• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

لغة التعاون

د. أندرو نيو بيرغ ومارك روبرت والدمان

لغة التعاون
 لو كنّا مخلوقات أنانية ومنعزلة بالكامل، لكانت حاجتنا إلى التواصل ضئيلة جداً. سنقوم فقط بما نريد أن نقوم به، في الوقت الذي نشاء. ولكن إذا كان سلوك جميع الكائنات الحية على هذا المنوال، فإنّ التنافس على الأصناف النادرة – مثل الطعام، أو الماء، أو الشريك – سيتحوّل على الفور إلى نزاع عنيف. وبالتالي، فقد عيّن علماء الأحياء (البيولوجيون)، في كامل أنحاء العالم الطبيعي- آلافاً من استراتيجيات العلاقات المتبادلة المصمَّمة للحفاظ على السلام. يمكن اختصار هذه الاستراتيجيات بكلمتَين: التواصل التعاوني. من أجل البقاء، لا بدّ من وجود توازن بين حجم ما نأخذه، وحجم ما نتشارك به، وحجم ما نعطيه للآخرين الذين لا يستطيعون إعالة أنفسهم. ولكن يبقى السؤال: هل يميل البشر لأن يكونوا أكثر أنانيةً أو تعاوناً؟ وأكثر طمعاً أو كرماً؟ عندما بدأنا بتطوير كتاب الكلمات وتأثيرها على العقل، كنّا ميّالَين إلى الاعتقاد بكون البشر أنانيين جوهرياً. والواقع أنّ أحد مؤلَّفاتنا المبكرة كان الدماغ الأناني The Selfish Brain، الذي أعدنا فيه صياغة المؤلَّف الكلاسيكي الجين الأناني The Selfish Gene لريتشارد دوكينز. هناك ما يكفي من الدليل لدعم حجّة الأنانية، ولكنّ الأبحاث الممتدّة لسنوات أقنعتنا أنّ العكس هو الصحيح. إنّ الحرّية لنكون أنانيين بصورة تامّة تُعطَى لنا فقط كأطفالٍ رضّع. تكون أدمغتنا عند الولادة غير نامية إلى حدّ كبير بحيث يجب علينا أن نعتمد على مقدِّمي الرعاية لتزويدنا بكلّ احتياجاتنا. مع ذلك، فإنّ أنانيتنا لن تستمرّ طويلاً. فما إن نصبح قادرين على الاهتمام بأنفسنا، حتى يطالبنا أفراد عائلتنا بالمبادلة بالمثل. علينا أن نتعلّم إشراك أشقّائنا وأصدقائنا في ألعابنا، وعلينا أن نقوم بأعمال منزلية روتينية لوالدَينا، وعلينا أيضاً أن نحدّ من دوافعنا الأنانية عندما ندخل إلى المدرسة. وإذا لم نفعل، نُعاقَب. نحن نُطرَد إلى غرفتنا، أو إلى زاوية حجرة الدراسة، أو نُحرَم من الاتصال الاجتماعي، وهذه الرسالة المؤلمة توضِّح لنا أنّ الأنانية نادراً ما تُحتمَل في ميدان الحياة الاجتماعية. مع ذلك، يبقى هناك صراعٌ داخلي. إذا اضطررنا أن نشرِك الآخرين في شيء ذي قيمة لنا، تبرز الكثير من الأسئلة. على سبيل المثال، ما حجم المشاركة المفروضة علينا، وإلى متى؟ يطرح هذا أسئلة أخرى تتعلق بدرجات الإنصاف والكرم، ولكن ليست هناك إجابات واضحة بما يكفي لإرشادنا. بما أنّ كلّ حالة تختلف عن غيرها، وتشتمل على أناس مختلفين ذوي أفكار مختلفة في ما يتعلق بهذه القَيِم، فإنّ علينا أن نلتفت إلى كلماتنا ونتفاوض للوصول إلى اتّفاق. وإذا فشلنا في إيجاد حلّ يرضي الطرفَين، فإنّ الشخص الآخر لن يتعاون معنا. الأمر صحيح أيضاً بالنسبة إلى العمل. لن يوظّفنا أحد ويعطينا المال ما لم نُعطِه شيئاً ذا قيمة في المقابل. ليست هناك لغة للأنانية. ليس هناك تبادل للملكية أو