• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

قيمة التسامح في الإسلام

عمار كاظم

قيمة التسامح في الإسلام

للتسامح قيمة كبرى في الإسلام فهو نابع من السماحة بكلِّ ما تعنيه من حرّية ومساواة من غير تفوق جنسي أو تمييز عنصري، وقد حثّنا ديننا الحنيف على الاعتقاد بجميع الديانات، قال الله تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) (البقرة/ 285).

لا يعني التسامح التنازل أو التفريط بالحقّ، بل هو الاعتراف بالآخر، والاحترام المتبادل والاعتراف بحقوق الآخرين وحرّياتهم، بما فيه من تنوّع واختلاف، ويمكن رصد قسمين هامين للتسامح: الأوّل التسامح الديني: وهو التعايش بين الأديان، بمعنى حرّية ممارسة الشعائر الدينية والتخلي عن التعصب الديني والتمييز العنصري. والثاني التسامح الفكري: وهو عبارة عن الالتزام بآداب الحوار والتخاطب وعدم التعصب للأفكار الشخصية وإعطاء الحقّ للآخرين من أجل الإبداع والاجتهاد.

والتاريخ خير شاهد على النزعة الإنسانية للإسلام، وبالتسامح الذي ربط علاقات المسلمين بمعتنقي الأديان الأُخرى، حيث دعا القرآن إلى مجادلتهم بالتي هي أحسن ومحاولة إقناعهم بالحكمة والموعظة الحسنة، قال الله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل/ 125). وبصورة عامّة، يمكن أن نلاحظ مدى أهميّة مسألة التسامح في المنهج الإسلامي من خلال عدّة أُمور، منها: 1- لا إكراه في الدِّين: فالدِّين أمر قلبي ولا يدخل شيء في القلب إلّا بعد القبول والإيمان به، قال الله تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى) (البقرة/ 256). 2- حرمة أماكن العبادة: فقد أكّد الإسلام أنّ أماكن العبادة على اختلافها محترمة، قال تعالى: (وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا) (الحجّ/ 40)، وقد وردت روايات كثيرة في أنّه لا تهدم لهم بيعة ولا كنيسة ولا يخرج لهم قس ولا يفتنون عن دينهم. 3- حرمة الإنسان: فالدِّين الإسلامي يؤكِّد على المسلمين أن ينظروا إلى غيرهم على أنّهم بشر، لا يرضون لهم إلّا بالخير والإحسان، وقد أوصى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) مالكاً (رضي الله عنه) حينما وجهه إلى مصر بقوله: «واشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبّة لهم واللُّطف بهم ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فانّهم صنفان إمّا أخ لك في الدِّين وإمّا نظير لك في الخلق». 4- الدعوة إلى الأخوة والمحبّة: فقد دعا الإسلام الجميع إلى السلام، فبنى علاقة المسلمين ببعضهم ببعض على أساس المحبّة والأخوّة. قال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات/ 20)، وعلاقة المسلمين مع غيرهم على أساس التعارف والتعاون (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات/ 13)، لا بل دعا المسلمين إلى البرّ بهم والإحسان إليهم، قال تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) (الممتحنة/ 8).

ارسال التعليق

Top