• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

في ليلة القدر أمنيات صغيرة.. أمنيات كبيرة

في ليلة القدر أمنيات صغيرة.. أمنيات كبيرة
كبرت مصائب الدنيا، وكبرت معها أمنيات الناس ورجاءاتهم في ليلة القدر، ورغم أن بعض هذه الرجاءات والأدعية قد تطلب سيارة مرسيدس، ومالاً وفيراً، وزوجاً، لكن بعضها كان كبيراً أكثر بمعناه، ويرسم لنا صورة للحال الذي وصل إليه الناس في مجتمعاتنا.. من لعبة تحلم طفلة أن تراها بيدها صبيحة ليلة القدر، إلى عربة فول ضاق ذرعاً بالوقوف أمامها دون طائل، ودعا أن تتحول إلى عربة "كباب"، كل يدعو حسب ما يتمنى.. قد يكبر الناس، وتبقى هذه الأمنيات في صناديقهم ينتظرون ليلة قدر كل سنة؛ ليرفعوها إلى السماء علّ الله يستجيب لأدعيتهم.   - ما هي ليلة القدر؟ ليلة القدر هي أفضل الليالي، وقد أنزل الله فيها القرآن وأخبر سبحانه أنها خير من ألف شهر. وأنها مباركة. هي ليلة يفرق فيها كل أمر حكيم لقول الرسول (ص): "تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان". قد يرى الإنسان ليلة القدر بالعين لمن أكرمه الله بذلك، لكن عدم رؤيتها لا يمنع حصول فضلها لمن قامها إيماناً واحتساباً، وعن عائشة (رض) قالت: "كان النبي (ص)، إذا دخل العشر أحيا ليلة وأيقظ أهله وجد وشد المئزر"، وسألته عائشة: "يا رسول الله إن وافقت ليلة القدر فما أقول فيها، قال: قولي: "اللّهمّ إنك عفو تحب العفو فاعف عني". يقول الإمام الرازي: "إذا طلع الفجر في ليلة القدر نادى جبرائيل عليه السلام يا معشر الملائكة الرحيل الرحيل، فيقولون يا جبرائيل ما صنع الله بالمسلمين في هذه الليلة من أمة محمد؟ فيقول لهم إنّ الله عفا عنهم وغفر لهم إلا أربعة نفر، قالوا: مَن هؤلاء؟ فقال: "مدمن الخمر وعاق الوالدين وقاطع الرحم والمشاحن الذي لا يكلم أخاه فوق ثلاثة أيام". فضل الدعاء في ليلة القدر كبير، وكل إنسان حر أن يطلب ما يحلو له؛ فإن عطاء الله غير محدود وهو الذي يقول لنا في كتابه: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (غافر/ 60)، و(لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (القدر/ 3).   - فقراء وأغنياء: التردي الاقتصادي العالمي قَسّم العالم إلى قسمين، غني وفقير، فالفقير ضاقت أمنيات أدعيته، بينما الغني يريد المزيد، وفي هذه الليلة وقف محمد أحمد على أحد أرصفة غزة، يدعو الله أن يتوب عليه من بيع الفول، لكن أمنياته لم تتعد العمل ببيع الكباب الذي يحتاج رأسمالاً أكبر، رغم إنه خريج جامعي، وعلى الجانب الآخر من الرصيف المقابل، كان بائع الكباب عمر ياغي، ينتظر المساء، ويدعو ربه أن يخلصه من رائحة الشواء والدخان والوقوف أمام الفحم المشتعل، حتى لو عمل بائعاً للفول. ويذكر عبدالله أحمد، من البحرين، يوم رأى اسمه ضمن قائمة الفائزين في جوائز البنك الأهلي قرأه مئات المرات، وردد: "نعم إنّه اسمي، والحساب باسم ابني، محمد، كانت هذه دعوتنا أنا وزوجتي في ليلة القدر رمضان العام الماضي، يتابع عبدالله من البحرين: "تمكنت من تسديد إيجار بيتي لثمانية أشهر، بعد أن كدت أطرد منه". وفي الجانب الآخر من حي في غزة، كان أبو شادي، يقف أمام كتبه، يرتبها بعناية ثمّ يعيد ترتيبها، وهو يمسح عرق جبينه، في درجة حرارة تجاوزت الخمسين، يتلفت يميناً ويساراً، دون أن يرى راغباً بالشراء، اعتبر دعاءه في ليلة القدر خاصاً، وهو أن تجد كتبه من يشتريها أمام طغيان ثقافة الإنترنت، يتابع: "منذ سنوات دعوت الله أن يريح العالم من مسبب حصار غزة، الذي منع دخول الكتب والمجلات إليها، وقد استجاب الله إلى دعائي". ولكن لا مهرب أمام أم إبراهيم بائعة خضراوات متجولة، من مصر، من تجنب سوء معاملة المزارع التي تمدا بالخضراوات، فتدعو الله أن يرزقها ولو بقيراط أرض تزرعه، وتبيع خضراواته. الدكتور الأردني، حسين الخزاعي، خبير اجتماعي يدعو أن تتوقف معاناته ومعاناة زوجته وأبنائه من ركوب التاكسيات، وأن يقدره الله ويتوب عن المواصلات بشرائه سيارة مرسيدس موديل 2012، يستدرك: "ليلة القدر الماضية تمنيت أن أترفع لدرجة أكاديمية عليا، وأن أشتري بيتاً، وتحققت هاتان الأمنيتان". لكن موظفاً إماراتياً طلب عدم ذكر اسمه، يريد نقوداً لم يحدد قيمتها، المهم أن تكفي إطعام أولاده، وتسد حاجتهم من البامبرز، على أن يتخلص هو من الوظيفة، التي يعتبرها عبودية، ويتفرغ للكتابة! نواف المحمد شاب سعودي، بدا ضجراً من راتب والده الموظف الذي لا يكفي لتلبية احتياجات المنزل، ويتمنى أن يعينه الله للحصول على وظيفة، يعلّق: "لا بأس أن تتحقق أمنية حياتي بامتلاك سيارة كباقي زملائي".   - علاقاتنا وعائلاتنا: التشتت العائلي وغياب الحميمية بين الأزواج والجيران والأصدقاء، هي الأخرى تشغل بال الكثيرين ومنهم ياسر المصري الذي يتمنى، أن يتمكن العام القادم من إنشاء مزرعة كبيرة تتسع لأفراد أسرته بمن فيهنّ عماته وخالاته لإعادة الترابط العائلي الذي بدأ في التفكك رويداً رويداً، بينما رفع أحمد بن جمال مدير تسويق في بنك بالبحرين، يديه إلى السماء ليرزقه الله ببيت من جمعية إسكانية، يجمعه مع زوجته بعيداً عن ضغوط الأهل. الدكتور علي سنجل من الإمارات، قد يدعو لتغيير كنيته ليصبح "دبل" فكل النساء يعتقدن أنّه أعزب، تنهد قليلاً ثمّ قال بجدية: "سأدعو لكل النساء والرجال أن يرتقوا بالأرواح والنفوس لا بالأجساد، فقد أصبحنا في زمن فقد فيه كلا الجنسين الاتزان ، واختفت فيه العلاقات الصادقة، فالباطن شيء والظاهر شيء آخر"، ويرجع الدكتور سنجل ارتفاع نسب الطلاق إلى انعدام الشفافية بين الجنسين، وانتشار العلاقات خارج إطار الزواج، بينما الشاعرة بريهان الترك من الأردن، تدعو الله في هذه الليلة أن ترتبط بالإنسان الذي تحبه، وترغب بالقليل من فرص العمل لشباب الأردن والقليل من الرفاهية. تشاركها الدعاء بدرية خميس سماكة، في إحدى ساحات القاهرة، بعد أن ذاقت الأمرين من سوق السمك وبائعيه الكبار، وتدعو الله أن يرزقها بالزوج الذي يبعدها عن "زفارة السمك". لكن عزيزة محمد، بائعة فاكهة من مصر، لم تكتمل فرحتها لخطوبة ابنتها؛ ذلك أنها لم تستطع بدخلها أن تستكمل جهازها وتزوجها، وهذا ما ركزت عليه دعاءها في ليلة القدر، تعلق: "كلام الناس كتر". يبدو أن محصول عزمي جمعة، مزارع مصري، لكثرة الخير فيه، أصبح محط حسد الجيران، الذين يراقبونه عندما ينقل المحاصيل إلى منزله، وقد كرس دعاءه هذه الليلة لإيقاف حسدهم من خلال قراءة المعوذتين. ريم فتاة سعودية، فقدت أمها، وتربت لدى زوجة أبيها التي مارست عليها كل أصناف العنف والحرمان، وكانت تدعو الله في أعوام رمضان الماضية أن يبلغها ليلة القدر، حتى تطلب أن يتقدم لها رجل غني يعوضها سنوات الحرمان، وأن تنتقم من زوجة أبيها، وتعتقد ريم، حسب قولها، أن رغباتها لم تتحقق؛ لأنها تمنت الضرر لزوجة أبيها، تتابع: "هذا العام تمنيت ودعوت أن يتقدم لي شخص، يعوضني ما عانيت من ظلم زوجة