• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

من آداب قراءة القرآن.. التفكر

أسرة البلاغ

من آداب قراءة القرآن.. التفكر

من آداب قراءة القرآن حضور القلب، وأيضاً من الآداب المهمة لها: التفكر، والمقصود من التفكر أن يتحسس من الآيات الشريفة المقصد والمقصود، وحيث أن مقصعد القرآن كما تقوله نفس الصحيفة النورانية هو الهداية إلى سبل السلام والخروج من جميع مراتب الظلمات إلى عالم النور، والهداية إلى طريق مستقيم فلابدّ أن يحصّل الإنسان بالتفكر في الآيات الشريفة مراتب السلامة من المرتبة الدانية والراجعة إلى القوى الملكية إلى منتهى النهاية فيها وهي حقيقة القلب السليم على ما ورد تفسيره عن أهل البيت وهو أن يلاقي الحق وليس فيه غيره وتكون سلامة القوى الملكية والملكوتية ضالة قارئ القرآن فإنها موجودة في هذا الكتاب السماوي ولابدّ أن يستخرجها بالتفكر، وإذا صارت القوى الإنسانية سالمة عن التصرّف الشيطاني وتحصّل طرق السلامة وعمل بها ففي كلّ مرتبة من السلامة تحصل له ينجو من ظلمة ويتجلى فيه النور الساطع الإلهي قهراً حتى إذا خلص عن جميع أنواع الظلمات التي أوّلها ظلمات عالم الطبيعة بجميع شؤونها وآخرها ظلمة التوجّه إلى الكثرة بتمام شؤونها يتجلى النور المطلق في قلبه ويهديه إلى طريق الإنسانية المستقيم وهو في هذا المقام طريق الربّ (إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (هود/ 56).

وقد كثرت الدعوة إلى التفكر وتمجيده وتحسينه في القرآن الشريف قال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (النحل/ 44). وفي هذه الآية مدح عظيم للتفكر، لأن غاية إنزال الكتاب العظيم السماوي والصحيفة العظيمة النورانية قد جعلت احتمال التفكر وهذا من شدّة الاعتناء به حيث أن مجرد احتماله صار موجباً لهذه الكرامة العظيمة، وقال تعالى في الآية الأخرى: (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (الأعراف/ 176).

والآيات من هذا القبيل أو ما يقرب منه كثيرة والروايات أيضاً في التفكر كثيرة. فقد نقل عن الرسول الخاتم (ص) أنّه لما نزلت الآية الشريفة (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ) (آل عمران/ 190)، إلى آخرها.. قال (ص): "ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها".

والعمدة في هذا الموضوع أن يفهم الإنسان ما هو التفكر الممدوح، وإلا لا شكّ في أنّ التفكر ممدوح في القرآن والحديث، فأحسن التعبير فيه ما عبّر به الخواجة عبدالله الأنصاري قال: اعلم أنّ التفكّر تلمّس البصيرة لاستدراك البغية، يعني أنّ التفكر هو تحسّس البصيرة وهي بصر القلب للوصول إلى المقصود والمقصود هو السعادة المطلقة التي تحصل بالكمال العلمي أو العملي فلابدّ للإنسان أن يتحصل على المقصود والنتيجة الإنسانية وهي السعادة في الآيات الشريفة للكتاب الإلهي وفي قصصه وحكاياته وحيث أنّ السعادة هي الوصول إلى السلامة المطلقة وعالم النور والطريق المستقيم فلابدّ للإنسان أن يطلب من القرآن المجيد الشريف سبل السلامة ومعدن النور المطلق والطريق المستقيمة كما أشير إليها في الآية الشريفة السابقة، فإذا وجد القارئ المقصد وتبصّر في تحصيله وانفتح له طريق الاستفادة من القرآن الشريف وفتحت له أبواب رحمة الحق فإنّه لا يصرف عمره القصير العزيز ورأس مال تحصيل سعادته على أمور ليست مقصودة لرسالة الرسول ويكف عن فضول البحث وفضول الكلام، في مثل هذا الأمر المهم فإذا أشخص بصيرته مدّه إلى هذا المقصود وصرف نظره عن سائر الأمور تتبصّر عين قلبه ويكون بصره حديداً ويكون التفكر في القرآن للنفس أمراً عادياً وتنفتح طرق الاستفادة وتفتح له أبواب ليست مفتوحة له إلى الآن، ويستفيد مطالب ومعارف من القرآن ما كان يستفيدها إلى الآن بوجه، فحين ذاك يفهم كون القرآن شفاء للأمراض القلبية، ويدرك مفاد الآية الشريفة (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا) (الإسراء/ 82)، ومعنى قول أمير المؤمنين (ع) "وتعلموا القرآن فإنّه ربيع القلوب واستشفعوا بنوره فإنّه شفاء الصدور" ولا يطلب من القرآن شفاء الأمراض الجسمانية فقط بل يجعل عمدة المقصد شفاء الأمراض الروحانية الذي هو مقصد القرآن بل القرآن ما نزل لشفاء الأمراض الجسمانية وإن كان يحصل به كما أنّ الأنبياء لم يبعثوا للشفاء الجسماني وإن كانوا يشفون فهم أطباء النفوس والشافين للقلوب والأرواح.

ارسال التعليق

Top