• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

رعاية المسنين.. مسؤولية الجميع

عمار كاظم

رعاية المسنين.. مسؤولية الجميع

يحتفل العالم في الأول من شهر أكتوبر باليوم العالمي للمسنين، للفت الانتباه إلى هذه الفئة العمرية التي ساهمت في تنمية المجتمع وأثبتت قدرتها على مواصلة هذا العطاء، كماهو يوم لتجديد العرفان وردّ الجميل للآباء والأجداد. ولإلقاء الضوء على هذه الفئة بالمجتمع ومشاكلهم وإبراز الاستراتيجيات التي تضمن كرامة وسعادة كبار السن، ويعد اليوم العالمي لكبار السن فرصة للتحفيز حول نشر حقوق كبار السن ولضمان مساهمتهم القصوى في المجتمع. ومن المبادىء العامة التي يجب أن تؤخذ بنظر الاعتبار هي كالأتي:

- إنّ هدف التنمية والاهتمام بالمسنين هو تحسين رفاه السكان جميعاً، بما يكفل ويعزز كرامة الإنسان ويضمن الإنصاف بين الفئات العمرية المختلفة في تقاسمها موارد المجتمع وحقوقه ومسؤولياته بحسب قدرات الأفراد.

- يعد الإسهام الروحي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي للمسنين ذا قيمة في المجتمع وينبغي اعتبار الإنفاق على المسنين استثماراً دائماً، وللأسرة دور مهم في مسألة رعاية المسنين.

كما أنّ هنالك عدة مجالات تهم المسنين ينبغي العناية بها وإيلائها اهتماماً خاصاً أهمها: (الصحة، والتغذية، وحماية المستهلكين المسنين، والبيئة، والأسرة، والرعاية الأسرية، والرعاية الاجتماعية).

إنّ الاهتمام العالمي اليوم في مجال رعاية المسنين يتجه اليوم لتأكيد الجوانب الآتية :

- أن يظل المسن نشيطاً يسهم بالعمل ويشارك في الحياة أطول فترة عمرية ممكنة حتى وإن بلغ الخامسة والتسعين من العمر.

- أن يتمكن المسن من العيش مستقلاً عن مساعدة الآخرين أطول فترة عمرية ممكنة.

- أن لا يكون التوجه الأساسي في خدمات المسنين إنشاء دور الإيواء بقدر ما هو الاهتمام بإبقاء المسن في بيته وبين عائلته.

