• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

قصص تربوية لترويض النفس وبناء الذات/ ج (3)

أسرة

قصص تربوية لترويض النفس وبناء الذات/ ج (3)

 

القصّة الحادية عشرة "صداقة أكبر من الفتنة" عرفَ (النُعمان بن المنذر) بالعلاقة الوثيقة بين صديقين حميمين، هما: (حاتم الطائي) وصديقه المخلص (أوس بن خارجة)، فحاول أن يُوقِع (يُفرِّق) بينهما. فجاء أوّلاً إلى (أوس) فقالَ له: إنّ حاتماً يزعمُ أنّه أفضل منك! فقال اوس على الفور: صدقْ!! لو كنتُ وأهلي وولدي لحاتم لَوَهَبَنا في يومٍ واحد! (لمعرفته بكرمه وشدّة سخائه). ثمّ جاء إلى (حاتم) فقال له مثل ما قال لأوس، فما تردّد (حاتم) بالقول: صَدَق!! وأين أقع من أوس، له عشرةُ ذكور أدناهم أفضل منِّي!! (لمعرفته بمروءتهم). فأُسقِطَ ما في يد النّعمان، وقال: ما رأيتُ أفضل منكُما! ولم يُفرِّق بينهما بعد ذلك إلا الموت!!   - الدروس المُستخلَصة: 1- إذا كانت الصداقة أو العلاقة عميقة، فإنّ الذي يريد أن يعكِّر مياهها يغرق وتبقى هي صافية عميقة، لأنّ كل طرف فيها يُقدِّر قيمتها حقّ التقدير. 2- أنظر إلى جوابَي الصديقين (حاتم) و(أوس)، فهما لم يتردّدا في القول (صَدَق)، لأنّ معنى الصداقة أن تُصدِّق الآخر وأن يُصدِّقك الآخر، فل يكن هناك أدنى احتمال في أن يكون الأمر فتنة، لقد حملَ كلّ منهما صاحبه أفضل محمل. 3- وانظر إلى معرفة كل صديق بنقاط قوّة صديقه: (أوس) يعرفُ أنّ حاتماً كريمٌ وأنّه لا يتوانى لحظة في أن يهب كلّ ما يملك لضيفه، حتى لو كان (أوس وأهله وأولاده) ملكاً له. و(حاتم) يعرف نُبل أخلاق وسجايا أولاد (أوس)، حتى أن (أدناهم) أي أقلّهم شأناً هو في نظر حاتم أفضل من حاتم. 4- تذكّر أنّ الناقل أو (النّمّام) أو الواشي أو المُثير للفتنة قد لا يقصد دائماً الوقيعة بين صديقين، ولكنّه يريد اختبار صدق صداقتهما، فإذا قصد الإيقاع والتفرقة لم ينل بغيته، وإذا أراد الاختبار نجحَ الصّديقان في إثبات قوّة علاقتهما وخيّبا أمله. 5- قبل أن تردّ على صحّة ما يقوله الواشي، راجِع صحّة العلاقة مع أخيك، لأنّ "مَن صدّق الواشي، ضيّع الصديق".   القصّة الثانية عشرة "أين عطاؤه من عطائي؟!!" كان (عبدالرحمن السلمي) مُعلِّماً للقرآن يُعلِّم الصِّبيان في المدينة المنوّرة قراءة القرآن، وذات مرّة طلبَ إليه الإمام الحسين (ع) أن يُعلِّم صبيّاً له القرآن، فعلّم (عبدالرحمن) الصبي سورة الفاتحة، فجاء الصبي ليقرأ السورة التي تعلّمها على والده (الحسين)، فسُرّ الأبُ أيّما سرور بتعلّم ولده فاتحة الكتاب، وهُرع على الفور إلى (عبدالرّحمن السّلميّ) ليكافأه، فقال له: افتحْ فمك. ففتح عبدالرحمن فمه فحشاهُ الحسينُ درّاً!! فقيلَ لهُ ذلك (أي استكثرَ الذين كانوا حاضرين عطاء الإمام الحسين في مقابل سورةٍ من القرآن). فرّد الإمام الحسين (ع) على المُستكثِرين قائلاً: "أين عطائي من عطائه"؟!!   - الدروس المُستخلَصة: 1- (أين عطائي من عطائه)، أي أنّ (الحسين) (ع) يعتبر عطاء (عبدالرحمن) أكبر بكثير من عطائه، فتعلّم سورةٍ من القرآن لا تُعادله كنوز الأرض كلّها، هي أغلى من الدّرر والجواهر الفانية، لأنّها الدّرر والجواهر الخالدة. 2- تقدير وتقييم قيمة التّعليم لا يعرفُها إلا أهل العلم، فالذين استكثروا العطاء، قاسوا (القليل) بـ(الكثير)، والحال أنّ الحسين (ع) قاسَ (الكثير) بـ(القليل)؛ لأنّه يعرف أنّ قيمة تعلّم الفاتحة هي في قيمة تعلّم الصلاة التي هي عمود الدِّين، أي أنّها ممتدّة بامتداد الحياة!! 3- إستصغار عطائك المادِّي لِمَنْ أعطاكَ عطاءً معنويّاً، هو أجملُ وأكملُ المكافأة.. هو ليس ردّ التحيّة بالتحيّة، بل الرّد بأحسنِ منها، وهذا ما يندبُ ويدعو ويحثّ عليه الإسلامُ في عالم العطاء والعطايا: أن تربو (تزيد) بعطائك على اليد التي كافأتك.

ارسال التعليق

Top