• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

كمال الأخلاق في شخصية رسول الله (ص)

عمار كاظم

كمال الأخلاق في شخصية رسول الله (ص)

عندما يدقق الإنسان في الصفات الحسنة التي يمتلكها الرسول العظيم محمّد (ص) يجد أنّه أعظم شخص في آخر سلالة متصلة بالسماء، وهو يعيش في ذاته روح الإنسانية بسماتها الحميدة، وأخلاقها الفاضلة، وبنهجه القرآني في التعامل مع أُمته، كفرد من تلك الأُمة المتولدة في تلك البقعة من الأرض، فيأكل مما يأكلون، ويلبس مما يلبسون، ولم يرى في نفسه يوماً ما إنّه خارج عن هذا الكيان الإنساني المركب من المادة الترابية والروح الإلهية، رغم ما منحه القرآن من خصوصيات ومميزات عالية، فقال تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم/ 4). وهي شهادة من الله العلي الأعلى برسوله الحبيب محمّد (ص)، ومدلول الخُلق العظيم عند الله لا يدرك مداه أحد من العالمين، وهو ثناء تتجاوب أرجاء الوجود به. ولا يمكن لأحد أن يجعل لها مقياساً في تحديد مفهوم خُلق الرسول (ص)، وإن روية في أخلاقه السّير على لسان أصحابه، إلّا أنّ الكلمة القرآنية الصادرة عن الله العلي المتعال تبقى لها الثقل القيمي بدلالتها من كلّ شيء آخر. كان النبيّ (ص) أحكم الناس وأحلمهم وأشجعهم وأعدلهم وأعطفهم وأسخاهم لا يثبت عنده دينار ولا درهم لا يأخذ مما آتاه الله إلّا قوت عامه فقط من يسير ما يجد من التمر والشعير ويضع سائر ذلك في سبيل الله ثم يعود إلى قوت عامه فيؤثر منه حتى ربما احتاج قبل انقضاء العام إن لم يأته شيء وكان يجلس على الأرض وينام عليها ويخصف النعل ويرقع الثوب ويفتح الباب ويحلب الشاة ويعقل البعير ويطحن مع الخادم إذا أعيا ويضع طهوره بالليل بيده ولا يجلس متكئاً ويخدم في مهنة أهله ويقطع اللحم ولم يتجشأ قط ويقبل الهدية ولو أنها جرعة لبن ويأكلها ولا يأكل الصدقة ولا يثبت بصره في وجه أحد يغضب لربّه ولا يغضب لنفسه وكان يعصب الحجر على بطنه من الجوع يأكل ما حضر ولا يرد ما وجد. وكان يجالس الفقراء ويؤاكل المساكين ويناولهم بيده ويكرم أهل الفضل في أخلاقهم ويتألف أهل الشر بالبر لهم يصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على غيرهم إلّا بما أمر الله ولا يجفو على أحد يقبل معذرة المعتذر إليه وكان أكثر الناس تبسماً ما لم ينزل عليه القرآن أو تجر عظة وربما ضحك من غير قهقهة لا يرتفع على عبيده وإمائه في مأكل ولا في ملبس ما شتم أحدا بشتمة ولا لعن امرأة ولا خادماً بلعنة ولا لاموا أحداً إلّا قال دعوه لا يأتيه أحد حر أو عبد أو أمة إلّا قام معه في حاجته ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يغفر ويصفح يبدأ من لقيه بالسلام وإذا لقي مسلماً بدأه بالمصافحة وكان لا يقوم ولا يجلس إلّا على ذكر الله وكان لا يجلس أليه أحد وهو يصلي إلّا خفف صلاته وأقبل عليه وقال ألك حاجة وكان يجلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك وكان أكثر ما يجلس مستقبل القبلة وكان يكرم من يدخل عليه حتى ربما بسط له ثوبه ويؤثر الداخل بالوسادة التي تحته وكان في الرضى  الغضب لا يقول إلّا حقاً. ومما جاء في صفته (ص) أنّه كان يسأل عن أصحابه فإن كان أحدهم غائباً دعا له وإن كان شاهداً زاره وإن كان مريضاً عاده وإذا لقيه الرجل فصافحه لم ينزع يده من يده حتى يكون الرجل هو الذي ينزعها ولا يصرف وجهه عن وجهه حتى يكون الرجل هو الذي يصرفه وإذا لقيه أحد فقام معه أو جالسه أحد لم ينصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف عنه وما وضع أحد فمه في أذنه إلا استمر صاغيا حتى يفرغ من حديثه ويذهب. وكان ضحوك السن أشد الناس خشيةً وخوفاً من الله وما ضرب امرأة له و لا خادماً يسبق حلمه غضبه ولا تزيده شدة الجهل عليه إلّا حلماً أحسن الناس خلقاً وأرجحهم حلماً وأعظمهم عفواً أجود بالخير من الريح المرسلة أشجع الناس قلباً وأشدهم بأساً ما سئل شيئا قط فقال لا إذا أراد أن يفعل قال نعم و إذا لم يرد أن يفعل سكت وكان إذا جاء شهر رمضان أطلق كل أسير و أعطى كل سائل و كان أصبر الناس على أوزار الناس و إذا مشى أسرع ليس بالعاجز و لا الكسلان و ما رئي يأكل متكئا قط. ومما جاء في وصفه (ص) أنّه كان حسن الإصغاء إلى محدثه لا يلوي عن أحد وجهه ولا يكتفي بالاستماع إلى مَن يحدثه بل يلتفت إليه بكلّ جسمه وكان قليل الكلام كثير الإنصات ميالاً للجد من القول ويضحك أحياناً حتى تبدو نواجذه فإذا غضب لم يظهر من أثر غضبه إلّا نفرة عرق بين حاجبيه.

ارسال التعليق

Top