• ١٦ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

منغصات النوم الهادئ

منغصات النوم الهادئ

يتيح النوم استرجاع القوى، وشحن (بطارية الجسد)، وإزالة التعب والتخلص من القلق. لكنّه، أحياناً، يشكّل على العكس مناسبة للإنهاك ومفاقمة الإرهاق. إلّا أنّ بالإمكان تلافي تلك المنغصات، بفضل تقنيات ونصائح طبية معيّنة. لا يندر أن تستيقظ، فتجد نفسك، بعكس المطلوب، متعباً أكثر مما كنت قبل النوم. والسبب: للنوم منغصات خبيثة، تهاجمك أثناءه، فتعوق الاستفادة من ساعات السعادة تلك. ومنها: الشخير واصطكاك الأسنان والتعرّق الليلي. لكن، لحسن الحظ، ثمّة وسائل للتغلّب على تلك المنغصات، وجعل النوم مجدداً لحظات هناء ورغد واستراحة وفائدة. ومن الضروري، والحال تلك، تحديد سبب اضطراب نومك، من أجل التغلب عليه.

فصحيح أنّ أهم العوامل تتمثل في القلق والـ"ستريس" والتخوف من الأرق، الذي يؤدي إلى... الأرق. لكنها ليست الوحيدة المسببة لنوم غير هانئ. إذ ثمّة عوامل أخرى، لا ننتبه إليها كثيراً. هكذا، ربّما لا نحفل بها، بينما يحسن معرفتها للتغلب عليها:

-  أوّلاً: الشخير وانقطاع التنفس:

انقطاع التنفس، أو الـ"بُهر"، حالة تصيب الكثيرين من وقت إلى آخر أثناء النوم. إنّما بشكل طفيف. وتزداد عند النساء في فترة انقطاع الطمث. وعند انقطاع تنفس حقيقي، يستيقظ النائم لـ30 ثانية. وأظهرت تجارب أنّ البعض يستيقظ حتى 200 مرّة أثناء الليل، لمدة خاطفة: نحو 10 ثوانٍ كلّ مرّة. والنتيجة: شعور بالتعب طوال اليوم، وعدم التركيز، وهبوط الذاكرة. كما يؤدي نقص إمداد الأكسجين إلى إنهاك القلب والدماغ. إلّا أنّ انقطاع التنفس الحقيقي، لحسن الحظ، لا يشمل سوى 30 في المئة من الشخيرين. المشكلة: كيف نعرف أنّنا من المعنيين أم لا؟ في الواقع، الشريك هو "المرجع" الوحيد. ففي عز الليل، يلاحظ عدم تنفس شريكته (أو شريكها) منذ مدة، أحياناً دقيقة بأكملها، فيهزها (أو تهزه) لاستعادة نفسه. وفي الصباح، ربّما يرويان ما حصل أثناء النوم.

كيف التصرف؟ من المجدي جدّاً فقدان الوزن. فكلما ارتفع الوزن، أصبحت قاعدة اللسان أكثر سُمكاً، ما يعيق انسيابية دخول الهواء وخروجه. وهناك وسائل لتخفيف الشخير، تباع في الصيدليات على شكل قارصات أنفية وأشرطة خاصّة. وفي الحالات القصوى، قد يصبح ضرورياً إجراء عملية جراحية، تقليدية أو بالليزر. وأحياناً تأتي بنتائج طيبة في البداية، ثمّ ما يلبث أن ينتكس المصاب.

كما يشار إلى تقنية "الضغط الإيجابي": وضع قناع خاص أثناء النوم، لتسهيل التنفس. وطبعاً، يؤدي الكحول إلى مضاعفة الشخير ومفاقمة انقطاع التنفس. والتدخين أيضاً يخدش سقف الحلق، فيفاقم الشخير، ومعه انقطاع التنفس.

-   ثانياً: التعرّق الليلي:

لا يندر أن نعرق أثناء النوم، لدرجة تستلزم "تبريد" الجسد، وأحياناً ربّما حتى تبديل الشراشف.

