• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

كن إعلامياً معاصراً

جلال فرحي

كن إعلامياً معاصراً

◄ذهب رجل ذات يوم إلى إحدى الحفلات وكان يلبس ملابس متسخة ومرقعةً، فرفض حارس قاعة الحفلات إدخاله بدعوى أن ليس لديه بطاقة دخول، فجاء بعده رجل آخر أنيق يلبس ملابس عصرية أنيقة، فسمح له حارس القاعة بالدخول دون أن يطلب منه بطاقة الدخول. شاهد الرجل الأوّل هذا المشهد، فانتابه شعور بأنّ الناس تؤخذ بمظاهرها، فعاد إلى منزله واغتسل وارتدى ملابس أنيقة ومشط شعره وتعطر، ثمّ حضر إلى الحفلة فسمح له نفس حارس القاعة بالدخول.

وهذا مثال بسيط على دور المظهر الخارجي والأناقة والنظافة في نيل إحترام الناس، وهذا مثال لشخص استفاد من خطئه وغير سلوكه فنال إحترام الناس. ونجد في المجتمع سلوكيات كثيرة ينطبق عليها نفس المثال السابق، فبعض الناس يجهلون مبادئ التحضر أو ما يسمى "بالإتيكيت"، والتحضر يجعل الفرد يكتسب شخصية محبوبة ومقبولة لدى الجميع، والإعلامي الناجح ينبغي أن يتقن أساليب الإتيكيت أو التحضر أو العصرنة، فالمذيع التلفزيوني أو مقدم الأخبار ينبغي أن يطل على الجمهور بوجه مشرق، مرتدياً ملابس نظيفة وألواناً ساطعة، فهذا يساعد في نيل احترام الجمهور، وتصوروا معي مذيعاً يطل على جمهوره بملابس النوم، أو يتثاءب أمام المشاهدين، تصوروا كيف يمكن أن تكون ردة فعل الجماهير.

الإعلامي الناجح ينبغي أن يصنف نفسه من أي نوع هو؛ صحيح أنّ هناك أثراً للبيئة والوراثة وعوامل طبيعية أخرى قد تجعل الإعلامي غير مقبول الشكل، لكن ليس بالضرورة أن يتمتع الإعلامي بجمال خارق، حتى ينال إعجاب الجمهور، ولن ينال الإعلامي إعجاب جمهوره إلّا إذا كان منضبطاً في العناية بنفسه وبصحته وبنظافته الشخصية، وهذه الأمور تساعده في نيل احترام الجميع، فينال احترام مدرائه وزملائه في العمل وينال احترام المشاهدين أو المتلقين حسب وظيفته التي يؤديها. كما أنّه ليس من المعقول أن يقابل إعلامي شخصية مرموقة أو رئيساً للوزراء بملابس قديمة بالية. من جهة أخرى ينبغي للإعلامي أن يصيغ نفسه على النحو الذي يعجب غيره.. ولا بأس في أن يسأل أصحابه ورفقاءه عن مظهره. وينبغي أن يختار لنفسه ملابس لائقة تتماشى مع وظيفته كمسؤول عن إرشاد وتوجيه المجتمع، والإعلامي الناجح هو الذي يستطيع أن يجعل الطبيعة تساعده، ويستطيع إمتلاك الصفات الفاضلة الحسنة. فالمظهر الخارجي يلعب دوراً حاسماً في الحكم على الأشخاص خاصة في المرّة الأولى.

لنأخذ كمثال والذي يبدو أنّه الأنسب في موضوع الأناقة والمظهر الشخصي، ويتعلق الأمر بشخصية شعبية معروفة وهو البطل الأكثر شعبية في مجال السينما يدعى "جيمس بوند" الذي يتمتع بقوة الجاذبية والذكاء وهو عميل سري بريطاني، فبالإضافة إلى إعتنائه الفائق الدقة بمظهره الخارجي يتميّز بإحاطته بآخر المستجدات العلمية في أداء عمله. إنّ "جيمس بوند" لم يكن ليصبح نجماً عالمياً فريداً لولا الذوق الرفيع في إختيار الملابس الأنيقة والعناية بمظهره وطلته المشرقة. تلك الطلة المشرقة جعلت العديد من الممثلين يتسابقون للعب أدوار هذه الشخصية، فقد كانت أناقته تلفت الأنظار رغم أن ملابسه كلاسيكية لا تتعدى أن تكون قميصاً وبنطلوناً وجاكيتاً، وقد تهافت الناس على تقليده وأصبح العديد منهم يلبسون الملابس الكلاسيكية الغامقة المعتمدة على الطقم الرسمي على غرار "جيمس بوند"، بل تخصصت بعض محلات الملابس في صناعة ملابس شبيهة بملابس "جيمس بوند"، وهذا مجرد مثال على دور الأناقة والعناية بالرونق الشخصي في نيل محبة الناس.

