• ٢٦ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

مسؤوليّاتنا اليوم كشبّان مسلمين/ ج (1)

أسرة

مسؤوليّاتنا اليوم كشبّان مسلمين/ ج (1)
مسؤولياتنا اليوم كشبّان مسلمين كما هي مسؤوليّاتنا بالأمس وزيادة. فبالإضافة إلى المسؤوليّة الرسالية التي يفرضها الإنتماء إلى الإسلام وما يستتبع ذلك من العمل به ونشر تعاليمه وتوسيع رقعته والدفاع عنه، هناك مسؤوليّات حضاريّة علمية وثقافية وعمليّة، ويتطلّب واقع المسلمين والتحدِّيات التي تواجههم النهوض بها. هذه هي بعض مفردات هذه المسؤوليات وبشيء من الإختصار:   1- المسؤوليّة أمام الله تعالى: كلّ المسؤوليّات تجتمع في النهاية لديه، فالله سبحانه وتعالى لم يخلقنا عبثاً: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) (الإنسان/ 3)، فهناك خط مستقيم واحد وإلى يمينه وشماله خطوط متعرِّجة كثيرة، ولا سبيل للفوز برضوان الله وجنّته إلا بسلوك الصراط المستقيم: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) (الفاتحة/ 6-7). ولذا، فإنّ مسؤوليّتنا كشباب إزاء خالقنا ومحمِّلنا مسؤوليّاتنا ومحاسبنا عليها، يمكن أن نتعرّف عليها من خلال الإجابة على ثلاثة أسئلة: مِمّ؟ وفيمَ؟ وإلامَ؟ مِمّ؟ وهو السؤال الخاص بمعرفتنا بالله.. فنحن نعرفه على نحو الإجمال، ولكن نحتاج أن نعرفه على وجه التفصيل: في آياته في الكون، وفي آياته في الكتاب الكريم، فكلّما ازددتَ معرفةً بالله ازددتَ إيماناً به وحبّاً له وطاعةً لما يريد. وفيمَ؟ تختصّ بالسؤال عن الهدف من وراء الخلقة؛ هل خلقنا ليُعذِّبنا؟ هل خلقنا لنكون تُعساء في هذه الحياة؟ هل أوجدنا لنمثِّل مسرحية معيّنة ثمّ ينتهي دور كلّ واحد منّا ليغادر المسرح وتنطفئ الأضواء؟ أم أنّ الغاية أسمى وأعظم؟ هذا بناء شامخّ كبير.. لكلّ منّا يدٌ مساهمة فيه بلبنةٍ أو بعدّة لبنات.. وهناك تصميم هندسي يشبه ذاك الذي يضعه مهندس كبير لبناء ضخم. هناك مَن يحاول أن يهدم البناء وأن ينسفه وأن لا يتركه يكتمل، ولذلك فالمهمّة شاقّة لا تسير بلا معوّقات أو عقبات.. إصلاح هنا وترميم هناك، وإعادة بناء هنا واستكمال للبناء هناك. وإلامَ؟ وهذا سؤال يتعلّق بالاتجاه وبالمصير.. فإلى أين يُراد بنا؟ هل نحن في سفينة تتلاطم بها الأمواج لا تعرف وجهتها؟ أم أنّ هناك مناراً تستنير به لتتجه نحوه؟ بالإجابة على هذه الأسئلة نكون قد عرفنا مسؤوليّتنا أمام الله في الانطلاق، وأثناء المسير، وفي نقطة الهدف. كان أحد الأغنياء جاراً لعجوزٍ أرملة لا تملك إلّا البيت الذي تسكنه والحديقة الصغيرة التي تحيط به، وكان للغنيّ قصر فخم قد كملت أقسامه إلا الحديقة، فقد كانت صغيرة، فلم يجد وسيلة لتوسيعها إلا الإستيلاء على حديقة العجوز فاغتصبها، ولم تظفر بأنصار ينصرونها عليه. فجاءته قائلة: الحديقةُ لك، لكن إملأ لي من تُرابها هذا الكيس واحملهُ إلى بيتي، فلمّا أراد حمل الكيس عجز، فقالت العجوز: حكِّم ضميرك في عملك، إذا كنتَ لا تستطيع حمل كيس تُراب، فكيف موقفك إذا طُلِبَ حملُ الأرضِ كلِّها؟! ولا يخفى أنّها