كيف التصرُّف؟ يُنصح بارتداء ملابس خفيفة (مثلاً "دشداشة" قطنية، وليس بيجاما صوفية)، والتغطي بـ"لحاف" قطني بدلاً من بطانية سميكة. ولتبريد الجسم، يمكن تمرير قفاز مبلل، ووضع مصدر لنفث الماء (كنافورة صغيرة). أحياناً، يأتي التعرّق الليلي لأسباب نفسية، كالقلق والصدمات العاطفية. فالليل مناسبة لأحلام مزعجة، تؤدي إلى رفع الحرارة والتعرّق. وليس ذلك أمراً مقلقاً، إذ قد يحصل أحياناً لأيٍّ كان، بشكل طبيعي، في حال تقلُّب الأمور الحياتية وتزايد الهموم والتخوف من أوضاع جديدة (مهنية، عاطفية، عائلية، وزوجية، دراسية.. إلخ). إلى ذلك، ثمّة أدوية ترفع التعرّق ليلاً، كتلك المستخدمة لحجب مادة "بيتا"، وتلك التي تضم مركبات "كورتيكوئيد"، وبخاخات "فنتولين" للمصابين بالربو، وبعض المنوّمات. وطبعاً، يسهم العشاء الدسم الثقيل إسهاماً كبيراً في التعرّق الليلي.

لكن التعرّق الليلي يصيب كثيراً السيدات في سن انقطاع الطمث. في هذه الحال، ينبغي التفكير في علاج هرموني، يقضي على ارتفاع درجة الحرارة المباغت ليلاً. وهو علاج فاعل عموماً. وهناك أيضاً مركبات غذائية (على شكل حبوب) تعين على خفض الحرارة والـ"ستريس" والأرق (يمكن الاستفسار عنها لدى محلات التغذية، إذ تختلف أسماؤها من بلد إلى آخر).

-   ثالثاً: الحموضة المعوية:

وضع النوم الأفقي يُسهل "صعود" الحموضة المعوية نحو الحلق، بطعمها غير المحبب، ما قد يفضي إلى إيقاظ النائم.

كيف التصرُّف؟ ينصح بـ:

1- رفع مستوى السرير من جهة الرأس 10 سنتيمترات بالقياس إلى الرجلين.

2-  تناول عشاء خفيف، وتوخي مضغ الطعام جيِّداً أثناءه، وتفادي الأغذية التي تعلم مسبقاً عدم تقبل جسدك لها.

3- ترك التدخين، الذي يتسبب في الحموضة.

4- عدم شرب أي مشروبات غازية في المساء (حتى المياه الطبيعة الغازية).

5- إن كانت الحموضة من وقت إلى آخر، يمكن أخذ حبة مضادة للحموضة، مثل "مالوكس" و"نيوغاسترو". أمّا إذا كانت متكررة، فيمكن سؤال الصيدلي عن أدوية أكثر فاعلية، تباع من دون وصفة طبية. لكن، بعد سن 60، إذا استمرت الحموضة الليلية 15 يوماً متواصلاً وأكثر، فمن الضروري استشارة الطبيب، لاسيما إذا كانت مصحوبة بشعور بالتعب والإرهاق.

-         رابعاً: تشنج الساق:

يحدث أحياناً، في عز الليل، أن تتشنج عضلات إحدى الساقين، ما يؤدي إلى أوجاع مبرحة، تنتشر ربّما إلى القدمين أو الفخذين.

كيف التصرُّف؟ ينصب أكثر التفسيرات شيوعاً لتشنج عضلات الساق ليلاً على القول إنّه نتيجة نقص في المغنيسيوم والفوسفور والكالسيوم. وفي إمكان الطبيب التوصل إلى استنتاجات أكثر دقة من خلال تحليل الدم. لكن، في الانتظار، يُنصح بالإكثار من تناول الحبوب (لاسيما بالدقيق الكامل، مع النخالة) والـ(أفوكادو والمشمش المجفف أو طرشانة والموز وعصير البرتقال الطازج). كما ينفع شرب المياه الطبيعية الغنية بالمعادن، والمشي قليلاً مساءً، لتنشيط الدورة الدموية. وهناك أيضاً وصفة شعبية: أخذ حبة أسبرين مساءً، ثمّ الغطس في حمام ساخن.

وإن تكرر التشنج، يجب استشارة الطبيب، إذ قد يكون ناجماً عن قصور في أعصاب الرجلين. إلى ذلك، يعانيه المصابون بالسكري، الذين يوصف لهم دواء خاص، يسمى "ليريكا". وأثناء التشنج، لا مناص من دق القدم على سطح صلد، أو سحب أصابع القدم بشدة نحو الساق. العملية موجعة، لكنّها الحل الوحيد.

