• ١ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٢ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

أولوا الألباب علامات وآيات في القرآن

السيد عادل العلوي

أولوا الألباب علامات وآيات في القرآن

◄لكلّ شيء علامة يعرف بها، ولأُولى الألباب علامات وآيات، ومن أبرزها وأتمّها كما في القرآن الكريم من سورة آل عمران آية 7-8.

1-  ذكر الله على كلّ حال وفي جميع الأحوال، فلا يغفل عن ربّه طرفة عين، ويرى العالم أنّه محضر الله سبحانه فلا يعصيه، ولا يسيء الأدب في حضوره ومحضره[1].

2-  التفكّر في الآيات الافاقيّة والآيات الأنفسيّة، وفي السموات والأرضين، ثمّ الدعاء والانقطاع إلى الله سبحانه (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا) (آل عمران/ 191)، والانتقال من الدنيا إلى الآخرة والخوف من عذاب الله سبحانه، فيكون ساعياً بين المبدء والمعاد كالحاج الساعي بين الصفا والمروة.

قال الصادق (ع): "تفكّر ساعة خير من عبادة سنة (إنّما يتذكّر أولو الألباب)"[2].

3-  استماع القول وأتباع الأحسن: فمن أوصافهم القرآنية أنّهم يستمعون القول فيتّبعون أحسنه، فهداهم الله وزادهم هدى.

في وصيّة الإمام الكاظم (ع) لهشام بن الحكم وصفته للعقل قال (ع): "يا هشام، إنّ الله سبحانه وتعالى بشّر أهل العقل والفهم في كتابه الكريم فقال عزّ وجلّ: (فَبَشِّرْ عِبَادِي * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الألْبَابِ) (الزمر/ 17-18)[3].

قال العلّامة المجلسي في بيان: المراد بالقول امّا القرآن أو مطلق المواعظ، فيتبعون أحسنه، أي إذا تردّدوا بين أمرين منهما لا يمكن الجمع بينهما يختارون أحسنهما، وعلى الأوّل يحتمل أن يكون المراد بالأحسن المحكمات، ويمكن أن يحمل القول على مطلق الكلام، إذ ما من قول حق إلّا وله ضدّ باطل، فإذا سمعها اختار الحقّ منهما، وعلى تقدير أن يكون المراد بالقول القرآن أو مطلق المواعظ يمكن إرجاع الضمير إلى المصدر المذكور ضمناً، أي: يتّبعونه أحسن اتّباع[4].

4-   التقوى والورع عن محارم الله سبحانه:

قال سبحانه: (وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الألْبَابِ) (البقرة/ 197).

(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الألْبَابِ) (آل عمران/ 7).

(أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ) (الرّعد/ 19).

(هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الألْبَابِ) (إبراهيم/ 52).

(كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ) (ص/ 29).

(وَوَهَبْنَا لَهُ (أيوب) أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لأولِي الألْبَابِ) (ص/ 43).

(أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ) (الزّمر/ 9).

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأولِي الألْبَابِ) (الزّمر/ 21).

(وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ * هُدًى وَذِكْرَى لأولِي الألْبَابِ * فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإبْكَارِ) (غافر/ 53-55).

(قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الألْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة/ 100).

(فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الألْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَسُولا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا) (الطلاق/ 10-11).

(وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الألْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة/ 179).

5-   العبرة والاعتبار:

(لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأولِي الألْبَابِ) (يوسف/ 111).

6-   اتيان الحكمة والذكرى والتذكّر:

(يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الألْبَابِ) (البقرة/ 269).

وفي حديث هشام بن الحكم قال الإمام الكاظم (ع) في وصف العقل والعقلاء: "يا هشام ثمّ ذكر أولى الألباب بأحسن الذكر، وحلّاهم بأحسن الحليّة، فقال: (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الألْبَابِ).

