• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

ما هي الذبحة الصدرية؟

محمد عبود السعدي

ما هي الذبحة الصدرية؟
◄يصاب الرجال أكثر من النساء بكثير بالذبحة الصدرية، التي غالباً ما تنجم عن اجتماع "الثلاثي االوقح": ارتفاع ضغط الدم، ارتفاع نسبة الكوليسترول السيئ في الدم وارتفاع نسبة السكر فيه. وإن وجد التدخين، فوق تلك العوامل الثلاثة، يصبح احتمال الإصابة أكيداً. الذبحة الصدرية، بالإنجليزية واللاتينية (Angina pectoris)، وبالفرنسية (angine de la poitrine)، حالة شائعة من حالات أمراض القلب، من أهم علاماتها الفارقة أنها، أثناء بذل أي جهد، تسبب آلاماً في الجانب الأيسر من القفص الصدري، تختفي بعد انتهاء الجهد. وذلك يتيح تمييز الذبحة الصدرية عن غيرها من أوجاع القفص الصدري، التي قد تكون عظمية المنشأ (جراء إصابة ما في الأضلاع)، أو روماتيزمية، أو ناجمة عن كدمة، أو عن سوء وضعية النوم، أو أي سبب آخر. وما يتسبب في الذبحة الصدرية هو، ببساطة: نقص تزويد عضلة القلب بكمية كافية من الأوكسجين. ذلك النقص، المسمى طبياً "إقفار" (ischemia)، ينجم بدوره عن انسداد واحد أو أكثر من الشرايين "التاجية"، أو "الإكليلية"، التي تضطلع بوظيفة تغذية عضلة القلب بالدم، الذي ينقل معه الأوكسجين اللازم لنشاط القلب. وحين تحصل حالة "تعصّد" (أو تصلب شرياني، Atheroma) في أحد تلك الشرايين التاجية، بطبيعة الحال، يحصل "إقفار" في وتيرة الدم الواصل إلى عضلة القلب. والـ"تعصّد" كناية عن تراكم أجسام ليفية دهنية في مجرى الشريان، ما يفضي إلى انسداده، كلياً أو جزئياً. لذا، يعدّ "المرض القلبي الإكليلي" (أو التاجي) المسبب المباشر الأول للذبحة الصدرية. وبما أن وجود الكوليسترول السيئ بإفراط في الدم هو السبب الأول في حصول حالات "المرض القلبي الإكليلي"، يضع الأطباء ارتفاع نسبة الكوليسترول السيئ في رأس قائمة العوامل المؤهِّبة للذبحة الصدرية. وإن أصبح التصلب، الناجم عن تراكم حبيبات الكوليسترول، كبيراً لحد التسبب في انسداد فرع بأكمله من فروع الشرايين التاجية، قد يموت جزء عضلة القلب الذي يمدّه ذلك الفرع عادة بالدم. وتلك الحالة، نعني موت خلايا منطقة محددة من عضلة القلب، تدعى "احتشاء" عضلة القلب.   -        العوامل المؤهبة: بحسب الأطباء، ينبغي تصنيف العوامل المؤهبة للذبحة الصدرية وفق ترتيب أهميتها، بالتالي يتعين توجيه العلاج وفق ذلك التصنيف. والترتيب هو على النحو الآتي بالتسلسل، من التأثير الأعلى إلى التأثير الأقل: 1-    ارتفاع نسبة الكوليسترول في الدم. 2-    التدخين. 3-    السكري. 4-    ارتفاع ضغط الدم. 5-    التقدم في السن. تلك العوامل، إن اجتمعت، تؤدي بالضرورة إلى ما يدعى "المتلازمة الأيضية"، أي اضطراب عمليات الأيض والاستقلاب (مجمل التبادلات الغازية وعمليات هدم الخلايا الميتة وبناء خلايا جديدة). وتلك المتلازمة الأيضية، مثلما أثبتته دراسات عدة، ترفع 3 أضعاف احتمالات الإصابة بأيٍّ من أمراض القلب والشرايين، وليس فقط الذبحة الصدرية.   -        دور التدخين: ومن اللافت في قراءة تسلسل العوامل المؤهبة للإصابة بالذبحة الصدرية، نجد أنّ التدخين، بعد ارتفاع نسبة الكوليسترول السيئ، يأتي في المرتبة الثانية في قائمة العوامل المساعدة، حتى قبل السكري وارتفاع ضغط الدم والتقدم في العمر. وذلك ما يفسر أنّ المدخنين عرضة للذبحة الصدرية أكثر من غيرهم، لاسيما إذا اجتمع التدخين مع عامل واحد، أو أكثر، من العوامل الأخرى المشار إليها. وتبين من دراسات عدة، أجريت في بلدان أوروبية مختلفة، أن احتمال الوفاة جراء انسداد شرايين القلب يرتفع بنسبة تصل إلى 70 في المئة لدى المدخنين بالقياس إلى غير المدخنين. فالتدخين يؤدي إلى زيادة وتيرة التصاق الصفائح الدموية في