• ١٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

لتكن لغة العاطفة في علاقتنا مع أبنائنا

د. عمرو خالد

لتكن لغة العاطفة في علاقتنا مع أبنائنا
   في هذا الموضوع نتحدث عن علاقة الآباء بالأبناء، فنتحدث عن الأب والأُم، ونتحدث عن الشاب والفتاة، وعن أصل العلاقة، وعما يجمعهم، وعن اللغة التي نتحدث بها مع بعضنا البعض، وهل اللغة التي نتحدث بها مع أولادنا هي لغة المنطق؟ بالطبع، يجب أن نتطرق إلى هذا الأمر، وإذا لم يقلها الأب فمن يقولها؟ وإذا لم يوجه الأب أبناءه فمن يوجههم؟ الهدف الأساسي من هذا الموضوع إرساء قاعدة أنّ اللغة الأساسية التي يجب أن نبدأ بها هي لغة العاطفة، ثمّ بعدها أي شيء آخر تريده: لغة العقل، لغة المنطق، لغة المصلحة.. إلخ. لكن الذي نبدأ به هو لغة القلب، ففي القلب شيء يحدث، فيساعد العقل على الاستيعاب. وعلى الرغم من أنّ هذا المقال موجّه إلى الآباء والأُمّهات، إلا أنّه يخاطب الشباب أيضاً، ونسأله: أين هي عاطفتك لأبيك وأمك؟ ولماذا أغلقت قلبك تجاههما ووضعت سدّاً بينكم؟ فلتذهب إلى أمك ولتحتضنها وتقبّل رأسها، وتدللها بكلمات حلوة. لماذا يا إخوتي نكبت عواطفنا، وكأننا قذفناها منذ زمن في بئر عميقة؟ نحن اليوم نريد أن نقول إن أكثر ما يحرك العلاقات الإنسانية هو العاطفة. ولو أنك حاولت استخدام العقل والمنطق والمصلحة فقط، فلن تنجح. والدليل أن هذه الطرق لم تأتِ بنتائج مع أولادنا. فحاول يا أخي استخدام العاطفة. حاول ولو مئة مرة، فمن دون "الطبطَبة"، ومن دون عبارة "أنا أحبك يا بني"، ومن دون عبارة "أنا أحبك يا أبي"، ينقصنا الكثير. سبحان الله، فكأن الحضارة تتقدم والعاطفة تتراجع، كأنّ العاطفة لا تصلح إلا للحبيبة، أو العشيقة، ونسينا أنّ الله سبحانه وتعالى خلق الأسرة لتكون مكاناً لتفريغ هذه العواطف. فالهدف الذي خلقنا الله من أجله هو إصلاح الأرض. والله كريم رحيم، يعلم أن مهمة الأرض شاقة للغاية، والسماوات والأرض أشفقن منها، ففيها الخير والشر وإبليس، فأنشأ الله لنا شيئاً ليكون سكناً لنا وطمأنينة فقال سبحانه: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا..) (النحل/ 80). وطالما غرسنا في قلوبنا حب بعضنا البعض، وأنشأنا عاطفة رباعية: زوجان يحبان بعضهما البعض، أم تحب أولادها، أبٌ يحب أولاده، أولاد يحبون آباءهم فستتوافر لنا الراحة في مواجهة متاعب الحياة. وهذه قاعدة مدروسة منذ أيام آدم وحتى تقوم الساعة. وهذه المشاعر الأربعة مغروسة في الكائن البشري مادامت الشمس تطلع من المشرق وتغرب من المغرب. أضرب لكم مثلاً بشاب عمره ثمانية عشر عاماً، لديه قدر كبير من المشاعر والعواطف. ولظروف معينة لا يستطيع أن يتزوج. فلولا وجود الكيان المسمى الأسرة لاتجهت هذه المشاعر إلى الحرام. فبوجود الأسرة يستشعر دفئاً عاطفياً حتى يحين ميعاد زواجه. فبعض هذه المشاعر وليس كلها بالطبع، تكون موجهة داخل الأسرة، جزء منها للأُم، وجزء للأب والأخت والعم والخال. ولنتدارس معاً بعض الحوارات التي تدور بين الآباء والأبناء، حيث يقول الأب لابنه: "عندما كنا في مثل عمرك لن نكن نتصرف تصرفاتك هذه، كنا ندرك أين هي مصلحتنا. بالتالي نهتم بدروسنا، بينما أنت لا تستذكر دروسك لأنك لا تعي مصلحتك. وعلى فكرة، إذا نجحت فستنجح لنفسك، وأنا لن أستفيد من مذاكرتك شيئاً. فأنت الذي سيذاكر، وأنت الذي سيستفيد". وها هم الشباب يضحكون بينما كل كلمة قالها الأب صحيحة. فهو هنا تحدث مع ابنه بلغة المصلحة، ويجب عليه أن ينصح ابنه وإلا من سيفعل غيره؟ يقول الله عزّ وجلّ: (.. قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا...) (التحريم/ 6). فالكائن الوحيد الذي تمتد فترة تربيته إلى أكثر من عشر سنوات هو الإنسان. وانظر معي إلى بقية المخلوقات: شبل الأسد مثلاً يصبح قادراً على الصيد بعد سنة واحدة فقط، يصبح بعدها حرّاً، بينما الإنسان يستغرق عاماً ليتعلم الحبو، وآخر ليتعلم المشي، وهكذا. والسبب وراء مدة التربية الطويلة هذه احتياجه إلى شريط من الذكريات التي يعيشها مع الأسرة، التي ستمده بالحنان والعطف وعدم القسوة، لأنّه المخلوق المكلف بإصلاح الأرض. أمّا الابن فلن يرد على أبيه، لكنه سيحادث نفسه قائلاً: "ومن أخبرك أنني أريد أن أنجح؟ لا فرق عندي بين النجاح والرسوب". إذن، هناك شيء مفقود، فهذا النصح يجب أن يقال للابن حتى وإن لم يعجبه. لكن النقطة التي نتحدث عنها: كيف نقول هذا النصح؟ وبأي ترتيب؟ لذا يجب أن ننتبه للغة العاطفة في كلامنا. فإذا كنا نرفض من الابن حين نصحه أبوه بأن يقول حتى في نفسه: "أف، سيعطيني أبي محاضرة الآن"، فنحن أيضاً نرفض من الأب اللغة التي استعملها في حواره مع ابنه. مثال آخر للحوال: يقول أب لابنه: "أنا حريص على أن أمدك بالكثير من الخيرات التي لديّ، ولديك فرصة ذهبية لتستفيد منها، لكنك للأسف لا تفعل بل تلهو". إن كل كلمة قالها الأب صحيحة، لكنها أيضاً لغة العقل والمنطق والمصلحة، والمطلوب هذه الكلمات نفسها، لكن مغلفة بالعاطفة. مثال آخر للحوار: أم تقول لابنتها: "أنا لا يعجبني التصاقكِ ببصديقاتكِ هؤلاء، وأراهنكِ أنكِ لن تنجحي وأنتِ مستمرة في صداقتكِ مع فلانة". كل كلمة قالتها الأُم صحيحة. فهذه صديقة ستضيع ابنتها. لكن الفكرة: كيف تبدأ الحديث؟ وكيف تتحدث في هذا الأمر مع ابنتها التي ردت: "أصحابي ويعجبونني"، أو قد تكون قالت في نفسها: "ومن كنتِ يا أمي تصادقين وأنت في مثل سني؟" حتى هذا الكلام مع النفس حرام. لذا، ضع يدك في يد أبيك، وادعم كل صور العاطفة مع والديك. فلو جعلنا لغة العاطفة الرقم واحد في علاقاتنا مع أبنائنا، ستحل لنا مئات المشاكل، وتذيب الخلافات، فتبدأ الفضفضة، ويظهر الأب الصديق، ويصبح الاحترام والتقدير متبادلين، ويزيد الحب، وتصبح البيوت كما خلقها الله لتكون الجنة في بيوتنا فعلاً. فلنتفق جميعاً، على أن نغير المفتاح، وأن نبدأ بالعاطفة، والشباب أقدر مني على إصلاح هذه النقطة. أقول لكل شاب: مدّ يدك إلى أمك وأبيك، قبّلهما، قبّل أيديهما، اعرض عليهما الخروج للمشي معاً في يوم من الأيام. قل لهما: منذ زمن أريد أن أصحبكما معي، اعبد ربنا لعلّه يغفر لك بتقبيلك يد أم أو أب، بفتحك قلبك لهما. وفي النهاية، نلخّص ما سبق كله بتوجيه كلمة للآباء والأُمّهات في التعامل مع الشباب: إن قاعدة اليوم ليعود التآلف الأسري، هي لغة العاطفة قبل لغة العقل.

ارسال التعليق

Top