أرادت محكمة القضاء العُليا (يوم القيامة). وقيلَ أنّ ملكاً غضبَ على رجل، فقال: والله لئن أمكنني اللهُ منه لأفعلنّ به كذا وكذا، فلمّا صارَ بين يديه، قال له الشخص المغضوب عليه: يا حضرة الملك! قد صنعَ الله ما أحببت (مكّنك منِّي)، فاصنع ما أحبّ الله (العفو)، فهدأ غضبه وعفا عنه! أنت إذاً مسؤول أمام الله بقدرِ ما أعطاك من مواهب عقليّة وجسديّة ونفسيّة وروحيّة، وبما هداك إلى سبل الإيمان، وما مكّنك من أعمال، وأسبغ عليك من نِعَم. فمسؤوليّة صاحب المال (الثري) الإنفاق في سبيل الله.. ومسؤوليّة العالِم (التعليم).. ومسؤوليّة القويّ (الخدمة).. ومسؤوليّة المتأدِّب (القدوة).. ومسؤوليّة المتفائل (إشاعته).. ومسؤوليّة المؤمن (الدعوة إلى الله).. ومسؤولية الخطيب (تنوير الأُمّة).. وهكذا، فالنِّعم مسؤوليّات، وهي ترتع وتترعرع وتخصب حيث يُزكِّي بها صاحبها، فإذا بخلَ بها ارتحلت أو ماتت. الطريق إلى معرفة هذه المسؤوليّة يمرّ عبر: العقل، وكتاب الله، وسنّة نبيّه وشعور عال بالمسؤولية.   2- مسؤوليّة الإنتماء إلى الإسلام: أنت مسلم؟ إذاً أنت مسؤول. فالإسلام مسؤوليّة الإنسان المسلم، وهو – كما نعرف – ليس مجرّد نطق بالشهادتين، ولا مجرّد عبادات شكليّة، بل هو عملٌ كلّه، فإذا دخلت شركة الإيمان فعليك أن تلتزم ببرامج عملها وأنشطتها وفعالياتها المختلفة، أي أنّك اخترت بإرادة حرّة أن تكون عضواً فيها، والعضويّة في أيّة شركة لها حقوق ولها واجبات لابدّ لكلّ عضو منتسب أن يتعرّف عليها وإلا تحرّك كالمكفوف أو المعصوب العينين. فأن تشهد بوحدانيّة الله، يستوجب أن تمتنع في حركتك في الحياة عن كلّ ما هو شرك وكفر وضلال وعصيان. وأن تشهد بنبوّة النبي محمد (ص) يتطلّب منك أن تجسِّد ذلك بالطاعة والإمتثال والتصديق والعمل بما جاء به: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (الأحزاب/ 36). وأن تصلِّي فإنّ صلاتك تنهاك عن الفحشاء والمنكر. وأن تصوم، فإنّ صومك يستدعي الإعراض عن كلِّ المحرّمات المادية والمعنوية ممّا يمكن أن نطلق عليه صفة الإنحراف. إنّ الفئة المعترضة من (أصحاب السّبت)، الذين رفضوا عصيان الصيادين الذين احتالوا على حُرمة الصيد في يوم السبت، بنصب شباكهم السبت واصطيادهم الأسماك الأحد، هي فئة كانت تشعر بمسؤوليّة انتمائها للدِّين، وحين احتجّت واعترضت ونهت عن ارتكاب المعصية، كانت تستحضر هذا الإنتماء لقولها لِمَن أراد أن يُقلِّل من قيمة نهيها عن المنكر: (مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (الأعراف/ 164). ولهذا السبب، نرى أنّ هناك عدداً من الأحاديث أخرجت بعض المسلمين من أسرة المسلمين أو من شركة الإيمان؛ لأنّهم لم يلتزموا ولم يعملوا بمتطلّبات هذا الإيمان، ومنها: 1- عدم الإهتمام بأمور المسلمين دعماً ومساندةً ومساهمةً في حلِّ مشاكلهم، والدِّفاع عنهم، والدّعاء لهم: - "مَن أصبحَ ولم يهتمّ بأمور المُسلمين فليسَ منهم، ومَن سمعَ رَجُلاً يُنادي يا للمُسلمين فَلَمْ يُجِبهُ فليس بمُسلِم". 