• ١٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

كيفية التعامل مع فوضوية الطفل

كيفية التعامل مع فوضوية الطفل

  تقف كثير من الأُمّهات حائرات أمام حالة الفوضى التي تنشر في شتى أنحاء البيت والتي تدفعها في أغلب الأحيان إلى حافة الانهيار (والتي تتكلل في الغالب بالبكاء) والشعور بالإرهاق؛ فهي للتو قد فرغت من ترتيب المكان وجمع الألعاب والأشياء التي بعثرها الأولاد؛ لكنها مضطرة الآن لإعادة الكرّة مرة أخرى وترتيب البيت من جديد.

لقد أتعبها هؤلاء الصبيان فهم أشبه ما يكونون بالشاحنات الصغيرة التي تسير على الطرق الرملية والتي تثير خلفها العواصف الرملية وسحب الغبار أينما توجهت.. إنّهم حقاً فوضويون لا يحبون الترتيب والتنسيق إطلاقاً بل يجدون لذة كبيرة في ترك المكان مقلوباً رأساً على عقب وفي فترة قياسية جداً.

والأسوأ من ذلك أن يكون الصبي الفوضوي يتعمد الفوضى بشكل استفزازي، خاصة وأنّه قد وضع يده على نقطة ضعف أُمّه أو أبيه فيقوم بمعاقبتهما بهذا الشكل؛ ورغم كلّ المحاولات التي يبذلها هذان الأبوان المسكينان فهو يتعمد عدم إطاعة أي أمر حتى لو كان بسيطاً، وقد يضاف إلى ذلك حالة الغرور التي تدفعه إلى عدم إتقان واجباته فيؤديها باستهتار مستمر، رغم أنّه يتعرض للعقاب على تلك الأفعال التي لا يمكن التغاضي عنها أو إهمالها. خاصة لو كان الطفل كبير إخوته بحيث يعتبره الأبوان قدوة لهؤلاء الإخوة.

 

تحوُّل مفاجئ:

كثيراً ما نتجاهل مشاعر أو دوافع أبنائنا في تصرفاتهم المختلفة وتقلبات أجسامهم وأمزجتهم؛ فهم مثلنا – نحن الكبار – يتعرضون لفترات توتر أو حزن أو حيرة، وتكون فترة العاشرة تقريباً – في الغالب – فترة الشكوى من الأبناء.. لماذا؟

السبب؛ لأنّنا نكون قد اعتدنا على أبنائنا – منذ طفولتهم – مسالمين؛ نفرح لحركاتهم وضحكاتهم، ثم فجأة نريدهم أن يتصرفوا كالناضجين تماماً بعد أن فاجأنا نموهم الجسمي السريع الذي حدث كالبرق الخاطف وبدد حالة النشوة التي كانت تغمرنا في فترة طفولتهم.

إنّ المرحلة العمرية التي ينتقل فيها الطفل من مرحلة الطفولة إلى مرحلة اليفاعَة تعتبر بداية الانتباه إلى فكرة المراهقة وتداعياتها، ويبدأ الأولاد فيها بسماع قصص ومعلومات عن المراهقة أكثرها خاطئ – بالطبع – ومقلق، ويتصرف أطفالنا حيالها بشكل خاطئ، كما أنّ الأولاد في هذه السن يرغبون في إثبات شخصياتهم ووجودهم، والتأكيد على أنّهم أصبحوا أكبر مما نعتقد. وكلّ هذا يحدث في وقت واحد وفي هذه السن بالتحديد، ولأنّنا ما زلنا ننظر إليهم كأطفال – أو نتمنى أن تطول طفولتهم – فلا نلاحظ ما يمرون به من تغيير أو نتغافل عنه – في بعض الأحيان، فنتجاهل إعدادهم للتعايش مع مرحلة النضج هذه، وإعداد أنفسنا للتعامل معهم بطريقة جديدة تتناسب مع دخولهم في هذه المرحلة.

إنّ أهم ما في الأمر هو أن يدرك الأبوان بأنّ كثيراً من تصرفات الأولاد في هذه المرحلة العمرية الانتقالية هي طبيعية جداً إلّا أن تكون الحالة مفرطة جداً ومتجاوزة لحدود المعقول وبالتالي فهي حالة مرضية تحتاج إلى علاج أكيد.. لكن وبشكل عام فإنّ هناك عدة مقترحات لتقويم سلوك الطفل الفوضوي في هذه المرحلة العمرية. وبالتالي يمكن للوالدين في حال أظهرا تفهماً حقيقياً لنفسية طفلها أن يحلا الكثير من مشاكله ويدركا طبيعة متطلباته.

 

محطات مهمة:

هناك عدة أمور يجب على الوالدين أن يلحظاها لحل مشاكل طفلهما في هذه المرحلة العمرية، وهي:

1- لابدّ أن يكفّا بداية عن موضوع "أوامري وقوانيني وأنظمتي في المنزل تنفذ ولا تناقش"، بل ليقل كلّ واحد منهما لنفسه كلما صادفا إزعاجاً من ولدهما: "عليَّ أن أتعامل بسعة وهدوء وتفهم أكثر"؛ ويقول أحد الخبراء في هذا المجال: "إنّ عصيان الأوامر عامة مصدره الرغبة في إثبات الوجود، وانصراف الاهتمامات الذهنية والجسدية للابن بشؤون أخرى مختلفة تماماً عما يفكر به الوالدان من الالتزام بالنظافة، وترتيب السرير، وتنظيف الأسنان قبل النوم... إلخ من قوانين البيت اليومية، حيث تصبح هماً وعبئاً على الأولاد والشغل الشاغل للوالدين، خاصة عندما يبدأ الطفل في العصيان ويصرح بإهماله وفوضويته تذمراً على الأوامر بأشياء ليست في أولويته، حتى أنّ الأب والأُم لا يكاد أحدهما يتحدث مع ولده في أي موضوع آخر سوى الأوامر والنواهي والقوانين"!!.