الكلمات، لأننا ببساطة نأخذ ما نريد من دون سؤال. ولكنّ الإنصاف يتطلّب تعاوناً، والتعاون يعتمد كلّياً على مجموعة مؤتلفة من الحوار، والمقايضة، والتسوية، والتغيُّر السلوكي. هذه هي العناصر الأساسية التي تمّت دراستها في حقلَين جديدَين من حقول الأبحاث: علم الاقتصاد العصبي وعلم الأعصاب الاجتماعي. بإجراء مسح دماغ للناس خلال انهماكهم في تنوُّع من التبادل الكلامي الماليّ، اكتشفنا حقيقة جوهرية بشأن الطبيعة البشرية: في الحالات الاجتماعية، نحن نكافئ الناس المحبِّين للمساعدة بلطف وكرم ونعاقب أولئك الأنانيين، حتى لو كان العقاب يعود علينا بشيء من الضرر. وكلّما رأينا الناس يتصرّفون بطرق مُنصفة وتعاونية ولطيفة أكثر، كنّا أكثر استعداداً لتشكيل علاقات صداقة طويلة الأمد معهم.   - هل جميع الكائنات الحية تتواصل وتتعاون؟ ليس البشر وحيدين في التواصل التعاوني بعضهم مع بعض على هذا الكوكب. وفقاً للبيولوجي جويل ساتشز، في جامعة كاليفورنيا، فإنّ التعاون "يعمّ كلّ مستويات المنظّّمة البيولوجية". فحتى البكتيرية الأكثر بدائيةً تُظهر سلوكاً اجتماعياً مدهشاً تحكمه أشكالٌ محدّدة من التواصل الكيميائي. والواقع أنّ بإمكان النباتات أن تتواصل بعضها مع بعض بطرق تشبه تلك للبشر على نحو لافت. تتواصل أشجار الحور، والبندورة، وفاصوليا ليما في ما بينهاً – عبر الهواء وعبر جذورها – ويمكنها حتى أن تتواصل مع أنواع مختلفة من النباتات، والحيوانات، والكائنات المجهرية. مثل البشر، تستخدم النباتات استراتيجيات التواصل خاصّتها لتتعاون بعضها مع بعض ولحماية نفسها من الأعداء. على سبيل المثال، يمكن فعلياً لبعض النباتات أن "تصرخ طالبةً النجدة" عندما يتمّ أكلها من قِبَل حيوان عاشب، ويمكن لصيحاتها أن تجذب حيوانات لاحمة. ويبدو حتى أنّ بعض النباتات تملك القدرة على "الاستماع"، بينما تبدو نباتات أخرى صمّاء. لا تستخدم النباتات الكلمات، ولكنها تملك بالفعل مُستقبلات إشارية وممّرات مشابهة لشبكات التواصل الحادثة في الدماغ البَشري. للنباتات أيضاً شكلها الخاص من الكلام الداخلي. على سبيل المثال، يمكن لبعض النباتات استعمال شبكاتها الوعائية لإرسال إشارات هرمونية لأجزاء أخرى من النبتة. يطلق علماء الأحياء على هذه العملية اسم "تواصل النبات البينيّ (او الضمني)"، ولكن بالنسبة إلينا، فإنّ هذه العملية تذكّرنا بأنّ التواصل يحدث عبر مستويات عديدة غير لفظية؛ ليس فقط في النباتات، بل أيضاً في البشر. اقترح جيمس لافلوك في كتابه، غايا Gaia، أنّ الأرض بأكملها تمثّل كائناً حياً بنظام تواصل خاصّ يعمل لإحداث كائن حيّ تكاملي تعاوني في جميع أنحاء الأرض. ومع ذلك، وخلافاً للنباتات ومعظم الكائنات الحية الأخرى على الأرض، بإمكاننا نحن فقط، كبشر، أن نخنار بوعي زيادة مستوياتنا من التواصل بتغيير الطريقة التي نتواصل بها مع الآخرين.   - التعاون البشري والتجاوب (الرنين) العصبي: باختصاره إلى أساسياته، يشتمل التواصل على النقل الدقيق للمعلومات من دماغ إلى آخر. نحن نقوم بهذا من خلال عملية التجاوب العصبي، ويحدث التعاون كلّما استطعنا أن نحاكي أكثر النشاط العصبي في دماغ الشخص الآخر. إذا راقبنا بتمعُّن وجه الشخص، وإيماءاته، ونبرة صوته، سيبدأ دماغنا بالتراصف مع دماغه، وهذا يتيح لنا أن نعرف بصورة أتمّ ما يفكّر، ويشعر، ويعتقد به الشخص الآخر. أوضح الباحثون في مختبر الدماغ الاجتماعي في هولندا هذه النقطة بجعل أزواج يلعبون لعبة التمثيلية التحزيرية (لعبة تُمثَّل فيها معاني الكلمات). وُصِل أحد الشريكَين بماسح Fmri، وظهرت كلمة على شاشة. قام هذا الشريك بإيماءات يدوية لشرح الكلمة، وصُوِّر فيلم يعرض الإيماءات. ثمّ وُصِل الشريك الآخر بالماسح، وشاهد الفيلم، وحاول أن يخمّن ما كانت الكلمة. والنتيجة؟ عندما كان الشخص الآخر ينجح في تخمين الكلمة، كانت مناطق مماثلة في دماغَي المرسِل والمتلقّي تُحفَّز، خصوصاً في المناطق المرتبطة بمعرفة اللغة والكلام. يخبرنا هذا عدّة أشياء هامّة: أنّ الكلمات يمكن أن تُنقَل من خلال إيماءات محدَّدة، وأنّ الإيماءة والكلمة على حدّ سواء تحفِّزان مناطق مماثلة في الدماغ ترتبط باستيعاب اللغة. ووفقاً للباحثين في معهد ماكس بلانك للمعرفة البشرية والعلوم الدماغية، فإنّ "الإشارات اليدوية ذات المعنى الرمزي يمكن غالباً أن تُستخدَم بنجاح أكبر لنقل المقصد مقارنةً بالكلمات". الأهمّ ما تؤكّده هذه الدراسة بشأن ما قلناه حول التجاوب العصبي: إذا كنت تريد حقاً أن تفهم ما يقوله الشخص الآخر، عليك أن تستمع إليه بعمق وتراقبه بدقة قدر الإمكان. ومن دون ذلك، لن يحاكي دماغنا النشاط العصبي لدماغ الآخر. إذا كنّا لا نستطيع أن نحفِّز في دماغنا ما يفكّر ويشعر به الشخص الآخر، فلن نكون قادرين على التعاون بعضنا مع بعض. من المفيد أيضاً أن تكون أنظمتنا الاعتقادية متراصفة مع تلك للآخرين لبلوغ تعاون أمثل. إذا لم تكن كذلك، سيكون علينا أن نتحاور بعضنا مع بعض لإيجاد أرضية مشتركة بالاتّفاق على هدف مشترَك متبادَل سيرضي جميع الأطراف قدر الإمكان. وإذا لم نستطع أن نجد أرضية مشتركة، ستنهار عملية التواصل، وسيتلاشى أيّ أملٍ بالتعاون. وكما أظهر الباحثون في جامعة جنيف، عندما يكون هناك تطابق في الأهداف الشخصية، فإنّ الأنظمة الدماغية المرتبطة بالتعاون تُحفَّز. لقد صُمِّم كلّ عنصر من عناصر التواصل التعاطفي لإحداث تجاوب عصبي بين شخصَين أثناء تحادثهما، وإذا دخلتَ محادثةً بنيّة إحداث تبادل كلامي عادل، فستُحفِّز الدوائر التعاونية في دماغك. تُظهر الأبحاث الأحداث أيضاً أنه كلّما حاكيتَ وعكستَ أسلوب التواصل للشخص الآخر، ستزيد التجاوب العصبي بينكما، وسيولِّد هذا المزيد من التعاطف، والتعاون، والثقة. تقترح أبحاثٌ أخرى أنه عندما تضع نفسك في حالة عقلية تعاونية وتعاطفية، فإنّ حالتك العاطفية قد تعمل مثل عدوى اجتماعية، منتشرةً في أنحاء بيتك، ومحيط عملك، وحتى مجتمعك، مثل فيروس. جوهرياً، يمكننا أن نجعل المزيد من الناس ينحازون لقِيَمنا وأهدافنا بنشر الحنوّ بصورة غير لفظية. هناك بالطبع طرق أخرى لضمان التعاون، مثل اللجوء إلى الإكراه، ولكنّ المخاطر المحتملة تكون أعلى، لأنّ الاستياء يتزايد بسرعة إلى النقطة التي سيكون الشخص عندها مستعداً للقيام بتضحيات هائلة بدلاً من الاستسلام للظلم المتواصل. نحن نرى هذا يحدث في جميع أنحاء العالم اليوم، بينما تبدأ المجتمعات المكبوتة في المطالبة بالمساواة، والإنصاف، والعدالة لأولئك الذين يتصرفون بأنانية وطمع لا موجب لهما. في هذه السيناريوهات، يتزايد التنافر العصبي والمعرفي إلى نقطة لا يمكن عندها للشخص أن يبقى مُستكيناً. وحتى التناقضات الصغيرة بين القِيَم الشخصية والأهداف يمكن أن تُضعِف عملية التواصل بإحداث تشوُّش ضمن الدماغ. يعتمد التواصل الفعّال على التجاوب العصبي. وكما أوضح الباحثون في جامعة برينستون في تجربة مسح الدماغ بطريقة تصوير الرنين المغنطيسي الوظيفي (Fmri)، يتلاشى الاقتران العصبي عندما يتواصل المشاركون بشكلٍ شيئ. والواقع أنهم استطاعوا حتى أن يتوقعوا بدرجة نجاح التواصل بمراقبة مدى محاكاة دماغ أحد الشخصَين لدماغ الآخر. اكتشف الباحثون أيضاً أنّ المستمعين الجيدين – أولئك الذين انتبهوا أكثر ما يمكن لما كان يُقال – استطاعوا فعلياً أن يتوقّعوا ما كان المتكلِّم سيقوله قبل لحظة من قوله إياه. ربما هذا هو ما يفعله الوسيط الروحي الحاذق: ينتبه إلى كلّ تفصيل غير لفظي ويستخدم هذه المعلومات لاستنتاج ما يفكّر ويشعر به الشخص. ليس الأمر غريباً. إنه يستخدم فقط الاستراتيجيات التي تشكِّل جزءاً من مقاربة التواصل التعاطفي.   - محاكاة نبرة صوت الآخر: إذا حاكيت الأسلوب اللغوي وشدّة الصوت للمتكلِّم، فإنّ الشخص الآخر – أيّ المتكلِّم – سيجدك أكثر تفهّماً له وانسجاماً معه. وجد الباحثون في جامعة ولاية هاواي أنه "إذا أُريد للأمور أن تمضي على ما يُرام، فإنّ الدورات الكلامية لشركاء العمل، عند تفاعلهم، يجب أن تصبح انسياقية بشكلٍ متبادل". بصورة لا تثير الدهشة، سيُحسِّن هذا الانسياق اللفظي احتمالات نجاحك في البحث عن شريك حياة مناسب. في تجربة اشتملت على مواعيد سريعة – حيث يُسمَح لك بأربع دقائق فقط للتحادث مع شخص قبل أن تُحوِّل إلى شخص آخر تبيّن أنّ أولئك الذين حاكوا الأسلوب اللغوي لبعضهم بعضاً كانوا أكثر احتمالاً بثلاث مرّات لإيجاد شريك في نهاية الحدث. عندما يحب الناس أحدهم الآخر، سيحاكون وقفة، وحركات، وإيماءات بعضهم بعضاً. إنها علامة على شعورهم بأنهم مرتبطون بعضهم مع بعض، وهذه المحاكاة تبني علاقة وئام متبادلة، وتنقل رغبة الشخص في الارتباط والتعاون مع الشخص الآخر. وقد تجعلك حتى تجني المزيد من المال في العمل. على سبيل المثال، عندما حاكى النُّدُل (جمع نادل) طلبات وتعليقات الزبائن، زادوا بقشيشهم بنسبة 50 بالمائة. وبيّنت الأبحاث أيضاً أنّ محاكاة الأسلوب اللغوي سيزيد من فُرَص التوصُّل إلى حلّ سلمي، حتى في الحالات التي تشتمل على نزاعات جدّية وتهديدات محتملة لحياة المرء.   - تدريب دماغك على الاتصال: إذا أردتَ أن تزيد من قدرتك على التجاوب والتعاطف مع أحدهم، استخدم خيالك فقط. عندما يتكلّم أحدهم، تخيَّل أنك هو، وتصوَّر نفسك عقلياً في الوضع الذي يصفه، وأضِفْ قدر ما يمكنك من التفاصيل، كما لو كنت فعلياً هناك. وفقاً للباحثين في جامعة شيكاغو، يتيح هذا الشكل من المحاكاة العقلية لدماغك أن يبني فهماً أفضل للشخص الآخر، ولا يهمّ حتى إن كان تخيُّلك دقيقاً. تنجح هذه الطريقة حتى في الروايات والأفلام، لأنه كلّما استطعتَ أن تتلبّس دور الشخصية أكثر، كان شعورك بالتعاطف والحنوّ أكثر؛ أو بالخوف والاشمئزاز أكثر، وفقاً للدور. وكما يؤكّد أنطونيو داماسيو وفريقه، عندما تتصوّر نفسك بنحوٍ فعّال "مكان الشخص الآخر، متخيِّلاً التجربة الشخصية والعاطفية لأحدهم كما لو كانت تجربتك"، فأنت تستحثّ "الآليّة العصبية للتعاطف الحقيقي". هل يمكننا أن ندرِّب أنفسنا على الشعور بالتعاطف تجاه الجميع؟ نعم، ولكن يبدو أننا نملك آليّة عصبية تمنعنا من التعاطف مع الناس الذي لا نحبّهم أو لا نحترمهم. يبدو أنّ هذا النشاط "المضادّ للعصبونات المرآتية"، كما يسمّيه بعض الباحثين، يُعطِّل نزعة الدماغ الطبيعية لمحاكاة الشخص الآخر. وهكذا، عندما نتفاعل مع شخص يخالف سلوكُه أخلاقيّاتنا ومعتقداتنا، فإنّ دوائر التعاطف تُغلَق في أدمغتنا لضمان عدم تورّطنا في فعلٍ لاأخلاقي مماثل. هناك دليل أيضاً يقترح أنه كلّما كنّا أكثر تعاطفاً، أصبحنا أكثر دقّة في توقع قدرة الشخص الآخر على إظهار سلوك تعاوني. ولكن للتعاطف حدوده. على سبيل المثال، نحن لا نملك القدرة العصبية على تمييز أننا قد أسأنا فهم التلميحات اللفظية والعاطفية لأحدهم. وبالتالي من السهل أن نظنّ أننا قد فهمنا ما يقوله ويعنيه الشخص الآخر، بينما الحقيقة هي أننا لم نفعل. نصيحتنا: لا تفترض أبداً أنك تعرف ما يشعر به الشخص الآخر حقيقةً وما يعنيه. في يوم زواجي (الضمير عائد إلى أندرو، مؤلّف مشارك لهذا الكتاب)، استمرّ رجل الدين في تكرار هذه العبارة على مسامعنا: "لا تفترض أبداً أنك تفهم ما يفكِّر به الشخص الآخر؛ احرص دوماً على أن تسأل وتعرف". بدلاً من مجرّد الافتراض، تحقّق من افتراضاتك بسؤال. على سبيل المثال، قد تقول شيئاً مثل هذا: "جون، إذا كنت أفهمك بشكلٍ صحيح، أعتقد أنك عنيت. هل هذا صحيح؟" إذا لم يوافق الشخص الآخر، فسيقدِّر لك الفرصة التي أعطيتها له لينقل إليك ما عناه فعلاً.   - قوانين التفاعل الاجتماعية: الغضب لا يؤدي أبداً لنتيجة: ما الذي يحدث عندما لا يتعاون الناس، وكيف يستجيب الدماغ عندما يعاملنا أحدهم بشكلٍ غير منصف أو يستغلّ كرمنا؟ نحن نتفاعل بعملية بيولوجية موثّقة جيّداً تُسمَّى العقاب الإيثاري (من كلمة إيثار، وهي ضد الأنانية). ويتبيّن، في الواقع، أنّ الدماغ البشري مصمّم للبدء بالعقاب متى ما انتهك أحدهم عقداً اجتماعياً أو تصرّف بطريقة نعتبرها لا مسؤولة اجتماعياً. لكن هناك مشكلة: لا يقدِّر المنتهكون معاقبة الشخص الآخر لهمن ولا يكونون مدركين غالباً أنهم قد انتهكوا ثقة الشخص الآخر. إذا عنّفتهم، سيشعرون بالاستياء، وسيقلّ احتمال التعاون، وستعرِّض نفسك لخطر الأخذ بالثأر. وإذا لم تقل شيئاً، يستمرّ السلوك الجائر. والواقع