وقد ورد مدح ذوي الألباب في كتاب الله وفي السنّة النبويّة الشريفة ومنهاج الأئمّة الأطهار (ع) كثيراً.

عن الإمام الحسن بن عليّ (عليهما السلام) قال: "إذا طلبتم الحوائج فاطلبوها من أهلها" قيل: يابن رسول الله ومن أهلها؟ قال: الذين قصّ الله في كتابه وذكرهم فقال: إنّما يتذكّر أولوا الألباب قال: هم أولوا العقول[5].

قال الصادق (ع): "الحكمة ضياء المعرفة وميراث التقوى وثمرة الصدق، وما أنعم الله على عبدٍ من عباده نعمةً أنعم وأعظم وأرفع وأجزل وأبهى من الحكمة قال الله عزّ وجلّ: (يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الألْبَابِ)، أي لا يعلم ما أودعت وهيّأت في الحكمة إلّا من استخلصته لنفسي وخصصته بها، والحكمة هي الثبات، وصفة الثبات عند أوائل الأمور والوقوف عند عواقبها، وهو هادي خلق الله إلى الله تعالى، قال رسول الله (ص) لعليّ (ع): لأن يهدى الله على يديك عبداً من عباد الله خير لك ممّا طلعت عليه الشمس من مشارقها.

ثمّ أشار العلّامة المجلسي عند تعرّضه إلى مسألة البداء والأقوال فيه قائلاً: ثمّ إعلم إنّ الآيات والأخبار تدلّ على أنّ الله خلق لو حين أثبت فيهما ما يحدث من الكائنات أحدهما: اللوح المحفوظ الذي لا تغيّر فيه أصلاً، وهو مطابق لعلمه تعالى والآخر لوح المحو والإثبات، فيثبت فيه شيئاً ثمّ يمحوه لحكمٍ كثيرة، لا تخفى على أولى الألباب[6].

مثلاً يكتب فيه إنّ عمر زيد خمسون سنة، ومعناه إن مقتضى الحكمة أن يكون عمره كذا إذا لم يفعل ما قتضي طوله أو قصره، فإذا وصل الرحم مثلاً يمحى الخمسون ويكتب مكانه ستّون، وإذا قطعها يكتب مكانه أربعون، وفي اللوح المحفوظ انّه يصل وعمره ستّون.

وورد انّ المؤمن عند موته يعاين رسول الله وأهل بيته الأطهار – عليهم السلام – وفي حديث: فاقبل رسول الله على ملك الموت فيقول: يا ملك الموت استوصى بوصيّة الله في الإحسان إلى مولانا وخادمنا ومحبّنا ومؤثرنا فيقول له ملك الموت: يا رسول الله مُره أن ينظر إلى ما أعدّ الله له في الجنان، فيقول له رسول الله (ص): لينظر إلى العلو فينظر إلى ما لا يحيط به الألباب ولا يأتي عليه العدد والحساب[7].

وهذا يدلّ على أنّ في القيامة وفي الجنّة ما لم يخطر على العقول وأصحاب الألباب من النعيم الأبدي، ولا يخفى انّ محمّداً وآله الطاهرين هم أفضل ذوى الألباب[8] وانّ أمير المؤمنين عليّ (ع) المفضّل على أولى الألباب[9].

وفي البحار المجلّد 24 باب 41 انّ الأئمّة – عليهم السلام – العلماء في القرآن أولوا الألباب، وفي باب 12 حديثاً عن أبي جعفر (ع) في قوله عزّ وجلّ: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ) (الزّمر/ 9).

عن عقبة بن خالد قال: دخلت على أبي عبدالله (ع) فاذن لي وليس هو في مجلسه. فخرج علينا من جانب البيت من عند نسائه، وليس عليه جلباب، فلمّا نظر إلينا رحّب بنا، ثمّ جلس، ثمّ قال: أولوا الألباب في كتاب الله، قال الله: (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ) فأبشروا[10].