والإعلامي الناجح ينبغي أن يعطي هذا الجانب أهمية كبيرة بالإضافة إلى الجانب السلوكي حتى تكتمل الصورة المثالية له كإعلامي، إنّ الأمر لا يتطلب سوى إرادة وإصرار ومثابرة وتعوّد على العناية بالمظهر الشخصي إلى جانب الإعتناء بالسلوك السوي العصري المتحضر، وينبغي الإعتناء أيضاً بالصحة والنظافة فهما ركنان أساسيان للمظهر الجميل، وللعناية بصحتك ونظافتك وأناقتك ما عليك سوى اتباع النصائح التالية:

- خذ وقتك الكافي من النوم والراحة.

- الرياضة عنصر هام للصحة، خصص ثلاثة أوقات أسبوعياً لممارسة الرياضة.

- أكثر من شرب الماء والفاكهة والعصائر من أجل نظارة وجهك.

- اجعل الاستحمام عادة يومية لتجديد نشاطك.

- الوجه والشعر والأسنان عناصر مهمة يحتاجان منك إلى عناية خاصة.

- اتزن في مشيتك وكن واثقاً من نفسك.

- الملابس تعكس شخصية صاحبها وتحتاج منك إلى عناية خاصة.

- تعرف على معاني الألوان فالألوان تبرز طبيعة نفسية صاحبها ونظرته للحياة.

- استعن بفنيين في مجال التجميل لإبراز محاسنك ومميزاتك الجسمية واستشرهم في إختيار ملابسك.

- لا تستخدم ملابسك للفت نظر الآخرين.

- لا تضحك بصوت مرتفع أمام زملائك.

 

* إستخدم الإتيكيت:

"الإتيكيت" هو فن من فنون التعامل والتواصل مع الغير، وينبغي على الإعلامي أن يتحلى "بالإتيكيت" سواء مع مدرائه وزملائه في العمل أو مع جمهوره، والإتيكيت مفيد في العلاقات العامة، وإتقان قواعد وآدابه يساعد الإعلامي في جميع المجالات؛ ويشمل هذا الفن آداب الحديث، وآداب الجلوس على المائدة، وطرق التعامل مع الآخرين في اللقاءات والحفلات والمناسبات. والإعلامي الناجح هو الذي يستطيع أن يعرف أصول السلوك الخاصة بكل مجتمع، فلكل مجتمع عاداته وتقاليده وقواعده، وإحترام الإعلامي للتقاليد والعادات دليل على ثقافته وتحضره، ودليل على حسن إستخدامه للباقة والمجاملة والدبلوماسية. وكلمة (إتيكيت) لفظة فرنسية تعني ملصقاً على وعاء أو كتاباً يدل على محتوياته أو معلومات عن صاحبه، ثمّ أطلق هذا الإسم على بطاقات الدعوة في القصور الملكية الفرنسية للتقيد بالتعليمات الواجب اتباعها عند مقابلة الملك وكبار الشخصيات، وفي الحفلات الرسمية، وتدل الكلمة على الآداب الإجتماعية وقواعد السلوك التي وضعها ملوك أوروبا بأدق تفاصيلها، وهناك قصة تحكي أنّ الملك لويس الثالث عشر زار أحد وزرائه ويدعى (ريشيليو) الذي كان يعاني من مرض ألم به وكان مستلقياً على سريره، فدخل عليه الملك فكان الموقف محرجاً، إذ إنّ قواعد الإيتيكيت تقضي عدم بقاء الوزير مستلقياً في حضرة الملك، وحدث أمر غريب فقد استلقى الملك بجانب وزيره وأزال بذلك حرج الموقف.

وينبغي على الإعلامي أن يعرف قواعد الضيافة، فالإنسان بشكل عام إجتماعي بالفطرة، وتتجلّى مظاهر هذه الفطرة في العلاقات الإجتماعية والتي تدخل الضيافة في أهم مقوماتها. والإعلامي الناجح هو الذي يعطي للضيف مكانة عظيمة، ويجود على ضيفه بالمديح والكرم، فالبخل من الصفات غير المرغوبة في أصول الضيافة، ومن أبسط أمور الضيافة الإبتسامة واللطف ورشاقة الحركة، كذلك يجب إحترام الوقت والحضور قبل الموعد، فلا يعقل أن يدعو الإعلامي شخصية مرموقة لإجراء مقابلة صحفية مثلاً ثمّ يأتي بعد حضور الضيف بربع ساعة.

