• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

قصص تربوية في علاقة الأبناء بالآباء والأُمّهات

أسرة

قصص تربوية في علاقة الأبناء بالآباء والأُمّهات
القصّة الأولى "رفيق موسى (ع) في الجنّة!!" يُحكى أنّ موسى (ع) سألَ ربّه ذاتَ يوم أن يُعرِّفه برفيقه في الجنّة، فعرّفهُ به، وإذا به قصّاب! فتعجّب موسى من ذلك، فذهبَ إليه ليعرف قصّته وعمله الذي استحقّ به أن يكون رفيقَ نبي الله في الجنّة. طرقَ بابه، ففتحَ له مُرحِّباً بالنبي، فاستأذنه فأدخله إلى بيته، وإذا بأمٍّ له عجوز قد وضعها في سريرٍ كالطِّفل لتقدّم سنّها. وكان القصّاب ابنها يحيطها برعايةٍ كبيرة، ويتفقّدها حاجاتها، فيُقدِّم لها الطعام، ويقومُ بتغسيلها، ومؤانستها. فعرف موسى (ع) أنّ هذا القصّاب نالَ تلكَ المنزلةَ بهذه الرعاية لأُمِّه!!   - الدروس المُستخلصة: 1- جنّة الله تُشترى، ومن بين أثمانها رعايةُ الأمِّ والرفق بها والإحسان إليها. 2- من لُطفِ الله تعالى بعباده المتأدِّبين بأدبه المتراحمين بينهم، أن جعل الأدوار بينهم متبادلة: فالامّ في الطفولة هي التي ترعى وتعتني، والإبن في الكبر هو الذي يرعى ويعتني. 3- ومهما كان عطاءُ الإبن لأمِّه، يبقى عطاءُ الأُمِّ لولدها أكبر وأخلص وأقوى، فهي تعطي كلّ شيء وبلا مقابل.. فسعادتها أن تهب أولادها كلّ ما لديها.. ولا تتأفّف.. ولا تشتكي.. ولا تتذمّر.. ولا تمنّ.. أمّا الأولاد فقد يعطون وربّما يمنّون.. وربّما يتأفّفون.   القصة الثانية "أخاف أن تسبق يدي يدَها!!" بعدما توفِّيت أم الإمام علي بن الحسين (زين العابدين) (ع)، تولّت رعايته إحدى نساء أبيه، فكان لشدّةِ عنايتها به، وحبّها له، وحدبها عليه، يعتبرها بمثابة أمِّه، ويحسنُ إليها ويبرّها كما لو كانت أمّه التي ولدته. وقد لاحظَ أهلُ بيته والقريبين منه أنّه لا يُجالسها على مائدة الطعام، (أي لا يشترك معها في تناول الطعام من صحنٍ واحد)، فاستغربوا وسألوه عن ذلك، فماذا كان ردّه؟ قال (ع): "أخافُ أن تسبق يدي يدَها إلى ما تسبق عيناها إليه، فأكون قد عققتها"!!   - الدروس المُستخلَصة: 1- الإحسان يُقابله الإحسان، فلقد أحسنت زوجةُ أبيه (أمّه الثانية) إليه، فقابَل إحسانها بإحسانٍ في منتهى الرِّقّة والأدب والتهذيب. 2- عبارة (أخافُ أن) سبقَ أن تكرّرت في أكثر من مكان.. هي تعبير عن خُلقٍ رفيع، وأدبٍ جمّ، وتهذيبٍ عال.. هو خوفٌ من العقوق في أدنى أشكاله ومراتبه. وقد لا يكون عقوقاً أن تسبق يدُكَ طعامٍ تشتهيه أمُّك، وقد سبقت عيناها إليه، لأنّه أمرٌ غيرُ مقصودٍ، بل ويصعبُ تقديره، لكنّه البر المتناهي، والتصرّف الحسنُ النبيلُ، والحبّ الذي يرفرف بجناحيه بين أمٍّ رؤومٍ وابن بارّ!!   القصة الثالثة "لم يوفِها حقّها!!" 1- رُؤيَ رجلٌ يطوفُ حولَ الكعبة المُشرّفةِ (بيت الله الحرام)، وهو يحملُ أمّهُ على ظهره ويطوفُ بها؛ لأنّ الشيخوخة كانت قد أخذت منها مأخذاً، فلم تعد تقوى على الطوافِ بنفسها. وبعد أن أنهى مراسمَ حجّه، أقبلَ يسألَ النبي (ص) سؤالاً كان يتصوّر أنّ النبي (ص) سيُجيبه عليه بالإيجاب. فقال: يا رسول الله! فعلتُ كذا وكذا لأمِّي، فهل أدّيتُ حقّها؟ فقال له (ص): "لا، ولا بزفرةٍ واحدةٍ"! أي، ولا بزفرةٍ واحدة من آلامِ حملها، ووضعها، وتربيتها، وسهرها. 2- وجاء – ذات يوم – رجلٌ إلى النبي (ص) وبادره قائلاً: إنّ والدتي قد بلغها الكبرُ، وهي عندي الآن، أحملُها على ظهري، وأُطعمها من كسبي، وأُميطُ عنها الأذى بيدي، وأصرفُ مع ذلك عنها وجهي، استحياءً لها منها، وإعظاماً لها، فهل كافأتُها؟! فقال (ص): "لا، لأنّ بطنَها كانَ لك وعاءً، وثديُها كانَ سِقاءً، وقدمّها كانَ لكَ حذاءً، ويدُها كان لك وقاءً، وكانت تصنعُ بكَ ذلك، وهي تتمنّى حياتك، وأنتَ تصنعُ هذا وتتمنّى موتها"!!   - الدروس المُستخلصة: 1- رعاية الأُمّ لولدها ليس له وفاءٌ، فهي عانت الكثير، وتحمّلت بحبٍّ ورضا كلّ متاعب الحمل والولادة والتربية، بما لا يُقاس معه كلّ ما يُقدِّمه ولدها إليها.. فهي المتفضِّلة عليه بعد الله. 2- حملُ الأمِّ الكبير على الظهر للطّوافِ بها ساعة، أهون من حملها جنينها في طنها تسعة أشهر، فالظّهر مُعدٌّ للحمل وهو قوي، والبطنُ ليست لحمل الأثقال في الظرف العادي، فهي أضعف ومع ذلك فهي – أي الأُمّ – حملتكَ تسعة أشهر حيث لا يحملُ أحدٌ أحداً. 3- قد تُطعِم أمّك وتسقيها من كسبك، وهذا جميلٌ نبيل، ولكنّها كانت تُطعمكَ من ثمرة فؤادها، ومن لبن ثديها، ومن خالصِ حبِّها وفدائها، فأنتَ تعطيها من خارج وهي تعطيك من باطن عميق. ويُنقل في الأثر، أنّ موسى (ع) كلّم ربّه تبارك وتعالى ثلاثة آلاف وخمس مئة كلمة، فكان آخر كلامه، يا ربّ أوصني، قال (جلّ جلاله): أوصيكَ بأمِّكَ حسناً، قالها سبعَ مرات، حتى قال موسى (ع): حسبي (أي كفى). فقال سبحانه وتعالى: "إنّ رضاها رضايَ، وسخطها سخطي"!   القصة الرابعة "أُمَهِّدُ لها فراشَها!!" عُرفَ (حجرُ بن عَديّ) الشهيد، بشدّةِ عنايتهِ وبالغ رعايته لأمِّهِ الكبيرة السن، حيث كان يوليها اهتماماً فائقاً، وبرّاً منقطعَ النظير، فماذا كان يعمل الإبن البارّ (حجرٌ) لأمِّه؟ كان يقوم بخدمتها بنفسه، ويتولّى شؤونها الصغيرة والكبيرة بسعادةٍ غامرة، فكانَ في النهار خادمَها المُطيعَ، حتى إذا دجا اللّيلُ وهوّمت العيونُ، كان يتوقّى فراشها كل ليلة، لم يتخلّف عن ذلك قطّ، فماذا كان يصنع؟ كان – رحمه الله – يعمدُ إلى تحسّس فراشها بيديه، خشية أن يكون في الفراش ما يقلق راحتها، ويُعكِّر صفوَ منامها، وربّما اتّهم خشونة يديه، فكانَ ينزع قميصه ليتحسّس فراشها بظهره، وكأنّه هو الذي يُريد أن ينام عليه، فيمرِّر ظهره على الفراش عدّة مرّات، حتى إذا وجدهُ مُريحاً ومُهيّئاً، دعاها للنوم وهو مطمئنُّ البال قريرُ العين أن لا شيء يُزعجها فتصوّر!   - الدروس المُستخلَصة: 1- أن تقوم برعاية أمّكَ في الأمور المُتعارَف عليها وفي الشؤون العاديّة، شيءٌ جميلٌ، أمّا أن تتفنّن في إدخال السرور إلى قلبها، فذلك أجملُ وأنبلُ وأكمل. 2- ولكَ أن تتصوّر الأثرَ النفسي العميق الذي تتركهُ في قلب أمك وهي تراكَ تُبالغ في رعايتها، إنّه شيءٌ لا يُمحى من قلبها أبداً، وهي لا تستقبله منك بلا مُقابل، بل تدفع ثمنهُ دعاءً عريضاً ليس بينهُ وبين السّماء حجاب!!

ارسال التعليق

Top