: "إنّ أهل الجنّة لا يتحسّرون على شيء فاتهم من الدنيا، كتحسُّرهم على ساعة مرّت من غير ذكر الله".

كما إنّه من تبعات الغفلة وآثارها السلبيّة على الإنسان الابتلاء بقسوة القلب، قال: "أوحى الله تبارك وتعالى إلى موسى (ع):

"لا تفرح بكثرة المال، ولا تدع ذكري على كلِّ حال، فإنّ كثرة المال تُنسي الذنوب، وترك ذكري يُقسّي القلوب".

والويل ثمّ الويل لمن اشتغل بذكر الناس وفضائلهم عليه ونسي ذكر الله وفضله، قال الإمام عليّ (ع): "من اشتغل بذكر الناس قطعه الله سبحانه عن ذكره".

أمّا النتيجة المترتّبة على الإعراض عن ذكر الله تعالى، فهي كما جاء في الكتاب العزيز: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى) (طه/ 124-126).

اللّهُمَّ نجِّنا برحمتك من الغفلة عن ذكرك...

"اللّهُمَّ صلِّ على محمد وآله، ونبّهني لذكرك في أوقات الغفلة، واستعملني بطاعتك في أيّام المهلة، وانهج لي إلى محبتك سبيلاً سهلة أكمل لي بها خير الدنيا والآخرة".►

 

المصدر: كتاب مظاهر الرحمة/ سلسلة الدروس الثقافية (29)

ارسال التعليق

Top