ولابدّ من التذكير هنا بأنّ إصدار العقوبات بين الفينة والأخرى تضر كثيراً إذ إنّ المعاقبة المتكررة تفقد العقاب أهميته، خاصة إذا كان في غير مكانه وبطريقة غير تربوية.

2- على الأبوين أن ينظرا إلى ابنهما اليافع كرجل وكما ينظر هو إلى نفسه، وبهذا الخصوص يؤكد خبراء العلاقات الاجتماعية على: "ضرورة أن يعامل الأبوان ابنهما اليافع معاملة الرجال؛ فيتقربا منه، ويسمحا له بما يؤكد تفهمهما له واحترامهما لنموه؛ فيحاولا إشراكه في سهراتهما العائلية، وأخذه معهم إلى المطعم والجلوس معه وحده لإعطائه الأهمية والاستماع لما يزعجه ويقلقه، فقد يكون يواجه ضغطاً في المدرسة من زملائه، أو يكون قد تعرف على زميل يحدثه عن مخاوف وقلق سن المراهقة أو أيّة قصص أخرى تسهم في ازدياد توتره وقلقه، وربما هناك مشكلة مع أستاذ أو جيران...

أو غيرها من المشاكل الأخرى التي قد يواجهها".

3- كما يجب على الأبوين أن يحسنا الاستماع إلى ابنهما اليافع حتى النهاية، وأن يعترفا بمشاعره، ويحاولا التخفيف عنه ومشاركته وعدم السخرية منه أو فضح أسراره أو توجيه الانتقاد له، مهما كانت المشكلة حساسة وتمس مشاعر الأبوين.

4- على الأبوين أن يتوقفا عن اعتباره قدوة لإخوته فهذا يشكل ضغطاً نفسياً عليه، فهو لا يزال طفلاً مثلهم، ومن حقّه أن ينال الحنان، والضحك، والضم، واللعب مثلهم تماماً، وقد يكون مصدر غروره زرع موضوع القدوة فيه، وهو في سن غير مناسبة، وهو ما يسبِّب له توتراً من جهة وغروراً من جهة أخرى؛ لأنّه الأكبر وعلى إخوته أن يقلدوه.

5- على الأبوين أن يتعاملا مع الطفل في تلك المرحلة العمرية بصداقة، وأن يحترما مشاعره ولا يستفزاه، بل يتعاملا معه بهدوء وتسامح إلى حد كبير – طبعاً في حدود المعقول –، وأن يساويا بينه وبين إخوانه في النظرة والحنان وطريقة التعامل؛ فقد يكون كلّ ما يقوم به بدافع الغيرة من إخوته، والاهتمام بهم أكثر منه؛ لأنّهم أكثر هدوءاً وذكاء ونظافة... إلخ، وأن يتوقفا عن مقارنته بأحد.

6- لابدّ من دوام السؤال عنه في المدرسة وتشجيعه، وتقديم الهدايا له كمكافآت، وتسجيله في أحد النوادي الرياضية الترفيهية أو الدورات الثقافية الدينية الترفيهية التي تقيمها المساجد والحسينيات – والتي أصبحت ظاهرة صحّية هذه الأيام – وتشجيعه على حفظ القرآن الكريم والنشاطات المختلفة التي تساعده على التعبير عن ذاته ومشاعره.

7- على الأب أن يتحدث مع ابنه اليافع بصراحة عن فترة المراهقة، وليفتح له صدره ليسأل ما يريد، ويقول أحد الخبراء في هذا المجال: "إنّ الأب سيتفاجأ عندما يعرف بأنّ لدى ابنه المراهق أسئلة كثيرة لا تخطر على باله أو بال والدته تملأ دماغه، فعليهما القيام بتوفير الراحة النفسية والذهنية له بالإجابة على أسئلته وتوضيحها، مهما كانت حسّاسة وبكلّ منطقية وبعيداً عن التخويف أو التهويل أو الخطأ، حتى لو اضطرا إلى اللجوء إلى مختص بهذا الشأن".

 

ملاحظة أخيرة:

لابدّ من تذكير الوالدين في الختام بأنّ الأولاد يتفاوتون في اهتماماتهم وقدراتهم العقلية، ومنهم مَن يتقن واجباته وأعماله بذكاء، ومنهم مَن لا تلفت نظره أصلاً هذه الأمور، فعليهما ألا يعتقدا أنّ أبناءهما يجب أن يكونا مثلهما تماماً، وأن لا ينسيا أنّهما كانا مثلهم يوماً ما، ولم يصبحا مربين ومسؤولين إلّا عندما كبرا ونضجا.

 

الكاتب: السيد أحمد باقر

المصدر: كتاب فنُّ تربية الطفل

ارسال التعليق

Top