والإعلامي الناجح هو الذي يستطيع اتقان قواعد وآداب الحديث، وأن يتمكن من تفاصيل الكلام العديدة، فعليه أن يتجنب الحديث عن نفسه أو عن الآخرين. وعليه أن يفسح المجال لضيوفه بالتعبير عن رأيهم ويمنحهم الفرصة للمشاركة في الحديث، وعليه أيضاً أن يتأدب في الإصغاء، فلا يقاطع المتحدث أثناء حديثه بل ينتظر حتى يكمل كلامه كي لا تتشتت أفكاره، وأن يتجنب الإستغراب أثناء حديث الآخرين. ومن الأفضل أن يحدث ضيوفه بأمور يرتاحون لسماعها، فلا يغضب أمامهم أو يتصرف تصرفاً غير لائق في حضورهم؛ فالإبتسامة أمر أساسي في فن الإتيكيت، وعليه أن لا يكثر من النظر إلى ساعته حتى لا يشعر الضيوف بثقلهم. ومع ذلك فعلى الإعلامي أن يهتم إهتماماً كبيراً بقواعد السلوك لكل مجتمع، فمثلاً إذا أجرى مقابلة مع أحد الأشخاص من أوروبا فينبغي أن يعلم أنّ هناك قواعد خاصة بالأوروبيين كرفع القبعة للتحية، بينما في وسط الصين مثلاً يتم الأنحاء قليلاً للتحية. ومن آداب الطعام والجلوس على المائدة في أوروبا أيضاً عدم إصدار الشخص أصواتاً عند المضغ، بينما في الإسكيمو فإن من آداب الطعام التذوق بصوت عالٍ واستسماغة الطعام والتلذذ به. وفي بعض المجتمعات هناك أمور غريبة تستخدم في المجاملات؛ فمثلاً في إقليم "التيبت" فإن حسن السلوك يقتضي مجاملة خاصة وهي مد اللسان عند مغادرة الضيف، والمقصود بهذه المجاملة إبداء إعجابهم بزيارة الضيف وحديثة. ومن الأمور الغريبة أيضاً في إفريقيا أنهم يسألون عن صحة الزائر بعبارة "كيف التعرق؟" ومرجع ذلك أن أفريقيا معروفة بكثرة أمراض الحمى، والمعروف أنّ المصاب بالحمى يصاب بجفاف الجسم، والتعرق دليل على عدم جفاف الجسم بمعنى أنّ الضيف بصحة جيِّدة. وفي مجتمعات أخرى في الشرق الأقصى يأكلون بصمت رهيب ويعتبرون أنّ الكلام على مائدة الطعام شيء مقزز وغير مهذب. بينما نجد في مجتمعات أخرى أنّ الكلام على المائدة من السلوكيات المرغوبة. كما أنّ هناك قواعد للتحية خاصة بكل مجتمع، ففي الخليج مثلاً وخاصة عند البدو يعتبر السلام بالأنف أمر لائق ومرغوب، في حين نجد عند بعض الشعوب أن تقبيل الوجنتين والرأس هو الشائع، وشعب الإسكيمو يتبادل التحية بحك الأنف، وفي بعض الدول الأخرى يعد تقبيل اليد أمراً هاماً للدلالة على الاحترام؛ وعلى الإعلامي وخاصة إذا كان مراسلاً أو موفداً أو مبعوثاً إعلامياً إلى أحد المجتمعات أن يطلع على عادات وتقاليد وثقافة المجتمع الذي يعمل فيه ليفهم أصول التعامل مع الناس.

كما ينبغي على الإعلامي أن يجيد قواعد التعامل مع الجنس اللطيف، ففي المجتمعات المتحضرة تعطى الأولوية للمرأة قبل الرجل في السير والخروج والدخول والحديث والضيافة والطعام، ودلالة ذلك أنّ المرأة مخلوق ناعم ولطيف، رغم ذلك فإن لكل مجتمع خصوصيته، أمّا في بعض المجتمعات النامية فإنّ المرأة تتبع الرجل وتمشي خلفه باعتبارها بحاجة إلى حماية الرجل ورعايته.

 

* إستخدم فنون التعامل مع الآخرين:

يختلف الناس في طبائعهم، والإعلامي الناجح هو الذي يستطيع التعامل بذكاء مع مختلف طبائع الناس، فيجب على الإعلامي أن يكون على دراية بالأشخاص ذوي المراس الصعب، وينقسم هؤلاء إلى صنفين: صنف عدواني وصنف مكبوت.

الصنف العدواني: يتميّز هؤلاء الأشخاص بالثورية، والثوري هو شخص بذيء يستخدم المناورة والتلاعب والخداع، كثير الصراخ سريع الغضب، يتميّز بقلة الصبر، يشكك في كلّ شيء، يستخدم أسلوب التهديد. كما أنّ الصنف العدواني متفجر لا يمكن السيطرة عليه، حساس إذا تعرض للنقد، ويجب على الإعلامي أن يعرف كيف يتعامل مع شخص من هذا النوع باتباع الخطوات التالية:

- امنحهم الوقت الكافي للهدوء.

