• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

فاطمة الزهراء (عليها السلام).. منبع الأخلاق والقيم

عمار كاظم

فاطمة الزهراء (عليها السلام).. منبع الأخلاق والقيم

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (الأحزاب/ 33)، من أهل هذا البيت، السيِّدة الطاهرة؛ سيِّدة نساء أهل الجنّة، وسيِّدة نساء العالمين.. السيِّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)؛ هذه الإنسانة التي عاشت مع هؤلاء الذين يمثِّلون المستوى الأعلى في البشرية، في كلِّ معاني الطُّهر والعصمة والإنسانية والرسالية والانفتاح..

هذه الإنسانة العظيمة التي لم تقتصر عظمتها على أنّها ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والتي عاشت في عقله وقلبه وروحه، وامتزجت به منذ طفولتها إلى شبابها الذي لم يكتمل، فذهبت إلى ربّها في عمر الورود، فكانت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) روحاً وقلباً وعقلاً، حتى اندمجت به اندماجاً جعلها تعيش كلّ مشاعره وأحاسيسه، وتعرف من نظرات عينيه ماذا يريد، وتعرف من خطواته في بيتها ماذا يقصد. لم تكن العلاقة بينها وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علاقة بنت وأب، وإن كان ذلك في عمق القرابة، ولكنّها كانت علاقةً تمتزج فيها المحبّة بالرسالة. فلم تكن الزهراء (عليها السلام) بطفولتها في مستوى طفولة الأطفال، فقد استطاعت أن تبلغ بعقلها مبلغاً كبيراً، جعلها تعيش مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في طفولتها الأولى لتشعر بمسؤوليتها، حيث كانت طفولتها تلاحق آلام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإذا اعتدى عليه المشركون بطريقة وبأُخرى، كانت تواسيه بدموعها، وعمرها لا يكاد يطفو فوق الخمس سنوات. كانت تعيش معه في بيته، فأعطته عندما فقد أُمّها كلّ ما كان بحاجة إليه في موقع بشريّته الإنسانية؛ أعطته كلّ حنان الأُمّ، وكلّ العاطفة التي كان يتلمّسها في أُمّها، ولذلك قال عنها إنّها «أُمّ أبيها».

وكانت الزهراء (عليها السلام) الإنسانة العالمية، كانت الإنسانة التي عاشت معنى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الرسالة، ومعنى الإمام عليّ (عليه السلام) في الإمامة، كانت الإنسانة التي تقف بكلّ صلابة في مواجهة الباطل، ولم تأخذها في الله لومة لائم. فنحن نعتبر أنّ القيمة الكبرى للإنسان المؤمن، هو أن يساوي الآخرين بنفسه، «لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه ويكره له ما يكره لها»، أمّا فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فقد كانت تحبّ للناس أكثر ممّا تحبّ لنفسها، وهذا ما يرويه ولدها الإمام الحسن (عليه السلام)، عندما كانت تقوم الليل حتى تتورم قدماها، وكان يسمعها تدعو للمؤمنين والمؤمنات ولا تدعو لنفسها، وكان يسألها: «يا أماه، لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟» فتقول: «يا بني، الجار ثمّ الدار». لقد كانت تفكّر في الآخرين قبل أن تفكّر في نفسها، وتتحسَّس آلامهم والظلم الذي يقع عليهم، أكثر ممّا تتحسَّسه في نفسها.

كانت إنسانيتها كإنسانية زوجها وابن عمها أمير المؤمنين (عليه السلام) في مسألة الإيثار، (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً) (الإنسان/ 8-9)، كانا يطويان يومهما جائعين، ويعطيان إفطارهما للمسكين واليتيم والأسير، كانا يقدّمان التضحية كلّها، ويفعلان الخير كلّه، ويجسّدان الإيثار كلّه لوجه الله، وذلك يمثِّل أعلى معاني الإنسانية.

السيِّدة الزهراء (عليها السلام)؛ هذه الإنسانة التي أذهب الله عنها الرجس، فليس هناك رجس في فكرها وعاطفتها وفي كلّ حياتها، وهي العصمة كلّها من خلال آية التطهير، والعصمة من خلال أنّها سيِّدة نساء أهل الجنّة، والعصمة في كلّ حياتها، لأنّها كانت تمثِّل الطهارة كلّها.. فاطمة الزهراء (عليها السلام)، هذا الاسم الذي عندما تذكره، فإنّه لا يوحي إليك إلّا بالطهارة كأصفى ما تكون الطهارة، وبالنقاء كأعذب ما يكون النقاء، وبالإنسانية التي تعطي الإنسان معنىً جديداً، وبالعصمة التي تتمثِّلها فكراً في فكرها، وخُلُقاً في أخلاقها، وسلوكاً في كلِّ حياتها، وشجاعةً في الموقف مع الحقّ، من دون أن تجد هناك أيّة نقطة ضعف.

ارسال التعليق

Top