2- الغشّ والتدليس والمخادعة: - "ليسَ مِنّا مَن غشّ مُسلِماً أو ضَرَّه". 3- إزدراء الكبير واحتقار الصغير: - "ليسَ مِنّا مَن لم يُبجِّلْ كبيرنا ويرحَم صغيرنا ويعرف عالمنا". 4- التعصب والدعوة إلى العصبية: - "ليس مِنّا مَن دَعا إلى عصبيّة". 5- إهمال النفس وعدم محاسبتها: - "ليسَ مِنّا مَن لم يُحاسِبْ نفسه كلَّ يوم". 6- اللامبالاة بمعاناة وبؤس الآخرين: - ليسَ مِنّا مَن باتَ شَبْعانٌ وجارهُ جائع". 7- الإنجرار للإنفعاليّة والغضب: - "ليسَ مِنّا مَن لم يملك نفسه عند غضبه، ومَن لم يحسن صُحبةُ مَن صَحِبَه، ومخالقةُ مَن خالقه، ومرافقةُ مَن رافقه، ومجاورةُ مَن جاوَرَه". إنّ نظرة فاحصة في هذه الأحاديث تبيِّن لنا أنّ (الإسلام مسؤوليّة) في كل شيء، وأن كلمة (ليس منّا) هي استبعاد، لكلِّ مَن لا يشعر بمسؤوليّته، عن دائرة الإسلام.   3- مسؤولية الوقت: أعمارنا هبة الله إلينا.. وهي المساحات الواسعة أو الضيِّقة من الأراضي الزراعية التي ترك لنا خيار زراعتها، حتى إذا كان يوم الحصاد الأكبر (يوم القيامة) سألنا عمّا فعلنا بمزارعنا، وعن محاصيلنا فيها. لقد أعطى الله سبحانه وتعالى كلّ واحدٍ منّا آنية وقال له: خذها واملأها بما تشاء فأنت وما تملأ.. واختلفنا: فمنّا مَن ملأ آنيته تراباً، ومنّا مَن ملأها معدناً ثميناً، ومنّا مَن ملأها سمّاً زعافاً، ومنّا مَن ملأها هباءً منثوراً. وهي الآن بأيدينا.. فلينظر كل واحد منّا بمَ يملأ إناءه (عمره)؟ - فنحن كشباب مسؤولون عن اغتنام فرصة شبابنا؛ لأنّها الأثمن والأغنى في حياتنا كلّها، ولأنّها ميدان الخير وحقل العطاء ومسرح التطور والرقي في مجالات خدمة الدِّين من خلال خدمة الإنسان ذاته. يقول الشاعر: ولا أؤخِّر شُغلَ اليومِ عن كسلٍ **** إلى غَدٍ إنّ يوم العاجزين غدُ - ومسؤولون عن عدم تضييع أوقاتنا باللّهو العابث الطويل، وبالثرثرة التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع، وبالتسكّع على أرصفة الشوارع وفي الأسواق وأمام واجهات المحلات، وعن تعبئتها بالنافع الصالح المثمر من الأعمال ممّا يذهب عناؤه ويبقى أجره وثوابه وأثره في الناس. - ومسؤولون عن بناء شخصيّتنا في فترة نموّها ونضجها، لنكون مميّزين في عطائنا بين الناس، تماماً كما يعمل أحدنا ليكون مميّزاً بجدِّه واجتهاده بين تلامذة فصله ومدرسته. - ومسؤولون أيضاً عن مسابقة الزمن وليس مواكبته فقط، وذلك بأن نعتصر كلّ دقائقه وثوانيه – ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً – في تطوير وتنمية كلّ ما يقع تحت أيدينا من جوانب شخصيّتنا أو من واقع أمّتنا. إنّ مسابقة الزّمن هي أن تنظر إلى الأفق البعيد أيضاً وليس إلى ما يقع عليه بصرك في اللحظة الراهنة.. فأنت مسؤول عن أمسك ويومك ومستقبلك أيضاً. الزمن يمضي.. إرم ببصرك في أقصى الغد، وسترى أنّ الزمن – على قصر أيامه ولياليه، وبالرغم من ركضه السريع – يمكن أن يقدِّم ما هو أوسع من الساعات والأيام والأشهر والسنين. وتذكّر.. أنّ يومك هو يومٍ مساوٍ ليوم أيّ مكتشِف أو مخترع أو عالِم أو مبدع.. فليس هناك يوم طوله (24) ساعة وآخر (30) ساعة، ولكنّه الفرق بين إدراك مسؤوليّة الزمن وبين تمزيقه إرباً. إنّ مسؤوليّة الوقت لا تتعلق بالزمن الذي نحياه، بل تمتدّ إلى ما بعد الممات أيضاً، حيث أنّ الذكر العاطر والسيرة الحسنة وما يخلّفه الإنسان من تجارب علم وعمل يبقى أثراً خالداً في الناس، وفي ذلك يقول الشاعر: احفظ لنفسك بعد موتك ذكرها **** إنّ الذِّكر للإنسان عمر ثاني كما أنّ مسؤوليّة الوقت هي مسؤوليّة احترام المواعيد سواء في ملتقيات الأصدقاء، أو في ما نحدِّده من سقفٍ لإنجاز أعمال معيّنة. رُوي أنّ رسول الله (ص) واعد رجلاً إلى صخرة، فقال: أنا لكَ (أنتظرك) هنا حتّى تأتي. فاشتدّت الشمس عليه، فقال له أصحابه: يا رسول الله لو أنّك تحوّلت إلى الظلّ، فقال (ص): "وعدتهُ هاهنا، وإن لم يجئ كان منه الجشر (التّرك)"!!   4- مسؤولية العلم والمعرفة: كان العلم والمعرفة منذ البدء وسيبقيان سلاحين في معركة الإنسان ضد الجهل والكفر والتخلّف.. فالفرق كبير بين (مَن يعلم) و(مَن لا يعلم).. الأوّل في نور والثاني في ظلمات.. الأوّل قوي والثاني ضعيف.. الأوّل غني والثاني معدم. والعلم والمعرفة ليسا مجرّد عملية تخزين أو تكديس للمعلومات، فالمعرفة في الإسلام مسؤوليّة: "مَن عرفَ دلّته معرفتهُ على العمل". ومن هنا فلابدّ من العمل على تنويع وتوظيف معارفنا وعلومنا في خدمة أمّتنا والإنسانية كلّها. والعلم والمعرفة ليسا قراءة في الكتب فقط، وإنّما هما تأمّل وتفكّر وتجريب، ولا يعني ذلك الإعراض عن قراءة الكتب والتزوّد بزادها الذي يمثِّل تراث الأجيال وملكيّتها الفكريّة المشتركة. ثمّ أن مسؤوليّة المعرفة هي أن تكون حائزاً على قسط وافر منها، وأن تعمل على نشرها بين الناس، ولذا قيل: "زكاةُ العلم أن تُعلِّمه مَن لا يعلمه"، فلا تخشى نفاداً أو شحّة، فالعلم من الأرصدة التي لا تنتهي بل تزيد مع الإنفاق: "العلمُ يزكو على الإنفاق". رُويَ أنّ (حاتم الأصمّ) كان تلميذاً لـ(شقيق البلخيّ)، فقال له شقيق: منذُ كم صحبتني؟ قال حاتم: منذُ ثلاث وثلاثين سنة. قال: فماذا تعلّمت منيِّ في هذه المدّة؟ قال: ثمان مسائل. قال شقيق: ذهبَ عُمري معك، ولم تتعلّم إلا ثمان مسائل. قال حاتم: لقد صدقتك القول، لم أتعلّم غيرها. قال: هاتها (أي اذكرها لي). فذكر له المسائل الثمان مقرونة بالآيات الكريمة، وهي (حبّ الحسنات)، و(طاعة الله، و(إيداع كلّ عمل صالح وقيِّم عند الله لأنّ ما عندهُ باق)، و(التّقوى)، وأنّ (الله قاسم المعيشة)، وأنّ (العمل لله)، و(التوكّل على الله). قال شقيق: "وفّقكَ الله يا حاتم! فإنِّي نظرتُ في التُوراة والإنجيل والزّبور والفرقان، فوجدتُ أنّ جميع أنواع الخير تدور على هذه المسائل الثمانية، فمن استعملها فقد استعمل الكتب الأربعة". ومسؤوليّة العلم لا تجوِّز لك أن تكتم علمك أو تحجبه أو تخفيه عمّن هم بحاجة إليه فذلك أخطر من أن تحتكر غذاء، ذلك أنّ العلم الذي حصلت عليه بالدراسة، أو من خلال تجارب الحياة الواسعة، أو بالمساعي الشخصية، من خلال تنمية المواهب والمهارات، هو مسؤوليّتك أمام الله: هل أعطيته لمَن يحتاجه؟ هل جعلته في طريق الدّمار والتخريب؟ هل سخّرته في المصالح الحيوية النافعة التي تغني الحياة وتطوّرها؟ هل أودعته في صناديق مقفلة؟... إلخ. إنّ العلم للجميع ومَن يخل بعلمه سلبه الله إيّاه. إنّ موسى (ع) وهو نبي الله لم يأنف ولم يستنكف أن يتعلّم على يَدَي معلِّم، ولذلك اختار أن يتعلّم على يدي معلِّمين إثنين: (الخضر) (ع)، والعالِم الرّباني الذي صحبه في رحلة ذكرها القرآن الكريم، والنبي (شعيب) (ع)، الذي بقيَ في خدمته عشر سنين. وفي عصر موصوف بأنّه (عصر العلم) نحتاج إلى معرفة الكثير ممّا يبحثه وينتجه هذا العلم: "العالِم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس". وأن نربط عجلة المعهد أو الجامعة بحركة المجتمع، فعربة الحياة لا تسير إلا بهذين الحصانين، أو نتعلّم أوّليّات وأسس البحث العلمي والتخلص في مجالاته المتنوِّعة، ذلك أنّ المسؤوليّة الشرعية تقتضي أن يكون لدى المسلمين الكمّ الكافي من الطاقات والاختصاصات التي تسد حاجات المسلمين في شؤون العلم والمعرفة كلّها. إنّ مسؤوليّة العلم تتطلّب كذلك عدم الإستسلام للواقع العلمي الموجود، فلا يصحّ أن نراه نهائياً أو على غاية من الكمال، بل علينا أن نعمل كشباب – كل ّ حسب طاقته – على مزيد من الإبتكار والإبداع والتجديد، فكما لغيرنا عقول تفكِّر وتتأمّل وتنتج، فإن لنا عقولنا التي تفعل ذلك أيضاً، فليست عقول الآخرين من ذهبٍ وعقولنا من حديد، أو أنّ عقولهم من حديد وعقولنا من تراب، إلا أنّ ذلك لا يكون إلا من خلال منهج في التفكير يعتمد السؤال والاستشارة والتنافس والحوار، وشموليّة في التفكير بأن نلمّ بالموضوع من جوانبه كلّها، ولا يتناقض ذلك مع التركيز في البحث على مشكلة محدّدة حتى لا نضيع في شعاب البحث. ولابدّ أيضاً من تربية الحسّ النقدي الذي يرفض الخطأ والباطل والانحراف والتحريف من أيّة جهة صدر. مسؤوليّتنا العلميّة تقتضي أيضاً الاستزادة من المعارف القديمة والعصريّة: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) (طه/ 114). فالقويّ اليوم هو الأكثر علماً، والمؤمن القوي هو المؤمن العالِم العامِل، وهو بالتأكيد خير من مائة مؤمن ضعيف. على أنّ هذه المسؤولية تتطلّب اجتناب الغرور العلمي الذي يصدّ عن اكتساب المزيد من المعرفة: "الإعجاب يمنع الازدياد"، واجتناب الترف الفكري، وهو العلم الذي لا يضرّ مَن جهله ولا ينفع مَن علمه. فلقد دخل النبي محمد (ص) المسجد ذات يوم، فرأى المسلمين متحلِّقين حول شخص، فسألهم: مَن هذا؟ فقيلَ له: هذا علّامة. فقال (ص): علّامة في ماذا؟ فقالوا له: علّامة في أنساب العرب وأشعارهم وأخبارهم. فقال (ص): هذا علم لا ينفع مَن عَلِمَه ولا يضرّ مَن جَهِلَه". وبذلك حدّد مفهوم العلم المطلوب، وهو العلم النافع لطالبه وللنّاس، وتجاوز حالة التناقض الفكري بين ما هو أصيل وما هو دخيل، والإنفصام بين العلم والعمل. وأن تساهم بما حباك الله من طاقات عقليّة بإضافة ولو لبنة واحدة في بناء الحضارة الإسلاميّة.

ارسال التعليق

Top