- اقطع اتجاهه السلبي كأن تسقط شيئاً على الأرض.

- شتت أفكاره بإحدى الطرق كأن تنادي شخصاً آخر مثلاً.

- كن واثقاً من نفسك ولا تظهر الرهبة والخوف منه.

- أجبره على الجلوس إذا أمكن ذلك.

- لا تدخل في نقاش حاد معه ولا تجادله.

- اطلب وده وشاركه الرأي.

وهناك فئة أخرى من الأشخاص العدوانيين يتميزون بكثرة إلقاء اللوم ويكثرون من الشكاوى، ويتحدثون بسلبية كبيرة، ويعتقدون أن كلّ ما حولهم خطأ وأنهم هم الوحيدون الذين يعرفون الصواب، وعادة ما يسعون لتصيد الأخطاء في كلّ الأمور؛ إنّهم كثيرو التهكم ويتفاعلون بسلبية، وللتعامل مع شخص من هذا النوع ينبغي على الإعلامي اتباع الخطوات التالية:

- استمع إليه باهتمام بالغ.

- لا تدخل معه في جدال.

- اقطع سلوكه السلبي بالتركيز على أشياء يمكن تنفيذها على أرض الواقع.

أمّا صنف الكبت أو القمع فهذا النوع ينقسم إلى أنواع أيضاً فمنهم الظريف ومنهم القاتل الصامت ومنهم المتعالم ومنهم البالون، وأمّا الظريف فهو في العادة شخص يتمتع بروح اللطف والمرح، يحب أن يكسب حب وقبول كلّ من حوله، وهو شخص يميل إلى الإتفاق في الرأي في جميع الأمور، لأنّه حريص على ألّا يفقد صداقة الآخرين، حريص على إخفاء مشاعره، كثير الإعتذار والتأسف، وعلى الإعلامي أن يتعامل مع هذا النوع من الأشخاص بتشجيعه على إبداء رأيه الحقيقي، وإقناعه بالبوح بأحاسيسه الحقيقية. أمّا القاتل الصمت فهو شخص ليس لديه أي شعور بقيمة نفسه، بل إنّه لا يعطي أي قيمة لرأيه وأفكاره وهو غالباً ما يورط نفسه في متاعب ومشاكل نتيجة اللامبالاة التي تسيطر عليه، وينبغي على الإعلامي أن يتعامل مع هذا النوع من الأشخاص بأن يجعله يشعر بأنّ التصرف معه سيكون إيجابياً مهما كان الأمر، كما ينبغي تشجيعه على الحديث وإبداء رأيه بحرِّية والتجاوب معه، وإعطاء قيمة وتقدير لما يقول، والإهتمام بأدق تفاصيل حديثه، كما يجب على الإعلامي أن يمدحه وأن لا يقاطعه. أمّا الشخص المتعالم فهو عادة ما يكون مثقفاً نشيطاً وفعالاً ويتميّز بالقوة، لكنه يعتقد أنّه عارف بكل شيء وأن رأيه هو الأفضل، ويشعر أحياناً بالمثالية، وينظر إلى آراء ومقترحات الغير على أنها لا تمت للصحة بصلة، وأن كلام الغير ليس سوى هراء. وسلبيته هذه تجعله دائماً يظن أن رأيه مثالي ويدافع عنه ويحاول تبريره بلوم الآخرين. وعلى الإعلامي أن يتعامل مع هذا النوع من الأشخاص بتفادي الإصطدام معه والإستماع إليه بعناية وإهتمام، والأفضل أن يشرح وجهة النظر له، وإذا استمر في لومه فعلى الإعلامي أن يصل معه إلى حل وسط دون الإتفاق معه فالهدف في النهاية هو كسبه. والنوع الآخر من الأشخاص وهم الأشخاص البالون وهؤلاء يعتقدون أنّهم خبراء وعالمون بكل صغيرة وكبيرة في الحياة في حين أنهم يعيشون في أوهام، وهدفهم الوحيد هو أن ينالوا إعجاب الآخرين وتمتلكهم ملكة حب الظهور في أمور ليست من إختصاصهم. وهم يسعون إلى هدفهم حتى لو اضطروا إلى الكذب والتلفيق. وعلى الإعلامي أن يتعامل مع هذا النوع من الأشخاص بتوضيح الواقع لهم، ودحض أفكارهم بالدلائل والبراهين، ومنحهم الوقت والفرص الكافية للتغلب على عقدتهم.►

 

المصدر: كتاب كيف تحقق النجاح في المجال الإعلامي

ارسال التعليق

Top