وبهذا القول نعلم انّ أولى الألباب وأصحاب العقول الخالصة والزكية يقفون على الحكم وأسرار الكون وحقائق الأُمور وواقع الأشياء في الجملة، وبهذا إمتازوا عن غيرهم بالحكمة والعدل وإنّهم عباد الله في قترات الرسل، يناجيهم الله في سرّهم، ويكلّمهم في ذات عقولهم، كما أشار إلى ذلك أمير المؤمنين عليّ (ع) في نهج بلاغته.

وتارة يطلق أولوا الألباب عليهم كما ورد عن الإمام الباقر (ع) في قوله تعالى: (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ)، الأئمة الذين غرس في قلوبهم العلم من ولد آدم[11].

وعن أمير المؤمنين عليّ (ع) في حديث: وكيف تهلك أُمّة أنا أوّلها، وأحد عشر من بعدي من السعداء وأُولوا الألباب والمسيح بن عيسى آخرها؟[12].

وقال رسول الله (ص): "كيف تهلك أُمّة أنا وعليّ وأحد عشر من ولدي أولوا الألباب أوّلها، والمسيح عيسى بن مريم آخرها؟ ولكن يهلك بين ذلك من لست منه وليس منّي"[13].

وفي الخبر المشتهر بتوحيد المفضّل بن عمرو في مقدمته قال: وصف النبيّ (ص) انّه كان فيلسوفاً ادّعى المرتبة العظمى والمنزلة الكبرى، وأتى على ذلك بمعجزات بهرت العقول، وضلّت فيها الأحلام، وغاصت الألباب على طلب علمها في بحار الفكر، فرجعت خاسئات وهي حسير، فلما استجاب لدعوته العقلاء والفصحاء والخطباء، دخل الناس في دينه أفواجاً، فقرن اسمه باسم ناموسه، فصار يهتف به على رؤوس الصوامع في جميع البلدان، والمواضع التي انتهت إليها دعوته، وعلت بها كلمته، وظهرت فيها حجّته، برّاً وبحراً، وسهلاً وجبلاً، في كلّ يوم وليلة خمس مرّات، مردداً في الأذان والإقامة ليتجدّد في كلّ ساعة ذكره لئلّا تُحمل أمره..[14].

وفي توحيد الله في الحديث عن الإمام الرضا (ع) قال: "إيّاك وقول الجهّال أهل العمى والضلال، الذين يزعمون أنّ الله جلّ وتقدّس موجود في الآخرة للحساب والثواب والعقاب، وليس بموجود في الدنيا للطاعة والرجاء، ولو كان في الوجود لله عزّ وجلّ نقص واهتضام، لم يوجد في الآخرة أبداً، ولكنّ القوم تاهوا وعموا وصمّوا عن الحقِّ من حيث لا يعلمون، وذلك قوله عزّ وجلّك: (وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلا) (الإسراء/ 72)، يعني أعمى عن الحقائق الموجودة، وقد علم ذووا الألباب أنّ الاستدلال على ما هنالك لا يكون إلّا بما ههنا..."[15].

الهوامش:


[1]- ذكرت تفصيل الذكر الإلهي في كتاب (الذكر الإلهي في المفهوم الإسلامي) مطبوع في الموسوعة الكبرى (رسالات إسلامية) المجلد الحادي عشر.

 

[2]- البحار: 71: 377.

[3]- البحار: 1: 132.

[4]- البحار: 1: 132.

[5]- البحار: 1: 141.

[6]- البحار: 4: 130.

[7]- البحار: 6: 174.

[8]- البحار: 13: 273.

[9]- البحار: 6: 236.

[10]- البحار: 68: 35 عن تفسير العياشي.

[11]- البحار: 36: 181.

[12]- البحار: 36: 242.

[13]- البحار: 36: 244.

[14]- البحار: 3: 57.

[15]- البحار: 10: 316.

  المصدر: كتاب في رحاب أولى الألباب

ارسال التعليق

Top