• ٢٥ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

تقدير الصحة في الشيخوخة

تقدير الصحة في الشيخوخة

لا تختلف المطالب الصحية في الشيخوخة عنها في سني الحياة السابقة لها، وقد يعجب لذلك كثير من الناس لاعتقادهم الخاطئ أنّ الشيخوخة والمرض لفظان مترادفان. وأغلب الشيوخ يعيشون في صحة وهناء، وتدل الإحصاءات على أن 85% منهم لا يشكون مرضاً أو عجزاً، وأن عدداً قليلاً منهم يعانون من أمراض مزمنة ويلازمون الفراش.

وكلمة (مزمن) إذا ما وصف بها المرض، فإنّها تعني مدة المرض لا درجة شدته. فالبواسير، والدوالي، وأمراض الحساسية، والنقرس، والتهاب المفاصل، أمراض مزمنة ولكنها غير معجزة في أغلب أحوالها.

ومن الغريب أنّ الشيخوخة ميزات صحية معروفة، فالشيوخ لا يصابون كثيراً بالأمراض الحادة، ولا يتعرضون للأمراض المعدية لحصانتهم منها. وإذا أصيب أحدهم بالتدرن مثلاً، كانت إصابته أبسط كثيراً من إصابة الشاب بالمرض نفسه، ويصدق هذا أيضاً في أمراض أخرى كمرض السكر.

أؤكد لك أيها الشيخ العزيز: إنّ مداومتك في سن قبل التقاعد على أغذية غنية بمضادات التأكسد، تبعدك عن الإصابة بتلك الأمراض.

وكبار السن لا يتعرضون كثيراً لإصابات الحوادث، وإن كانت إصابتهم أكثر شدة وأطول مدة في التئامها.

 

كيف يعيش الشيخ في صحة وأمن؟

لطول العمر أسرارٌ كثيرة بعدد الشيوخ الذين يرونها. وقد ينصح أحدهم بالحياة الهادئة الخالية من العواصف، ويروي الآخر قصة حياته المملوءة بالعربدة، وقد ينصح بالغذاء النباتي الخالص، والآخر بالأكلات الكثيرة الصغيرة وبالنوم العميق تسع ساعات يومياً، ويحبذ أحدهم اجتناب التدخين والمواد الكحولية، وينصح غيره بشرب القليل منها يومياً. لكن العلم الطبي يقول لك: اتبع قواعد الصحة العامة، حافظ على شغفك الدائم بالحياة وطموحك فيها.

والقواعد الصحية للمسنين هي:

1-    الفحص الطبي الدوري: نظراً لظهور الأمراض المعقدة للمسنين كمرض السكر ومرض القلب قبل الشيخوخة على هيئة غير ملحوظة، فإنّه يجب فحصهم دورياً لاكتشاف تلك الأمراض عند أوّل ظهورها. والشيوخ يثقون في كبار السن من الأطباء غالباً، ويحسن أن يكون ذلك الطبيب هو طبيب الأسرة، فهو كرجل الدين موضع ثقة وصداقة وألفة.

2-    التغذية الصحية: تبدأ عادات التغذية السيئة في الصغر ولا تظهر آثارها إلا عند تقدم السن، وقد ثبت تأثيرها السيء في صحة العقل والبدن، فهي تزيد شدة المرض، وتبطئ سرعة النقه. أما الطعام الصحيح فإنّه يطيل عمر الإنسان، ويحفظ عليه صحته، ويدفع عنه المرض، ويمكن القول أنّه من بشائر الشيخوخة الرخية الهانئة.

ومن أسباب التغذية غير الصحيحة عيش المُسنِّ وحيداً دون رفيق، وكذلك تلف أسنانه، وعاداته الغذائية السيئة منذ الصغر ومواد الغذاء الأساسية لا تختلف باختلاف السن. فيجب أن يكون الغذاء متوازناً غنياً بالمواد البروتينية، كاللحم والبيض والسمك والجبن واللبن، غنياً بالخضروات والفاكهة، وحاوياً لجميع المواد الأساسية كلّ يوم، مع التقليل من الشحوم لعسر انهضامها في الكبر.

ويجب أن يتضمن الغذاء ما يكفي من فيتامين "سي" و"أ" والثيامين، والرايبوفلافين، والحديد.

والفواكه المزة والخضراوات غنية بفيتامين "سي"، والجزر والكبد، وزيت كبد الحوت والمشمش الجاف والخوخ والزبد والبيض والجبن غنية بفيتامين "أ". والثيامين متوافر في خميرة البيرة واللحوم والخضروات والبيض واللبن والغلال (الحبوب)، والريبوفلافين في الكبد واللبن والغلال. أما الحديد فمصادره الكلية والكبد واللحوم والفول واللفت والبنجر والسبانخ والخبز الأبيض والعسل الأسود.

