• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

قواعد حفظ الصحة

قواعد حفظ الصحة

لا يجادل أحدٌ في أنّ الصحة نعمة من أكبر نعم الله (عزّ وجلّ)، وهي في نظر الإسلام أعظم نعمة بعد نعمة الإيمان، إذ يقول رسول الله (ص): "سلوا الله العفو والعافية؛ فإنّ أحداً لم يُعْطَ بعد اليقين خيراً من العافية".

والصحّة – كما نعرّفها اليوم –: حالة من المعافاة الكاملة بدنيّاً ونفسيّاً واجتماعيّاً وروحيّاً.

فقد أجمع الأطباء – من قبل ومن بعد – على أنّ الطبّ طِبّان: حفظ الصحّة على الأصحاء، وردّ الصحّة على المرضى بالمداواة وبالتأهيل.

وقد قرر الإسلام مبدأ التداوي وأمر به، كما جاء في الحديث الصحيح: "يا عباد الله تداووا" و"ما أنزل الله من داء إلّا أنزل له شفاءً".

وقد صاغت منظمة الصحّة العالمية تعريفها للصحّة على أنّها:

(المعافاة الكاملة، جسميّاً ونفسيّاً واجتماعيّاً، لا مجرد انتفاء المرض أو العجز).

 

أوّلاً- أنواع الصحّة:

الصحّة ثلاثة أنواع:

1- الصحّة الجسمية (Physical Health):

وهي التي تتعلّق بالجانب الجسماني، ولتحقيقها يجب عدم تناول كلّ ما يلحق ضرراً بالجسم، كما ينبغي الابتعاد عن العادات التي تسبب ضعفه ومرضه.

2- الصحّة العقلية (Mental Health):

وهي ما يتعلّق بالجانب العقلي والفكري للإنسان، ويجب الحفاظ عليه، وذلك باجتناب كلّ ما يؤدي إلى إتلافه أو تعطيله؛ كالخمر والمخدرات.

والصحّة العقلية السليمة ليست شيئاً تحوزه، ولكنها شيء تقوم به، فلكي تكون صحيحاً عقليّاً فعليك أن تقيّم نفسك وتقبل بها، وهذا يعني:

·      أن تشعر بأهمية نفسك وأن تقوم على رعايتها، وأن تحبّ نفسك ولا تكرهها، وأن تهتمّ بصحّتك الجسدية.

·      أن تأكل جيداً، وتنام جيداً، وأن تحافظ على لياقتك، وتُمتِّع نفسك بما أحلّ الله لك.

·      أن ترى نفسك شخصاً ذا قيمة بحدِّ ذاتك؛ فلا ينبغي أن تكون نسخة من أحد، بل تنشئ نفسك مستعيناً بالله، ثمّ بعملٍ مخلصٍ دؤوبٍ.

·      أن تحكم على نفسك بناء على مقاييس معتدلة، وأن لا تضع لنفسك أهدافاً مستحيلة؛ مثل: "يجب أن أكون ممتازاً في كلّ ما أفعل".. ومن ثم تعاقب نفسك عندما لا تحقق هذه الأهداف!.

3- الصحّة النفسية (Psychological Health):

والصحّة النفسية تتعلّقة بالجانب الروحي في الإنسان عن طريق الإيمان بالله وتقواه، وأداء العبادات المختلفة، والتحلِّي بالأخلاق الفاضلة؛ فالمؤمن الصادق لا يعرف الأمراض النفسية طريقاً إليه، لأنّه لا يخاف من المرض والفقر أو المصائب؛ لعلمه أنّ الرازق هو الله، وأنّه لن يصيبه إلّا ما هو مقدّر له.

ولا يمكن للصحّة النفسية أو الصحّة الجسدية أن توجدا بمعزل عن بعضهما (العقل السليم في الجسم السليم، والعكس صحيح)، بل لابدّ من أن تعتمد الوظائف الجسدية والنفسية بعضها على بعض.

 

ثانياً- قواعد حفظ الصحّة:

لا يتأتى حفظ الصحّة ما لم تتوافر تلك الحاجات الأساسية التنموية، وهي: المأكل، والمشرب، والملبس، والمسكن، والمنكح، والمركب، والأمن، والتعليم، والدَّخْل.

ويأتي النصُّ الفريد الذي لا نجده في أي كلام آخر سوى كلام الرسول محمد (ص): "فإنّ لجسدك عليك حقّاً".

وقد توصّل الناس بعد أربعة عشر قرناً من تقرير الإسلام لحقوق الإنسان، إلى إصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولكنهم لم يتوصّلوا بعدُ إلى إعلان "حقّ الجسد"، الذي من حقِّه على صاحبه أن يطعمه إذا جاع، ويريحه إذا تعب، وينظفه إذا اتسخ، ويحميه ممّا يؤذيه، ويقيه من الوقوع في براثن المرض، ويداويه إذا مرض، ولا يكلِّفه ما لا يطيق.. وهو حقٌّ واجب لا يجوز في نظر الإسلام أن يُنسى ويهمل لحساب الحقوق الأخرى.