الدم، وإلى تقلص الشرايين. والسبب هو النيكوتين الموجود مع الدخان. فللنيكوتين مفعول قابض قوي، يفاقم التصلب الشرياني. كما يؤدي التدخين إلى خفض نسبة الأوكسجين في الدم، وذلك كنتيجة مباشرة لاستنشاق أول أكسيد الكربون المتكون جراء احتراق ورق السجائر. أما عن دور ارتفاع ضغط الدم، فينبغي معرفة أنّه يؤدي إلى عدم انتظام تدفق الدم داخل الشريان، ما يفضي بدوره إلى تغيرات داخل بطانة جدار الشريان، بالتالي رفع وتيرة "تعصّد" الشرايين التاجية. إلى ذلك، يؤدي ارتفاع ضغط الدم إلى رفع وتيرة عمل البطين الأيسر، ما يجرّ إلى تضخم الأخير، وما يترتب على ذلك من ارتفاع حاجته إلى الأوكسجين، في وقت يفتقر فيه القلب إلى الأوكسجين أصلاً.   -        القلق والخمول: لكن، ثمّة عاملان آخران، يؤكد العلماء أن لهما ضلعاً أكيداً في الذبحة الصدرية، وهما أوّلاً القلق والتوتر النفسي (الـ"ستريس")، وثانياً الجلوس مدة طويلة، وعدم الحركة والافتقار إلى النشاط، والخمول عموماً. المعضلة، مع هذين العاملين، تكمن في أنّ الباحثين لم يتمكنوا من إيجاد تنميط رياضي دقيق لحساب تأثيرهما بشكل مضبوط، مثلما هي الحال مع العوامل المؤهبة الخمسة الأساسية، المذكورة أعلاه.   -        السمنة المفرطة: كما يشير العلماء إلى عامل آخر، وهو السمنة المفرطة، والوزن الزائد، إلا أنهم يعدونه عاملاً غير مباشر. فالسمنة، بحسب تحليلهم، تؤدي بالضرورة إلى مفاقمة ثلاثة من العوامل الأربعة الأساسية: ارتفاع نسبة الكوليسترول في الدم، والسكري وارتفاع ضغط الدم. وعليه، ترفع السمنة احتمالات الذبحة الصدرية، ولو بصورة غير مباشرة. وأخيراً، يتمثل العامل المؤهب الأخير في الوراثة. فبحسب الأطباء، ثمة عائلات يُعدّ أفرادها مرشحين أكثر من غيرهم للإصابة بالذبحة الصدرية. وفي هذا الشأن، يتفق الباحثون على ضرورة عدم إغفال الجانب الوراثي. لذا، تضم إجراءات تشخيص الذبحة الصدرية بنداً يتعلق بالاستفسار من المريض عن السوابق العائلية، إن وجدت، في باب الذبحة الصدرية.   -        الأعراض: تتميز الذبحة الصدرية، مثلما أسلفنا، بآلام في الجانب الأيسر من الصدر، وخلف عظم القص. والألم، الذي يتسم بكونه من النوع الضاغط، قد يمتد إلى الكتف اليسرى، وأيضاً أسفل الرقبة، والفك الأسفل، واليد اليسرى. كما قد يمتد، في بعض الحالات، إلى الظهر وأعلى البطن. ويظل القاسم المشترك الأعظم لآلام الذبحة الصدرية ويتمثل في كونها تظهر أثناء الجهد، وتزول بعد انتهائه. تلك الآلام الصدرية هي الأكثر شيوعاً. لكن ما يعقّد الأمور، هو أن ثمة أعراضاً أخرى أقل وضوحاً، وفوقها تظهر في أعضاء لا علاقة لها بالقلب، مثلاً الجهاز الهضمي، إذ قد تؤدي الذبحة الصدرية إلى عسر الهضم. إلى ذلك، من الأعراض الأخرى المحتملة، يشار إلى الغثيان، والتعرق الشديد، والتعب والإرهاق. لذا، عند الإحساس بآلام في الجانب الأيسر من القفص الصدري، خصوصاً إذا كان مصحوباً بعسر هضم، أو غثيان، أو تعرق مفرط، يجب استشارة الطبيب في أسرع وقت.   -        الرجال أكثر من النساء: مثلما ذكرنا، تصيب الذبحة الصدرية الرجال أكثر بكثير من النساء. ومن تفاسير ذلك التفاوت، بحسب بعض الفرضيات الطبية، هو أن نسبة المدخنات أقل بكثير من المدخنين، ما يؤدي حسابياً، بشكل تلقائي، إلى إصابة عدد أقل من النساء بالذبحة الصدرية. لكن، بحسب فرضيات أخرى، فإن ذلك التفسير جزئي، ولابدّ من وجود أسباب أخرى، فيزيولوجية بحتة، تفسر الفارق في الإصابات بين الرجال والنساء، بغض النظر عن التدخين أو عدم التدخين. على الرغم من ذلك، لم يتمكن العلماء من تحديد تلك الأسباب بشكل علمي دقيق. كما ينبغي معرفة أنّ النساء المصابات يشعُرنّ أكثر من الرجال بأعراض الغثيان والتعرق الشديد والإجهاد، الوارد ذكرها أعلاه.►

ارسال التعليق

Top