• ٢ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٣ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

أسرار الجهاز العصبي في الإنسان

د. لطفي الشربيني

أسرار الجهاز العصبي في الإنسان

◄تركيب ووظائف المخ في الإنسان

مخ الإنسان.. حقائق وأرقام:

لا يتعدى وزن المخ في المتوسط 1200 جرام، أي أكثر قليلاً من الكيلوجرام ويعني ذلك أنّه يشكل حوالي 2% من الوزن الإجمالي لجسم الإنسان كلّه، ورغم ذلك فإنّه نظراً لأهمية وطبيعة وظائفه يحصل على أكثر من 15% من غذاء الإنسان عن طريق الدورة الدموية!

ونظراً لأهمية المخ الخاصة أيضاً فإنّ حمايته من المؤثرات الخارجية مكفولة بنظام قوي من صنع الخالق سبحانه وتعالى، فهو محاط بعظام الجمجمة الصلبة، أو بقية الجهاز العصبي المركزي وهي النخاع الشوكي فإنّ حمايته تكفلها عظام العمود الفقري التي تحيط به، ويبلغ حجم الجمجمة للإنسان 1500 سم 3 تقريباً، ويوجد بداخلها المخ يحيط به السائل المخي وكميته حوالي 150 سم 3 ويتكون المخ بصفة رئيسية من نصفي كرة، والجزء الأهم هو القشرة أو الطبقة السطحية لنصفي الكرة حيث يتوقف على مكوناتها من الخلايا كياننا كآدميين نعقل ونفكر ونتحكم، ورغم أنّ حجم المخ صغير نسبياً فإنّ الكثير من التلافيف تزيد من مساحة سطح المخ والقشرة التي ذكرناها لتصل إلى مساحة 1600 مم 2 مع أنّ سمكها لا يزيد عن 2.5 مم.

 

كيف يتغذى مخ الإنسان ليقوم بوظائفه؟

بداية نقول إنّ الإجابة على هذا السؤال ليست سهلة، فعلى الرغم من التقدم العلمي الهائل الذي حقق الكثير من الإنجازات في كلّ مجال فإنّ الغموض لا يزال يحيط بتركيب المخ والطريقة التي يؤدي بها وظائفه، وهناك الكثير من الأسرار لم يتوصل العلم إلى فهمها بعد، وسنذكر فيما يلي بعض الحقائق عن الطريقة التي يتغذى بها المخ ليقوم بوظائفه.

إنّ طبيعة عمل المخ وأهميته تتطلب أن يتوفر له ما يحتاجه من تغذية بالدم والأكسجين بالدرجة الأولى قبل بقية أعضاء الجسم والأنسجة الأخرى، ويقوم بذلك نظام من الأوعية الدموية تعمل تحت مراقبة عدد كبير من الإشارات التي يصدرها المخ أيضاً لضمان استمرار هذه العملية وتصحيح أي خلل فيها بصورة فورية، ولنا أن نتصور دقة هذه العملية إذا علمنا أنّ الدم يتدفق بكمية أكبر من المعتاد إلى أماكن معينة في المخ في أثناء التفكير العميق عند حل إحدى المسائل المعقدة مثلاً.. كما أنّ الأرقام تؤكد أنّ طول الأوعية الدموية الشعرية الدقيقة في 1مم 3 من المخ يصل إلى 1400 مم، أما مساحة سطح جدران هذه الأوعية متساوي 500 مم 2، فإذا افترضنا أنّنا سوف نقوم بمد هذه الأوعية الدموية الدقيقة في مخ الإنسان في خط واحد مستقيم فإنّها سوف تبلغ 1120 كيلومتراً.. أي ما يزيد على المسافة من الإسكندرية إلى أسوان، وأكثر من المسافة بين القاهرة والقدس!!!

والأوعية الدموية التي تغذي المخ لها تركيب خاص معقد للغاية، فكلّ وعاء منها له ما يشبه الإدارة الخاصة حيث يلتقى أوامر من مراكز في الجهاز العصبي تستقبلها مراكز أخرى في جدران الأوعية ذاتها، وتحمل الإشارات أوامر لهذه الأوعية بأن تتسع أو تتقلص عن طريق عضلات دقيقة بحيث تقل أو تزداد كمية الدم التي تتدفق فيها لتغذي المخ ككلّ أو لكلّ منطقة منه على حدة..

