• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

من فضائل شهر شعبان

إيمان إسماعيل عبدالله

من فضائل شهر شعبان

◄شهر شعبان من الشهور الكريمة والمواسم العظيمة، وهو شهر بركاته مشهورة وخيراته موفورة، والتوبة فيه من أعظم الغنائم الصالحة. والطاعة فيه من أكبر المتاجر الرابحة، مَن عَوَّد نفسه فيه الاجتهاد فاز في رمضان بحُسن الاعتياد.

سُمِّي شعبان بهذا الاسم لأنّه يتشعب منه خير كثير، وقيل معناه شاع وبان، وقيل مشتق من الشِّعب بكسر الشين وهو طريق الجبل، فهو طريق الخير، وقيل من الشَّعب بفتحها وهو الجبر، فيجبر الله كسر القلوب، وقيل غير ذلك.

كذلك فإنّ شهر شعبان هو شهر يحمل في معانيه كثيراً من الفوائد والعطايا، ويتضمن الكثير من الحِكم والفضائل والقيم التي يلزم تذكير المجتمع المسلم بها، للتعريف بأهمية هذا الشهر وخصوصيته.

    

- تحويل القبلة:

شهد شهر شعبان تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة، وقد كان النبيّ (ص) ينتظر ذلك برغبة قوية، ويقوم في كلّ يوم متطلّعاً مُقلِّباً وجهه في السماء يترقب الوحي الإلهي، حتى أقرّ الله سبحانه وتعالى عين رسوله الكريم (ص) وحقّق مطلبه بما أرضاه، حيث أنزل قوله تعالى في (الآية 144 من سورة البقرة): (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ). وهو مصدق لقول الله تعالى في (سورة الضحى الآية 5): (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى).

    

- رفع الأعمال:

من مزايا شهر شعبان المعروفة رفع الأعمال فيه، وهو الرفع الأكبر والأوسع، وقد جاء ذلك في الحديث عن أسامة بن زيد (رض) قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: "ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى ربِّ العالمين وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم".

    

- الرفع في النهار والرفع في الليل:

ورد في صحيح مسلم عن أبي موسى (رض) قال: قام فينا رسول الله (ص) بخمس كلمات، فقال: "إنّ الله تعالى لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يُرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه".

    

- الرفع الفوري:

روى الترمذي وأحمد عن عبدالله بن السائب (رض) أنّ رسول الله (ص) كان يُصلي أربعاً بعد أن تزول الشمس قبل الظهر، وقال إنّها ساعة تُفتح فيها أبواب السماء فأحبُّ أن يصعد لي فيها عمل صالح". وفي هذا الحديث بيان فضل سنة الظهر القبلية. وعن أبي أيوب الأنصاري (رض)، عن النبيّ (ص) قال: "أربع قبل الظهر ليس فيهنّ تسليم تُفتح لهنّ أبواب السماء". قال المنذري رواه أبوداود واللفظ له وابن ماجه، وفي إسنادهما احتمال للتحسين، ورواه الطبراني في الكبير والأوسط ولفظه قال: "لما نزل رسول الله (ص) أي حين هاجر إلى المدينة رأيته (ص) يديم أربعاً أي يدوام على صلاة أربع ركعات قبل الظهر، وقال إنّه إذا زالت الشمس فُتحت أبواب السماء، فلا يُغلق فيها باب حتى تُصلي الظهر. فأنا أحب أن يُرفع لي في تلك الساعة خير – أي عمل صالح".

    

- الرفع الأسبوعي وعرض الأعمال:

روى الإمام مسلم والترمذي عن أبي هريرة (رض) قال: قال رسول الله (ص): "تُعرض الأعمال على الله تعالى في كلّ يوم خميس واثنين، فيغفر الله تعالى لكلّ أمرئ لا يشرك بالله شيئاً إلّا مَن كانت بينه وبين أخيه شحناء. فيقول الله تعالى: أتركوا هذين حتى يصطلحا"، وفي رواية لمسلم: "تُفتح أبواب الجنّة يومي الاثنين والخميس، فيغفر لكلّ عبد لا يشرك بالله شيئاً، إلّا رجلاً كان بينه وبين أخيه شحناء – أي بغضاء". وعن أسامة بن زيد (رض) قال: "قلت: يا رسول الله إنّك تصوم حتى لا تكاد تفطر، وتفطر حتى لا تكاد تصوم أي متنفلاً إلى يومين إن دخلا في صيامك وإلّا صمتهما. قال: "أي يومين؟" قلت: يوم الاثنين والخميس. قال: "ذلك يومان تُعرض فيهما الأعمال على ربّ العباد، فأحبّ أن يُعرض عملي وأنا صائم".

