• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

صلاح الفرد.. هو صلاح المجموع

عمار كاظم

صلاح الفرد.. هو صلاح المجموع

قال تعالى: (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا) (الإسراء/ 25). صلاح الشيء: هو كونه على حالة اعتدال في ذاته وصفاته، بحيث تصدر عنه أو به أعماله المرادة منه على وجه الكمال. وفساد الشيء هو كونه على حالة اختلال في ذاته أو صفاته، بحيث تصدر عنه أو به تلك الأعمال على وجه النقصان. ولو اعتبرنا هذا في البدن، فإنّ له حالتين: حالة صحّة (صلاح)، وحالة مرض (فساد). والأولى هي حالة صحّته باعتدال مزاجه، فتقوم أعضاؤه بوظائفها وينهض هو بأعماله. والثانية هي حالة فساده باختلال مزاجه، فتتعطل أعضاؤه أو تضعف كلّها أو بعضها عن القيام بوظائفه، ويقعد هو أو يثقل عن أماله. هذا الذي تجده في البدن هو نفسه تجده في النفس: فلها صحّة، ولها مرض، حالة صلاح وحالة فساد. و(الإصلاح) هو إرجاع الشيء إلى حالة اعتداله، بإزاء ما طرأ عليه من فساد. و(الإفساد) هو إخراج الشيء عن حالة اعتداله بإحداث اختلال فيه.

فإصلاح البدن بمعالجته بالحمية والدواء، وإصلاح النفس بمعالجتها بالتوبة الصادقة. وإفساد البدن بتناول ما يحدث به الضرر، وإفساد النفس بمفارقة المعاصي والذنوب. وهكذا تعتبر النفوس بالأبدان في باب الصلاح والفساد، في كثير من الأحوال، غير أنّ الاعتناء بالنفوس أهم وألزم، لأنّ خطرها أكبر وأعظم.

إنّ الُمكلَّف المُخاطب من الإنسان هو نفسه، وما البدن إلّا آلة لها ومظهر تصرّفاتها، وإنّ صلاح الإنسان وفساده إنّما يُقاسان بصلاح نفسه وفسادها. وإنّما رقيه وانحطاطه باعتبار رقي نفسه وانحطاطها، وما فلاحه إلّا بزكائها، وما خيبته إلّا بخبثها. قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) (الشمس/ 9-10). وفي الحديث النبويّ: «ألا وإنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه، ألا وهي القلب». وليس المقصود من القلب مادّته وصورته، وإنّما المقصود النفس الإنسانية المرتبطة به. وللنفس ارتباط بالبدن كلّه، ولكن القلب عضو رئيسي في البدن، ومبعث دورته الدموية، وعلى قيامه بوظيفته تتوقف صلاحية البدن، لارتباط النفس به. فكان حقيقاً لأن يعبّر به عن النفس على طريق المجاز. وصلاح القلب ـ بمعنى النفس ـ بالعقائد الحقّة، والأخلاق الفاضلة، وإنّما يكونان بصحّة العِلم، وصحّة الإرادة، فإذا صلحت النفس هذا الصلاح صلح البدن كلّه، بجريان الأعضاء كلّها في الأعمال المستقيمة. وإذا فسدت النفس من ناحية العقد، أو ناحية الخلق، أو ناحية العِلم، أو ناحية الإرادة.. فسد البدن، وجرت أعمال الجوارح على غير وجه السداد.

فصلاح النفس هو صلاح الفرد، وصلاح الفرد هو صلاح المجموع والعناية الإسلامية متوجهة كلّها إلى إصلاح النفوس: إمّا مباشرة وإمّا بواسطة. فما من شيء ممّا شرّعه الله تعالى لعباده من الحقّ والخير والعدل والإحسان إلّا وهو راجع عليها بالصلاح. وما من شيء نهى الله تعالى عنه من الباطل والشرّ والظلم والسوء إلّا وهو عائد عليها بالفساد.. فتكميل النفس الإنسانية هو أعظم المقصود من إنزال الكُتب، وإرسال الرُّسل، وشرع الشرائع.

ختاماً، صلاح النفس وهو صفة لها.. خفي كخفائها؛ وكما أنّنا نستدل على وجود النفس وارتباطها بالبدن بظهور أعمالها في البدن، كذلك نستدل على اتصافها بالصلاح وضده بما نشاهده من أعمالها: فمن شاهدنا منه الأعمال الصالحة ـ وهي الجارية على سنن الشرع، وآثار النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ حكمنا بصلاح نفسه، وأنّه من الصالحين والعكس صحيح.

ارسال التعليق

Top