• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

هل يجب قول كل شيء للأصدقاء؟

هل يجب قول كل شيء للأصدقاء؟
البَوح الصريح قد يُدمّر العلاقة زوجها يخونها ابنها المراهق يدخن، وزنها أصبح زائداً. أحياناً تشعر الصديقة برغبة في أن تصارح صديقتها الحميمة بالحقيقة حتى لو كانت مرة. تخبرها لمصلحتها، كما تعتقد، لأنّها تحبها. لكن هل هذا التصرف صحيح دائماً؟ "ذات يوم تحرّش بي بشكل واضح خطيب سلمى، وهي واحدة من أعز صديقاتي. في اليوم التالي ذهبت إلى كارولين وأخبرتها وحذرتها منه. من وجهة نظري، لم أتردد لحظة في أن أخبرها، لأنّ هذا هو التصرف الصحيح في نظري، فلا توجد بيني وبينها أسرار. عندما أخبرتها، بقيت مذهولة، ثمّ شكرتني على صراحتي. ولكن وفي اليوم التالي اتصلت بي وقالت إنها تمنعني من الاقتراب من خطيبها من الآن فصاعداً. في تلك الليلة، لم أستطع النوم فقد كان الأمر صدمة بالنسبة إليّ". هكذا تحكي مريم (34 سنة)، قصتها مع صديقتها سلمى. فقد تعلمت من هذه التجربة أنّه حتى عندما لا يكون الدافع وراء إخبار الآخر إلا الرغبة في المصارحة والشفافية، فإن قول كل شيء قد يُدمّر العلاقة. وبعيداً عن هذا المثال الواقعي، نطرح السؤال الأساسي: هل يمكن، باسم الصداقة، أن نقول كل شيء للأصدقاء؟ الجواب هو الآتي: إنّ قول الحقيقة للأصدقاء ليس قاعدة لا تقبل الاستثناء، ليس لأن هناك أشياء يمكن أن تُقال وهناك أشياء لا يجب أن تُقال، بل لأنّ الأمر يتعلق بمدى براءتنا، ونحن نخبر الآخر بالحقيقة. يجب أن نتساءل: ما الذي يختبئ وراء حرصنا على أن نقول كل شيء للأصدقاء؟ تقول كاثرين إيملي بيريسول، (معالجة نفسية): "حتى عندما نقول بعض الأشياء بدافع الإخلاص، فإنّ الهدف منها يكون تصفية بعض الحسابات أحياناً. فهناك ما نقوله للطرف الآخر وهناك ما نقوله عن أنفسنا". عندما تخبرين صديقة مثلاً عن خيانة زوجها، فإن ذلك قد يكون استجابة للحاجة التي كنت ستشعرين بها أنت لو كنت أنت مكانها". وتضيف المعالجة النفسية: "من جهة أخرى، قد يكون ذلك طريقة لكسب بعض السلطة، ولكي تَظهري بمظهر (المحررة)". من المهم قبل أن تنطقي بما تريدين إخبار صديقتك به أن تسألي نفسك: هل هي قادرة على تقبُّل "الحقيقة" التي سنكشفها لها الآن؟ "على الصداقة أيضاً أن تحترم حرية الآخر". تقول الكاتبة جاكلين كيلين، لافتةً إلى أنّ "حرّية صديقتك قد تعني قصد تجاهل خيانة زوجها أو كذب ابنها أو زيادة وزنها. إن اتخاذك القرار قول الحقيقة للآخر، قد يكون أحياناً عبارة عن تدخل في حياته ليس أكثر".   - نحن نفرض حقيقتنا: تتساءل جاكلين كيلين: "أليس من ضمن تعريف الصداقة، تلك المساحة من الراحة التي توفرها لنا؟". إنّ واجبنا الأوّل تجاه الآخر أوّلاً، هو حمايته وليس أن نفرض عليه حقيقةً اختار أن يتجاهلها. يمكنكِ أن تساعدي صديقتك على الوصول إلى الحقيقة بنفسها، من خلال طرح الأسئلة، والإنصات إليها. مثلاً، قولي لصديقتك: "ألا تجدين أن زوجك يغيب كثيراً عن المنزل هذه الأيام؟". وهذا السؤال بالطبع سيكون أخف وقْعَاً عليها من أن تقولي لها: "لقد رأيت زوجك بصحبة امرأة أخرى.. إنّه يخونك". كما يمكنك أيضاً أن تبدئي في ترك بعض المسافة بينك وبين صديقتك، بحيث تدفعينها إلى التساؤل عن سبب التباعُد الذي حصل بينكما. إنّها طريقة فعالة لكي نُحرّز أنفسنا من ثقل معرفة أشياء، الآخر يجهلها، من دون أن يكون عليك البوح بالحقيقة بلسانك. كما أنّها أيضاً طريقة لكي تضعي صديقتك على الطريق الصحيح، وتحويلها إلى باحثة عن الحقيقة.  

 

- نتحدث لأجل أنفسنا:

"يمكن للبوح أن يبدو مشروعاً إذا كان مَن يتكلم يعترف بأنّه يبوح من أجل نفسه أيضاً". تقول الأخصائية النفسية كارول أزولاي. وتضيف: "يمكن أن يكون هذا صعباً، لكنك عندما تتحملين المسؤولية عن أقوالك، فإنّك تساعدين الطرف الآخر على ألّا يجد نفسه وحده في مواجهة الحقيقة". وبمعنى آخر، كانت مريم لتكون قد تصرفت بشكل أفضل مع صديقتها سلمى لو قالت لها: "ما كنت لأتحمّل ثقل السر على قلبي لو كنت صمتُّ ولم أخبرك بما فعله خطيبك، لم يكن في إمكاني أن أنظر إلى وجهك وأنا أخفي عنك سراً". كان سيكون ذلك أفضل من أن تلقي القنبلة في وجهها من دون مقدمات. فأن نكون أصدقاء، لا يعني أن نُخبئ في صدورنا ما نعرف، فقط لكي لا نجرح الطرف الآخر. لكن علينا ألا ننسى أن احترام الطرف الآخر هو شرط من شروط الصداقة. أحياناً، يكون الحضور الصامت أفضل وأبلَغ وقْعَاً من الخطابات الطويلة. "نحن للأسف ننتظر دائماً من الكلام أن يعطينا ما لا يمكنه دائماً أن يعطيه لنا" تقول أزولاي.   - الآخر أسير مشاعرنا: صداقات كثيرة تقوم على تيّار من الكلام ليس كله مُسيطَراً عليه ومدروساً. وتحت ذريعة التحدّث إلى أذن الصديقة المنصتة والمهتمة، بعض السيدات يتركن لأنفسهنّ العنان لكي يخبرن صديقاتهنّ بأي شيء وكل شيء مهما يكن تافهاً. "نحن نبحث أحياناً في الصداقة عن شيء افتقدناه في الطفولة"، تقول المحللة النفسية كاثرين إيملي بيريسول. وتضيف: "هذه الرغبة تدفع بعض الناس إلى الخلط بين الصديق والمعالج النفسي، وهو ما يمكن أن يكون من الصعب تدبيره، بالنسبة إلى شخص يلعب دور الشخص الموثوق أو الصدر الحنون". استعمال الآخر كمستقبل (بكسر الباء)، يعني بشكل ما أنك تجعله أسيراً لمشاعرك. وتنصحنا كاثرين بضرورة مُساءَلة الذات حول ما الذي ننتظره فعلاً من صديقة؟

ارسال التعليق

Top