• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

عاشوراء.. لكل المسلمين

العلامة الراحل السيد محمد حسين فضل الله

عاشوراء.. لكل المسلمين

◄إنّ الإنسان عندما يقف أمام المأساة لا يملك إلا أن تنفجر دموعه ويحترق قلبه من خلال العناصر الحزينة، لذلك نريد لعاشوراء أن تبقى إسلامية بكلِّ رحابة الإسلام وبكلِّ حركية الإسلام وبكلِّ عمق الإسلام وبكلِّ وحدة الإسلام، لأنّ قضية الوحدة الإسلامية هي أن نتحد بالإسلام حتى لو اختلفنا في فهم الإسلام هنا وهناك، لأنّ الله تعالى قال لنا: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) (النساء/ 59)، ولذلك حذار من أن نصوّر عاشوراء على أنّها موجهة لفريق معيّن من المسلمين، لأنّ يزيد لا يمثل المسلمين السنّة بل انهم يرجمونه بكلِّ الكلمات في وحشيته، لذلك لا يجوز أن نجعل من عاشوراء ساحة للإساءة إلى الوحدة الإسلامية، بل علينا أن نحمل عناوين عاشوراء وشعارات عاشوراء للمسلمين جميعاً، وأعتقد أنّ المسلمين جميعاً يلتقون عند الحسين (ع) لأنّ "الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة" عند كل المسلمين ومحبة الحسين موجودة عند المسلمين جميعاً، وإن اختلفوا في خصوصية محبة هنا عن خصوصية محبة هناك.

 

الحسين (ع) رمز الوحدة الإسلامية:

ولذلك فإنني أعتقد أننا نستطيع أن نقدم الحسين (ع) رمزاً للوحدة الإسلامية لأنّ المسلمين أجمعهم يلتقون عليه، ولذلك أحبّ أن أنبّه على تعبير ينطلق في أدبياتنا وهو تعبير (يا لثارات الحسين) بأنّ علينا أن لا نجعل هذا التعبير يتحرك في المستوى الشعبي الساذج ليتصور البعض أنّ هناك عدداً من المسلمين يتحركون للأخذ بثأر الحسين من ظالم قتله، ولكن نحن نعمل لثارات الحسين من كلِّ مستكبر ومن كلِّ طاغية ومن كلِّ منحرف ومن كلِّ سلطان جائر يستحلّ حرم الله وينكث بعهده ويخالف سنّة رسول الله (ص) ويعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فهؤلاء هم الذين نثأر للحسين منهم، لأنّ الحسين انطلق من خلال قضية تنطبق على الشخص الذي عاصره وعلى أمثاله، سواء كانوا من المسلمين أو من الكافرين، وحتى قولنا "السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره"، فثأر الله إنما هو من خلال أنّ الله سبحانه وتعالى يثأر لدينه ويثأر لرسالاته ويثأر لكلِّ أنبيائه وأوليائه، ولذلك فإنّ الثأر هنا لا يتصل بحالة خاصة وإنما يتصل بالخط العام في كلِّ مواقع الحياة.

وعلينا – أيها الأحبة – أن نبقي الحسين (ع) في عقولنا في الدائرة الإسلامية الواسعة وإذا كانت الدائرة الإسلامية الواسعة تنفتح على الدائرة الإنسانية الواسعة فلأنّ الإسلام منفتح على الإنسانية كلها، وعند ذلك فإنّ الحسين (ع) لا يعيش في الجوّ الشيعي فقط ولكنه ينفتح على الجوّ الإسلاميّ كلّه وعلى الجوّ الإنساني كلّه.

 

وصية الحسين (ع) الأخيرة:

وصية الحسين (ع) الأخيرة لولده الإمام زبن العابدين (ع) لتعرفوا كيف كان الحسين (ع) يفكر، فهو لم يفكر في غربته ولم يفكر في مأساته ولم يفكر في كلِّ الفجائع التي كانت تحيط به، بل بالحقّ. وهناك روايتان عن الإمام محمّد الباقر (ع)، قال أبو جعفر (ع): "لما حضرت أبي عليّ بن الحسين الوفاة ضمّني إلى صدره وقال: يا بني أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة "يا بني اصبر على الحقِّ وإن كان مرّاً".

تصوّر أنّ الحسين (ع) قبل أن ينطلق للقتال جلس مع عليّ بن الحسين (ع) وأعطاه هذه الوصية فكان الحقّ أمامه وكان يريد لمسيرة الحقّ أن تتحرك، وكان يريد للذين يلتزمون الحقّ أن يتحملوا كلَّ مراراته لأنّه حلو في عمقه وإن كان مرّاً في طعمه، وهذه هي الوصية الأولى.

وعن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر الباقر (ع) قال: "لما حضرت عليّ بن الحسين الوفاة ضمّني إلى صدره ثمّ قال يا بني أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة "يا بني إيّاك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلّا الله"، فالخطورة كلّ الخطورة أن تظلم الإنسان الضعيف، أن تظلم زوجتك وهي لا تجد عليك ناصراً إلّا الله وأن تظلم جارك وأنت تملك القوة وهو لا يجد عليك ناصراً إلّا الله، وأن تظلم كلّ الناس الذين يتعاملون معك وهم ضعفاء فتنكر عليهم حقوقهم فتظلمهم.

هذه هي وصية الحسين (ع) وهو يخاطب كلّ واحد منّا في كلماته القصار "إصبر على ما تكره فيما يُلزمك الحقّ واصبر عمّا تحبّ فيما يدعوك إليه الهوى" وقال لبعضهم وقد طلب من الحسين (ع) موعظة مختصرة قال: "عظني بحرفين" فكتب إليه الحسين (ع) "من حاول أمراً بمعصية الله كان أفوت لما يرجو وأسرع لمجيء ما يحذر" فإذا أردت أن تصل إلى أهدافك لتحقق أمانيك فلا تصل إليها بواسطة معصية الله تعالى، بل أن تصل إلى أهدافك بطاعة الله لأنك إذا حاولت أمراً بمعصية الله فإنّ الله يعاقبك على ذلك بأن يفوت عليك ما ترجوه ويسرع إليك ما تحذره.

أيها الأحبة: خذوا الحسين (ع) في عقولكم فكراً يضيء الحق للناس وخذوا الحسين في قلوبكم حباً يطرد الحقد عن الناس، وخذوا الحسين في حياتكم حركة تبقى مع الله وفي خط الله، وعندما تحبون الحسين حب الحقّ وحب الإسلام وحب العدل وحب الرسالة فستنفجر الدموع من دون أيّة إثارات هنا وهناك، لأننا عندما نحب الحسين (ع) بعمق فسنبكيه بعمق، نبكيه بدموع الرسالة، وبدموع القضية، وبدموع الولاء، وبدموع الحبّ. ►

 

المصدر: كتاب الندوة/ 4

ارسال التعليق

Top