بقي أن نعرف أنّ هذه المنظومة الهائلة من أوعية الدم التي تغذي مخ الإنسان يمرّ خلالها ما لا يقل عن ¾ لتر من الدم كلّ دقيقة.. وبحسبة بسيطة نجد أنّ الدم الذي يصل إلى المخ يزيد على كمية متر مكعب في اليوم الواحد!!

 

كيف يؤدي المخ عمله؟

دخلنا الآن إلى منطقة أكثر صعوبة، ولا أستطيع أن أزعم أنّ العلم قد توصل إلى الشيء الكثير في مجال كشف وفهم الطريقة التي يؤدي بها المخ عمله، فالأمور التي لم يتوصل الطب إلى إدراكها أكثر من تلك التي تم التوصل إليها حتى وقتنا هذا ولكي نتصور معاً الإعجاز الهائل في أداء المخ لوظيفته تخيل معي أنّنا أحضرنا عدداً كبيراًجدّاً من الموظفين ووضعناهم جميعاً في غرفة ضيقة جدّاً وطلبنا من كلّ منهم أن يقوم بعمله دون أن يتأثر بمن حوله، إنّ ذلك بغير شك شيء مستحيل وغير ممكن فلابدّ في وضع كهذا من حدوث كثير من التداخلات والفوضى.. قارن معي ما يحدث داخل مخ الإنسان..

إنّ مخ الإنسان يتكوّن من الخلايا العصبية ويبلغ عددها من 50 إلى 100 مليار خلية، وهذه هي الوحدات التركيبية والوظيفية التي يقوم كلّ منها بعمل محدّد في تنسيق مع بعضها البعض، وهذه جميعاً تزدحم في حيز ضيق محدود فكيف إذن تقوم كلّ منها بوظيفتها دون فوضى أو تداخل، ذلك إعجاز من صنع الخالق سبحانه وتعالى.

أما كيف يتم التفاهم والتنسق بين هذه المليارات من الخلايا حتى لا يحدث تضارب في ما يصدر عنها من إشارات، فإنّ ذلك يتم عن طريق انتقال المؤثرات فيما بين الخلايا العصبية في اتجاهات محدودة وفق نظام دقيق، وذلك عن طريق مواد كيميائية طبيعية يفرزها المخ وتسمى الموصلات العصبية، وينتج عن ذلك انتشار موجات كهروكيميائية هي في الواقع شحنات كهربائية دقيقة تعطي إشارة تنتقل في اتجاهات معينة لأداء وظيفة ما.

 

المخ.. والكمبيوتر:

لعل ما ذكرت هنا من حقائق وأرقام عن مخ الإنسان والنبذة التي تعرضنا لها حول وظيفته وتركيبه المعقد هو ما يدفع البعض أحياناً إلى المقارنة بين العمليات العقلية التي يؤديها المخ وتلك التي يقوم بها ذلك الجهاز المتقدم الذي توصل إليه العلم والاختراع وهو الكمبيوتر أو الحاسب الآلي والذي يقوم بإنجاز عمليات حسابية هائلة في وقت قياسي.

ولقد كانت المقارنة على الدوام في صالح الإنسان من حيث إمكاناته وقدراته الهائلة على التعامل مع جميع العمليات العقلية، ومن حيث الذاكرة والذكاء والقدرة على الاختيار والتمييز، وقد وجد أنّ الحاسب الآلي الذي يمكنه أن يؤدي بعض العمليات العقلية المماثلة لقدرات المخ البشري لابدّ أن يكون حجمه هائلاً للغاية بالمقارنة لحجم المخ الصغير داخل الجمجمة، وربما كان وجه الشبه بين مخ الإنسان والكمبيوتر هو أنّ أخطاء البرمجة أو خلل الكمبيوتر تؤدي إلى نتائج غير سليمة في أداء الكمبيوتر، وكذلك فإنّ المؤثرات الخارجية والخلل العضوي في وظيفة المخ قد يؤدي إلى ظهور أعراض الأمراض العصبية والنفسية مثل حالات الاكتئاب، والفصام العقلي، والصرع.

وحين نتأمل هذه الحقائق والأرقام حول تركيب المخ والجهاز العصبي في الإنسان والوظائف العقلية المعقدة التي يقوم بها لابدّ أن يزداد إيماننا بقدرة الخالق العظيم.►

 

المصدر: كتاب الزهايمر (مرض.. أرذل العمل)

ارسال التعليق

Top