-         خامساً: النهوض بكثرة للتبول:

مع التقدم في السن، ترتفع وتيرة تكوين الإدرار في الليل بسبب تقلص حجم المثانة. وطبعاً، من الأفضل النوم دفعة واحدة. لكن النهوض مرّة ثانية في الليل للتبول ليس مقلقاً. أمّا إذا تكرر بضع مرات، فيؤدي إلى كسر وتيرة النوم، وربّما عدم القدرة على النوم مجدداً بسرعة.

كيف التصرُّف؟ ينبغي الحرص على تقليل تناول السوائل بعد السادسة مساءً، مع عدّ الحساء (الشوربة) في قائمة السوائل. كما يجب عدم نسيان التبول قبل الخلود إلى النوم. فإن لم ينفع، يبقى خيار استشارة الطبيب، الذي قد يصف بعض الأدوية، وربّما أيضاً جلسات تدليك طبي لتعزيز عضلات العجان (بين المخرج والمثانة)، التي يؤدي ترهلها إلى الإكثار من التبول، بينما تتيح تقويتها السيطرة على الإدرار، بالتالي تمضية الليل من دون ضرورة إلى النهوض مراراً.

-         سادساً: اصطكاك القدمين:

10  في المئة من الأشخاص مصابون بما يسمى "متلازمة إيكبوم Ekbom"، والنساء ضعف الرجال. تلك الحالة، التي تتفاقم حتى سن الـ64 ثم تضمحل، تدعى أيضاً "داء الرجلين غير الراكدتين". فببساطة، تتمثل في تحركهما أثناء النوم، فـ"تتلاطم" القدمان، و"تصطكان" الواحدة بالأخرى. وأحياناً، يحصل الأمر مع الذراعين أيضاً. في أي حال، لا يساعد ذلك على الركود، ويعيق النوم. ويحس المصاب بالرغبة في النهوض لتهدئة أطرافه. لكنّه، بعد أن يغفو أخيراً، يستمر في تحريك قدميه بصورة طفيفة، غير محسوسة، فيستيقظ لوهلة قصيرة جدّاً، بحيث لا ينتبه إليها. هكذا، تؤدي هذه العقبة أمام النوم إلى تهشيم ساعات النوم بخبث وصمت. وثمّة عوامل وراثية لهذا الداء، لكن أيضاً عوامل مساعدة: منها فقر الدم وإختلال عملية امتصاص الحديد وتمثيله في الجسم، وتناول بعض الأدوية المهدّئة والمسكنة.

كيف التصرُّف؟ لابدّ من استشارة الطبيب. فهذا اختلال عصبي المنشأ، لا تزال آليته مبهمة. على العموم، يصف الطبيب حبوباً تضم الحديد، وربّما أدوية تخفف حدة المشكلة (مثل "أدارتريل" و"سيفرول").

- سابعاً: اصطكاك الأسنان:

أحياناً، يصك البعض أسنانه أثناء النوم من دون شعور، أو يضغط على كفيه بقوّة. ويجرّ ذلك إلى اضطراب النوم، وآلام في الفكين والرقبة والكتفين، وقضم الأسنان، وربّما تشوه الفكين إن دامت الحالة، وانتفاخ عضلات أسفل الوجه بحيث يمكن، في الحالات القصوى، أن ينجم عنها تشويه الوجه جمالياً. وهنا أيضاً، مثل انقطاع التنفس، الشريك هو الذي ينتبه إلى الأمر. فالمصاب لا يدرك إصابته.

كيف التصرُّف؟ يمكن أن تزول المشكلة من تلقاء نفسها. في الانتظار، حري بالمصاب ممارسة كلّ ما من شأنه يحفز على الاسترخاء كاليوغا والتأمُّل والرياضة (إنما عصراً، لا مساءً). وهناك أيضاً أدوية نباتية، تعين على الاسترخاء. إلى ذلك، يشار إلى تقنية جديدة: حقن مادة "بوتوكس" التجميلية في عضلات الخدّين. لكن، ينبغي إجراء العملية من قبل جراح تجميل أو أخصائي الفم والحنك. وهناك تقنيات طبية أخرى، تنصب على وضع "مزاريب" خاصّة أثناء النوم، تمنع الأسنان من الاصطكاك. وثمّة تقنية حديثة العهد، لم تصل إلينا، بعد تدعى "إن تي آي NTI"، تتيح عزل الأنياب فقط بوساطة قطعة عزل شفافة، ما يؤدي إلى استرخاء الفكين، والقضاء على اصطكاك الأسنان والفكين أثناء النوم.

الكاتب: محمد عبود السعدي

ارسال التعليق

Top