والصحّةُ مسؤوليةٌ كبرى أمام الله (عزّ وجلّ)، فالنبيّ (ص) يقول: "إنّ أوّل ما يُسأل عنه يوم القيامة – يعني العبد من النعيم – أن يقال له: ألم نُصِحَّ لك جسمك، ونُرْوِكَ من الماء البارد؟".

ولذلك كان من واجب المسلم أن يحافظ على هذه النعمة، ويحذر عليها من التبديل والتغيير بإساءة التصرُّف، وإلّا حلّ به العقاب جزاءً وفاقاً على ذلك.

أمّا المحافظة على هذه النعمة، فتكون برعاية الصحّة، والقيام بكلِّ ما يبقيها ويحسّنها من سُبل تعزيز الصحّة؛ وهي:

1- التغذية الحسنة (Healthy Diet):

فتحرِّي الغذاء الطيِّب، واجتناب الغذاء الخبيث، ضمانة للصحّة، والله سبحانه يقول: (كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) (البقرة/ 172).

والتغذية الصحّية هي التغذية المتوازنة، تحقيقاً للميزان الذي وضعه الله في كلِّ شيء، وجاء ذكره في سورة الرحمن: (وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ) (الرحمن/ 7-8).

أ) التغذية المتوازنة من حيث الكم:

فالإسرافُ في الغذاء مضرٌّ بالصحّة، فهو يسبب اضطراب الهضم، والتخمة، كما يسبب أمراض فرط التغذية التي يقال لها اليوم: "أمراض الرخاء" أو "أمراض التخمة"، ومن أهمها: السكري، وارتفاع ضغط الدم، وأمراض شرايين القلب المحدِثة للذبحة والجلطة، وأمراض شرايين الدماغ المؤدية إلى السكتة والفالج، وما إلى ذلك.

وبذلك تكون المعدة بيت الداء حقّاً، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وتكون مسؤولة عن طائفة من أخطر الأمراض.

وهذا الإسراف في كم الغذاء مخالف لتعاليم الإسلام، إذ يقول الله سبحانه: (كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ) (طه/ 81).

ب) التغذية المتوازنة من حيث المحتوى:

وهي تشتمل على مزيجٍ من مختلف أنواع الأغذية التي أنعم الله بها على عباده، لسدِّ حاجة الجسم من البروتينات والدهنيات والنشويات والأملاح والفيتامينات، وغيرها.

2- إعطاء كلّ عضوٍ حقّه:

ومن وسائل حفظ الصحّة وتعزيزها بالمحافظة على هذه النعمة، أن يقدّم الإنسان لجسده كلّه ولكلّ عضو من أعضائه حقّه من الرعاية والإراحة والعناية، كما في قوله (ص): "وإنّ لعينيك عليك حقّاً".

3- عدم تكليف الإنسان نفسه ما لا يطيق:

لقوله (ص): "عليكم بما تطيقون".

4- تقوية الجسم ولا سيّما بالرياضات المناسبة:

فقد قال (ص): "المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف".

وقال (ص): "احرص على ما ينفعك".

5- عدم تعريض النفس لخطر المرض أو الإصابات بأي شكل من الأشكال:

فالرسول (ص) يقول: "لا ينبغي لمؤمن أن يذلّ نفسه" قالوا: وكيف يذلّ نفسه؟ قال: "يتعرض من البلاء لما لا يطيقه".

ويكون تعرّض المرء للأمراض والإصابات بتعرّضه لأسبابها، أو تهاونه في عدم اتقائها، أو تهاونه في حفظ صحّته عليه.

وينبغي على الإنسان المسلم:

·      اتّخاذ كلِّ أسباب الوقاية من الأمراض؛ لأنّ التوقّي يكفل الوقاية؛ فالرسول (ص) يقول: "ومَن يتوقّ الشر يُوقه".

·      البعد عن مصادر المرض؛ كاجتناب مقارفة الزنى والشذوذ وسائر الفواحش؛ لقوله تعالى: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا) (الإسراء/ 32).

·      عدم التعرُّض للمصابين بالأمراض المعدية.

·      التطعيم لتوقّي كثير من الأمراض المعدية.

·      التداوي إذا أصيب بالمرض؛ لقوله (ص): "تداووا؛ فإنّ الله (عزّ وجلّ) لم يضع داء إلّا وضع له شفاء".

 

الكاتب: د. حسان شمسي باشا

المصدر: كتاب الثقافة الصحّية (متعة الحياة)

ارسال التعليق

Top