سأُعلِّمك أيها الشاب كيف تختار الغذاء الصحيح الغني بالعناصر الأساسية وخاصة مضادات التأكسد لتعيش عمراً طويلاً ولا تدخل مرحلة الشيخوخة إلّا متأخراً.

يعتقد الكثيرون خطأ، أنّ الفواكه المزة تزيد حموضة المعدة، وعلى العكس منه فإنّها تعد مصادر قلوية، فضلاً عن غناها بالفيتامينات والمعادن، واللبن مفيد لجميع الأعمار ويعد مصدراً للبروتين والكالسيوم والرايبوفلافين – وهو فيتامين "ب2" – فضلاً عن سهولة هضمه.

ويمكن – عند صعوبة المضغ – تقطيع الطعام أو تصفيته وطبخه طبخاً جيداً ليتمكن الشيخ من أكله فلا يحرم من تناول مادة عظيمة الفائدة.

وأخيراً يجب مراعاة تنبيه شهوة الطعام المضمحلة عند الشيوخ، بالإحسان في تجهيز الطعام وتوفير الأنواع المختلفة منه.

3-    الرياضة: تنشط الرياضة الدورة الدموية وتبعث على اشتهاء الطعام، وتحفظ صحة العقل والبدن، وينبغي أن يظل الشيخ في منتهى نشاطه، ولكن في غير إجهاد ولا إسراف.

والراحة ضرورية للمسنين عندما تمتد بهم آجالهم. ولهذا يجب أن يقضي الشيخ نصف ساعة في استرخاء تام بعد كلّ وجبة من وجبات الطعام، وفي فترات متقطعة أثناء النهار.

وينبغي له اجتناب الكسل، والإسراع في مغادرة الفراش بعد شفائه من مرضه مباشرة، فطول التزام الفراش مضر جدّاً في الشيخوخة.

 

مصاعب الشيخوخة:

يتوقع كلّ منّا حلول وقت تقاعده ولكنه لا يُعدّ لهذا اليوم عدته. ولا يكفي لذلك مجرد جمع المال لضمان السعادة في الشيخوخة بل يجب توفير زادها من الشغف والاهتمام، وهو ما يجعل للحياة لذة وقيمة. فالهوايات والنزهة والتسلية أمور مهمة في الشيخوخة. إنّ نجاح الشيخوخة يتوقف على الاستمرار في الكفاح بالعقل لا بالبدن، وإذا كانت القوة والسرعة والمراس تقل بتقدم العمر وجب أن يمارس كلّ منا مهارات تصاحبه العمر كله.

والقدرات العقلية لا تقل بتقدم العمر، فقد كتب "داروين" مؤلفاً وهو من أهم مؤلفاته العلمية بعد السبعين، وظل "بنيامين فرانكلين" كامل النشاط إلى ما بعد الثمانين، وعملت "فلورنس نايتنجيل" حتى التسعين.

وألَّفَ "فردي" بعض أوبراته المشهورة بعد السبعين. وليست هذه إلّا أمثلة لكثير من الأفذاذ الذين أدوا أعمالهم الضخمة بعد ما تقدمت بهم السِّنُ.

ولا يصل بنا الطموح إلى بلوغ هذه القمم الشامخات ولكننا نسوق الأمثلة على قدرة الإنسان على العمل والإنتاج في كلّ سن، وقد يكون ذلك في مجال اللغة أو الموسيقى أو مختلف الدراسات، ويفضل بعض الشيوخ الالتحاق بأحد النوادي، أو التطوع بعمل في أحد مراكز الخدمة أو المستشفيات. ومن الواجب على الشيوخ الاحتفاظ بالمرح والنشاط والاهتمام بالآخرين لقضاء السنوات الذهبية من أعمارهم فيما ينفع الناس من البحوث والاكتشافات.

وبعد كلّ ما سلف هناك أسئلة مع أجوبتها حول الشيخوخة تفيد الشباب والشيوخ، لذا وجدت أنّه من الضروري ذكرها وهي:

 

هل الخوف من الشيخوخة وقْفٌ على الشيوخ؟

يقول علماء النفس: إنّ الخوف من الشيخوخة ليس وقفاً على بعض الرجال المتقدمين في السن، بل هو يمتد أيضاً إلى نفوس بعض الشباب، وربما كان منشأ هذا الخوف اعتقاد هؤلاء الشباب بأن وهن القوى الجسمية مرتبط بضعف عام في الشخصية وانحلال تام للقوى الانفعالية والذهنية.

 

المصدر: كتاب شباب دائم بالغذاء والأعشاب والعلاج الطبيعي لـ د. دلاور محمّد صابر

ارسال التعليق

Top