أنّه إذا أظهر صوتك أقل قدر من الازدراء أو السخرية، فسيُفسَّر من قِبَل الشخص الآخر بأنّه فِعل عداء. والنتيجة: عدم رضا وعدم استقرار في العلاقة. في العلاقات الشخصية، نادراً ما يؤدّي العقاب لنتيجة، سواء أكان هذا العقاب بشكل غضب، أو انتقاد، أو إبداء رأي. ولكن يبدو أنّ الدماغ يعمل بطريقة فطرية عندما يتعلق الأمر بخيبة الأمل. إذا لم نحصل على ما نريده – على حتى لو كان غير واقعي – يُحفَّز مركز الغضب في دماغنا. وإذا اُحبِطت رغباتنا، وتمّ تأجيل المكافأة التي رجوناها، يُحفَّز مركز الغضب في دماغنا.وإذا كنّا في عجلة من أمرنا، وأحدهم يقود سيارته ببطء أمامنا، نحتدّ بسرعة إذا لم يُفسِح لنا الطريق على الفور لأنه حال دون تحقيق رغباتنا الأنانية. أفضل حلّ نعرفه هو مقادعة السلبية وتوليد فكر تعاطفي لأنفسنا، والوضع، والآخرين. البحث متين: إذا أرسلنا عمداً فكرة طيبة إلى الشخص الذي انتهك حيّزنا الشخصي، فنحن نزيد سيكولوجياً إحساسنا بالاتصالية الاجتماعية ونقوّي الدوائر العصبية للتعاطف والتعاون. في برنامج الديناميكا التطوُّرية في جامعة هارفارد، اكتشف الباحثون أنّ أولئك الذين استخدموا العقاب بالحدّ الأدنى، كانوا أكثر احتمالاً لإحراز المزيد من التعاون من الآخرين، بالإضافة إلى زيادة المنافع الماليّة لأنفسهم. وقد ختموا بحثهم بالعبارة الصريحة بشكلٍ جارح: "الفائزون لا يُعاقِبون... بينما الخاسرون يُعاقِبون ويَفنُون".   - مسرحيّات القوة لا تؤدّي لنتيجة: وفقاً للأمم المتحدة، فإنّ التعاون، وليس القوّة، هو المفتاح لحلّ النزاعات. عدما يحاول فريق أن يفرض أنظمته الاعتقادية وقيَمه على الفريق الآخر، تتصاعد الخلافات. إذا تمّ التوصُّل إلى تسوية خلاف من خلال الإكراه، فإنّ رضا كلا الفريقَين بالنتيجة يكون أقلّ. أظهرت الأبحاث في قسم البيولوجيا العصبية والسلوك في جامعة كورنل أنّ هناك أمراً آخر يمكنك القيام به لتحسين فُرَصك في تشكيل علاقات تعاونية أقوى مع الآخرين، في البيت وفي العمل على حدّ سواء: كن أكثر سماحةً. تُرسِل سماحة النفس رسالة محدّدة إلى دماغ الشخص الآخر، مُخبِرةً إياه أنك لا تضمر أيّ سوء. وهي تُخفِّف من تصاعد الإمكانية لأيّ ردّ غاضب وتفتح الباب لإعادة الدخول في محادثة تعاونية. بتعبير آخر، عندما تكون لطيفاً مع أولئك الفظّين، سيؤدّي لطفك إلى تليين قلوبهم، وتهدئة أدمغتهم الغاضبة. ولهذا، في المرة القادمة التي يندفع فيها أحدهم بسيارته خلفك، ضاغطاً على البوق بأقصى قوّته، ومُلوِّحاً بيديه المُحبطتَين نحوك، أعطِه حقّ الطريق. بفعلك هذا تكون قد أعطيته شيئاً من الاحترام. وربما، في يوم من الأيام، قد يردّ هذا المعروف لشخص آخر. ينطبق الأمر نفسه على الخلافات في مكان العمل. إذا أظهرتَ لرئيس العمل الفظّ بعضاً من الحنوّ الإضافي، فإنّ أمنك الماليّ سيبقى سليماً. اللطف يبني التعاون، والتعاون يبني دماغاً أفضل.   المصدر: كتاب الكلمات وتأثيرها على العقل ) 12 إستراتيجية تحادثية لبناء الثقة، وحلّ الخلافات، وزيادة المودّة(.

ارسال التعليق

Top