يقول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: (وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (الأحقاف/15). تكتمل معالم شخصية الإنسان ويصل إلى درجة سوية من الرشد والنضج في أوج النشاط العاطفي والفكري عند سن الأربعين، لذلك فقد بعث سيدنا محمد (ص)، وكُلف بالرسالة وهو في سن الأربعين. وتمتد مرحلة الرشد لتشمل سنوات العمر ما بين الشباب والكهولة أي ما بين سن العشرين والستين عاماً. وتبدو مظاهر مرحلة النضج بقدرة الإنسان على تأمل نفسه داخلياً، وهي «البصيرة» التي تمكن الإنسان من إدراك مدى إمكانياته وحدود طاقاته، ومحاولة تنمية قدراته، وكما قال سبحانه وتعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) (البقرة/286)، (رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ) (البقرة/286) والإنسان صاحب البصيرة الناضجة إنسان واقعي، حيث تبعده بصيرته عن التمادي في الأماني والأحلام، وتدفعه إلى اتخاذ الخطوات العملية للوصول إلى أهدافه المحددة، ويضع الشخص الرشيد لنفسه أهدافاً وغايات يسعى بكلّ الطرق وبجدية للوصول إلى تحقيقها، وتذليل العقبات والصعوبات التي تقف في طريقه، أو تعيق تقدمه، ويبحث عن الوسائل الممكنة والمشروعة، مهما كلفه ذلك من تعب ومشقة، لأنّ النجاح في الوصول إلى هدفه وتحقيق غايته يرضي نفسه ويجعل لحياته معنى. وتتميز مرحلة الرشد بالشعور بالمسؤولية والاعتماد على النفس، ويعتمد عليه غيره ممن يتولى رعايتهم، وكما في الحديث الشريف: «كلّكم راعٍ وكلّكم مسؤول عن رعيته». والشعور بالمسؤولية لا يأتي فجأة بدون مقدمات بل ينمو هذا الشعور تدريجياً ويكتسب الإنسان خبرة من التجارب التي تعني له في الحياة، ويعرف حقوقه وواجباته ويتحمل مسؤولية أخطائه ويتعلم منها: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ) (فصلت/46). والقدرة على التحكم في العواطف من مظاهر الرشد ومن سمات الإنسان الراشد، وعلى العكس يصعب على الطفل والمراهق التحكم في عواطفهما، وتتسم تصرفاتهما بالاندفاع العاطفي، والشخص الراشد يحكم العقل والمنطق في حل المشاكل التي تعترضه، وفي هذا يمتدح القرآن الكريم هذه الصفات: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران/134). أما مرحلة الشيخوخة فيتمتع صاحبها بخبرة طويلة اكتسبها طيلة حياته العملية، وتمتد هذه المرحلة ما بعد الستين: (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) (مريم/4). وتقتضي سنة الحياة حدوث كثير من المتغيرات البيولوجية في هذه المرحلة، حيث تتدهور وظائف مختلف الأعضاء والأجهزة الجسيمة، وخصوصاً السمع والبصر، وبما يعيق إدراك المسن للبيئة المحيطة به، وتقل مقاومته للأمراض والتقلبات الجوية وأمراضها كنزلات البرد ودرجات الحرارة العالية، ويكون معرضاً للإصابة بالأمراض المزمنة مثل تيبس المفاصل وضمور العضلات، وتحدث هذه الأمراض من نشاط المسن وتقلل من حركته. يضاف إليها حدوث تغيرات في القدرات العقلية والملكات النفسية، فيتصف تفكير المسن عادة بالصلابة وضعف القدرة على التكيف مع الأفكار الجديدة، أو محاولة تطوير عاداته القديمة، وضعف الذاكرة عند استدعاء الأحداث القريبة وضعف التحصيل الذهني والاستيعاب والتذكر. وأصيبت المجتمعات المعاصرة بمرض اجتماعي ترك أثره على المسنين، وهذا المرض يكمن في تفكك الروابط العائلية وتفرق أفراد الأسرة لأسباب متعددة كظروف العمل أو وهن الوازع الديني والخلقي وضعفه، وهذا التغير كان له أكبر الأثر السلبي على حياة المسنين الذين يعانون الوحدة والفراغ، أو يعانون في بيوت العجزة ودور المسنين، وهذه جريمة في حقّ المجتمع وفي حقّ بعض الأفراد الذين قدموا جهوداً وأعمالاً كثيرة، فلا يكون جزاؤهم العيش بمفردهم يجترون آلامهم وأحزانهم بعيداً عن أبنائهم وأسرهم. إنّ إحالة المسن إلى المعاش يعني أنّه توقف فجائي لنشاطه وانتهاء لحياة العمل والإنتاج، فمنهم من يحس بأنّ المجتمع لم يعد في حاجة إليه وأنّه أصبح عبئاً ثقيلاً عليه، ويؤدي الفراغ الممل وعدم وجود فرص عمل مناسبة للمسنين المحالين إلى المعاش، إلى تمضية الوقت دون هدف سوى قضاء بقية حياتهم منعزلين عن النشاط الإنساني والاجتماعي. وغالباً ما يعجز المسن عن مزاولة هواياته التي اعتاد مزاولتها في شبابه، بسبب تدهور حالته الصحية وابتعاد أصدقائه بسبب المرض أو الموت، وهذا يزيد من شعوره بالفراغ والملل والضيق. وفي المجتمعات الصناعية يضطر المسن إلى العيش وحيداً وبعيداً عن المجتمع، بسبب عدم تكيفه الفكري مع ظروف البيئة وإكثاره من التحدث عن الماضي والأيام الغابرة، ومع مرور الوقت تقل القدرة على التحكم العاطفي والسلوك الانفعالي، وقد تصل إلى درجة النكوص العاطفي إلى ما كانت عليه في زمن الطفولة، فنجد المسن سريع الغضب والبكاء لأتفه الأسباب. وقد يصل به العناء الانفعالي إلى درجة الامتناع عن الطعام وإلحاق الضرر بنفسه، وأحياناً يؤدي التدهور في القدرات العقلية وضعف التحفظ في السلوك الاجتماعي إلى تصرفات غير مسؤولة: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (غافر/67).

ارسال التعليق

Top