• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

عظمة مكة وبيت الله الحرام

عظمة مكة وبيت الله الحرام

◄من الأُمور التي ينبغي للحجّاج الكرام الالتفات إليها، هو أنّ مكة المكرّمة والمشاهد المشرفة مرآة تعكس الوقائع الكبرى لنهضة الأنبياء والإسلام ورسالة الرسول الأكرم (ص). فكلّ بقعة من هذه الأرض تمثل محلاً لإقامة الأنبياء العظام ومهبط جبرائيل الأمين، وتذكّر بالمعاناة والآلام التي تحملها الرسول الأكرم (ص) لسنوات طوال في سبيل الإسلام والإنسانية.

    ومن هنا فإنّ الحضور في هذه المشاهد المشرفة والأماكن المقدسة، واستضحار الظروف العصبية التي رافقت بعثة الرسول (ص)، يعرّفنا أكثر بمسؤولياتنا في المحافظة على معطيات هذه النهضة والرسالة الإلهية، وبمدى صبر ومقاومة واستقامة الرسول الأكرم (ص) وأئمّة الهدى بدافع الحفاظ على دين الحق ودحض الباطل؛ وكيف أنّهم لم يعبوأ بأنواع الأذى والإهانات التي تلقّوها في هذا الطريق؛ وواصلوا طريقهم، وتحمّلوا أنواع العذاب والمقاطعة الاقتصادية والحصار في شعب أبي طالب. ولم ينتهِ دورهم عند هذا الحدّ، بل هاجروا وتحمّلوا المعاناة وواصلوا طريق الهداية والإرشاد والدعوة إلى دين الحق وإبلاغ كلمة الله وخوض الحروب المتتابعة غير المتكافئة، ومواجهة آلاف المؤامرات والعقبات دون أن تفتّ في عضدهم.

    وها هي صخور مكة والمدينة وصحاريهما وجبالهما وأسواقهما وأزقَّتهما تعجّ بأصداء نداء رسالتهم؛ ولو أنها نطقت وكشفت عن سرّ ومعنى "فاستقم كما أُمرت" لعرف حجّاج بيت الله الحرام ما تجرّعه رسول الله (ص) من أجل هدايتنا، ولأدركوا عظمة مسؤولية أتباعه.

    إنّ بيت الله الحرام هو أوّل بيت وضع للناس.. للناس كافّة. وليس لأيّة شخصية أو نظام أو طائفة حقّ الأولويّة فيه. الكلّ متساوون فيه، لا فرق بين أهل البادية، وسكنة الصحاري، والقوافل الرحّل، وبين العاكفين في الكعبة، وأبناء المدن، والحكام والمسؤولين.

    إنّ هذا البيت الكريم وضع للناس، من أجل قيام الناس، ومن أجل النهضة العامّة، والمصالح العامّة لكلّ الناس.

    كان المسجد الحرام والمساجد من زمن الرسول الأكرم (ص) مركزاً للشؤون السياسية والاجتماعية والعسكرية، منها ينطلقون إلى الحرب. لم يكن نشاط مسجد النبيّ محصوراً بالصلاة والصيام والمسائل العبادية. بل إنّ معظم النشاط الذي كان يمارس في المسجد، كان نشاطاً سياسياً. ففي كلّ مرّة كانت القوّات تنطلق من المسجد للحرب، كما كانت تعبئة الناس تتمّ في المسجد، وكلّ شيء كان ينطلق من المسجد.

        لقد وُفّقتم أيها المسلمين لزيارة بيتٍ وضعه الله للناس، وهو أوّل بيت وضعه الله للناس كافّة: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ) (آل عمران/ 96). وهذا أحد الأدلة على أنّ الله تبارك وتعالى دعا العالم أجمع إلى الإسلام، ووضع هذا البيت للبشرية جمعاء منذ زمن البعثة وإلى أن يرث الله الأرض.

    إنّه بيت الناس، فلا يوجد شخص أو فئة أو طائفة أولى بالبيت من بقية الناس، وإنّ الناس قاطبة في مشارق الأرض ومغاربها مكلّفون باعتناق الإسلام والاجتماع في هذا البيت الذي وُضع للناس، وزيارته.►

ارسال التعليق

Top