    

- فضل الصيام في شعبان:

وقد سُئِل رسول الله (ص): أي الصوم أفضل بعد رمضان؟ قال: "شعبان" قيل: فأي الصدقة أفضل؟ قال: "صدقة في رمضان" قال الترمذي حديث غريب.

    

- شهر الصلاة على النبيّ (ص):

ومن مزايا شهر شعبان أنّه الشهر الذي نزلت فيه آيات الصلاة والسلام على رسول الله (ص) وهي قوله تعالى في (سورة الأحزاب الآية 56): (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، وفي الآية الكريمة أمرٌ من الله تعالى للمؤمنين كافة بعد نائهم بخطابه الشفاهي بما ذكر من الصلاة والتسليم مؤسساً بأنّ الله تعالى وملائكته يفعلون ذلك، أي أنّه أمركم به ليس لحاجة له إلى ذلك، بل لقصد تشريفكم لمّا أمنتم به بأمر توافقون فيه مالك الملك وخواص عباده الصالحين المكرمين مع النبيّ (ص) الذي هداكم الله تعالى به إليه، وأرشدكم على لسانه إلى كلّ ما يزلف لديه.

ومن فضائل الصلاة على النبيّ (ص) أنّ مَن يُصلي على النبيّ (ص) مرّة واحدة، يُصلي الله عزّوجلّ عليه عشر صلوات.

    

- شعبان شهر القرآن:

جاء في بعض الآثار تسمية شعبان بشهر القرآن، ومعلوم أنّ قراءة القرآن مطلوبة في كلّ زمان، ولكنّها تتأكّد في الأزمنة المباركة والأمكنة المشرفة كرمضان وشعبان ومكّة المكرمة والروضة المشرفة والمواسم المفضلة. وقد جاء عن بعض السلف الصالح ما يؤكّد ذلك، قال سلمة بن كهيل: كان يُقال شهر شعبان شهر القرّاء. وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال: هذا شهر القرّاء. وكان عمرو بن قيس الملائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن. (لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف لابن رجب، ص158).

    

- الاستغفار:

على المسلم أن يُكثر من الاستغفار لأنّه من أعظم وأولى ما ينبغي أن يشتغل به في الأزمنة الفاضلة التي منها شعبان وليلة النصف منه. والاستغفار من أسباب تيسير الرزق، ودلّت على فضله نصوص الكتاب والحديث الشريف، وفيه تكفير للذنوب وتفريج للكروب وإذهاب للهموم ودفع للغموم، وذلك لأنّ كثرة الهموم وتوالي الأكدار سببها شؤم الذنوب والإصرار. فجدير بالمسلم أن يكون دواؤها الاستغفار فجعل الله تعالى له من كلّ هم فرجاً ومن كلّ ضيق مخرجاً ورزقَه من حيث لا يحتسب. وسيِّد الاستغفار - كما ورد في الصحيحين – هو: "اللّهمّ أنت ربّي لا إله إلّا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شرّ ما صنعت، أبوء بنعمتك عليَّ وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنّه لا يغفر الذنوب إلّا أنت".

    

  - ليلة النصف من شعبان:

هي ليلة مباركة عظيمة، يتجلّى الله تعالى فيها على خلقه بعموم مغفرته وشمول رحمته، فيغفر للمستغفرين ويرحم المسترحمين ويُجيب دعاء السائلين ويفرج عن المكروبين، ويعتق فيها جماعة من النار ويكتب فيها الأرزاق والأعمال. وقد ورد في فضلها أحاديث كثيرة متعدّدة، ونذكر أشهر ما ورد في هذا الباب عن النبيّ (ص) قال: "يطّلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان، ويغفر لجميع خلقه إلّا المشرك أو مشاحن". رواه الطبراني وابن حبان. والمشاحن: منافق شرير يبعث الشقاق ويوقد نار العداوة بين المتحابين، وقال ابن الأثير في النهاية: المشاحن المعادي، والشحناء العداوة. ►

ارسال التعليق

Top