أبي دون انتقام". وبينما تدعو الممثلة الأردنية نجلاء عبدالله، أم لطفل، أن يمد الله في عمرها وترى ابنها إبراهيم قد أصبح كابتن طيار، تضحك ليلى أبو عنزة ربة منزل من غزة، وتتذكر تلك السنة التي دعت الله فيها أن تموت حماتها، فماتت أمها، تعلّق: "كان عليّ أن أدعو الله أن يقتص لي ممن ظلمني ليس أكثر". ولكن يعذرها الحاج أحمد محمدين، صاحب متجر لبيع البقالة في القاهرة، الذي بدا عصبي المزاج، فصدرت على لسانه أدعية، جعلته يستغفر ربه، وطلب من الله أن يكف عنه تسلط حماته عليه، وأن يكفيه شر لسانها. ويبدو أنّ الكاتب والإعلامي السعودي سلامة الزيد فقد سكناً ورزقاً وستراً وعافية، السنة الماضية، ويأمل أن يعوضه الله خيراً بدعائه هذه الليلة، ولا ندري ما حال نصيبه؛ لأنّه يطلب الأفضل لأسرته. محمود محمد، موظف مصري، بات مدركاً أيضاً أنّ الدعاء السيِّئ يعود على صاحبه، فقد طلب في ليلة قدر ماضية أن يبعد عنه مديره المباشر إلى منطقة نائية، فتم نقله هو إلى تلك المنطقة، يستدرك محمود: "لكنني وجدت سكناً وطعاماً رخيصاً وجيراناً طيبين وهذا ما هدَّأ من حنقي". ووجدت أم خالد، ربة منزل سعودية، عانت من إدمان زوجها وأبنائها بسبب رفقاء السوء. ليلة القدر فرصة لتجتهد أكثر بالدعاء لهم، حتى يشفيهم من هذا الداء. - صحتنا أوّلاً: بسبب انتشار الأمراض المميتة من إنفلونزا الخنازير إلى السرطانات، التي لا حل لها، إلى الإيكولاي في الخضراوات، تركزت معظم أمنيات الناس في هذه الليلة على الصحة والعافية.   - طقوس ليلة القدر: علامات ليلة القدر، حسبما يقول الشيخ عائض القرني، وردت في قول رسول الله (ص): "ليلة القدر ليلة سمحة، طلقة لا حارة ولا باردة، تصبح الشمس صبيحتها ضعيفة حمراء". ويشترك أهل الخليج بطقوس إحيائها بالصلاة والقرآن، والذكر والاستغفار والدعاء من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، حيثُ يعتكف الكثير من السعوديين في المسجد الحرام لعشر ليال لأجل هذه الليلة، لكن المغربيين يعدونها احتفالية خاصة، لأوّل صيام للأطفال، حيثُ تخصص لهم مائدة ويرتدون ملابس تقليدية، فتزف الطفلة كعروس تلك الليلة بعدما تكون قد تزينت بأحلى الثياب وتلتقط لها صور للذكرى. أما في مصر فيتدفق المصريون إلى المساجد لإقامة صلاة التراويح والتهجد حتى وقت السحور، ثمّ يتناولون سحورهم ليعاودوا صلاة الفجر وراء مشايخهم. وقد تعود الأردنيون في هذه الليلة أن يرتدوا أجمل ما لديهم من ثياب ويتطيبوا بروائح العود والعنبر ويذهبوا إلى المساجد، بينما تفوح رائحة البخور في بيوتهم، ويحرص أهل الخير على توزيع طعام السحور والماء والتمر على المعتكفين في المساجد بعد صلاة التراويح، لكن العادات قد تختلف في فلسطين فلليلة القدر طعمها الخاص، حيث تجوب فرقة جوالة تعرف بالحواية، أو المدّاحة، الأحياء والأزقة بعد صلاة العشاء والتراويح، ويقف أفرادها في زاوية مظلمة من دهاليز البيوت، وينشدون الأناشيد الرمضانية، وكثيراً ما نلاحظ نساء يصطحبن أطفالهنّ وطعام السحور؛ ليقضين تلك الليلة في المسجد الخاص بهنّ.   - أمثال قيلت: - "اللي بينزل من السما بتتلقاه الأرض". إشارة للإيمان بالقضاء والقدر، حيثُ تقدر الأعمار والأرزاق في تلك الليلة. - "الدعوة بتدور بتدور على سبع بحور وبترجع لصاحبها". وهو لتحذير النساء من الدعاء على الحموات في تلك الليلة.

تعليقات

  • منه

    امنيتي ان البلد تتغير للاحسن

ارسال التعليق

Top