• ٢ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٣ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الأرواح.. نفخة من الروح

سالم القمودي

الأرواح.. نفخة من الروح

◄الروح خلق من خلق الله اسمه الروح، ينفخ الروح في أجساد العباد، فيجعل منها أجساداً حية تتحرك وتفكر وتعمل وتفعل وتنفعل. وهذه هي وظيفته كروح ينفخ الروح (الأرواح) في أجساد البشر بأمر الله سبحانه وتعالى، ثمّ تعود إليه تلك (الأرواح) جميعاً عندما تفنى الخلائق، وتغادر الأرواح أجسادها، أي تعود إليه بعد نزعها منهم بالموت أو القتل. حيث تعود الروح (الأرواح) جميعاً إلى الروح، عند انتهاء آجال الناس... عند موت الخلائق جميعاً... عند نفخة الصعق، حيث تموت جميع الخلائق (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ) (القصص/ 88)، وهو الذي ينفخها في أجساد العباد، مرة أخرى يوم البعث... يوم النفخ في الصور أي إنّ الروح الذي يسري في الجسد هو نفخة من الروح، والروح هو من ينفخ هذه النفخة في أجساد البشر، لتعود الروح إليه عند انتهاء الأجل، ولذلك كان الروح سابقاً على الجسد بهذا المعنى، وهو مفارق له أيضاً بهذا المعنى، عندما تتوفى النفس ويهلك الجسد.

وقطعاً ليس الله سبحانه وتعالى هو الذي ينفخ الروح مباشرة في أجساد البشر، ولكنه أمر الله الذي يصدر إلى الروح لينفخ في أجساد المخلوقات، قبساً أو جزءاً أو بعضاً منه، أي من الروح الذي خلقه الله لينفخ الروح في أجساد الخلق أجمعين، "وهو ما يبيِّنه قول الله عزّ وجلّ: (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا) (الأنبياء/ 91). (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا) (التحريم/ 12)، (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا) (مريم/ 16-19). "حيث أضاف الله الروح الذي أرسله إلى مريم إلى نفسه. (فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا) كما نقول أرض الله وسماؤه، وهكذا قوله تعالى للملائكة (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) (الحجر/ 29)". أي إذا نفخ فيه الروح روحاً منه... روحاً من الروح، وليس روحاً مستقلاً عن الروح وإنما قبس منه... من الروح ويقول في آية أخرى (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي)، ولم يقل من نفسي. ومن روحي، ومن روحنا إنما تعني من الروح الذي خلقه الله ليقوم بهذه المهام وهي النفخ في أجساد الخلق أجمعين، ثمّ استقبال (أرواح) الخلق الذين يموتون أوّلاً... أوّلاً عندما تقبض أرواحهم أو تنزع منهم من قبل ملك الموت والملائكة المكلفين... حتى يكتمل ذلك يوم ينفخ في الصور (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ) (الزّمر/ 68).

ومثلما هناك من يقبض الروح وهو ملك الموت هناك – قبل ذلك – من ينفخ الروح في الأجساد عند خلقها أوّل مرّة، وهو من ينفخ الروح في الأجساد عند بعثها كذلك يوم القيامة.

وهذا هو الروح الذي يفعل ذلك أو هو المكلف بذلك أي الذي ينفخ الروح في أجساد البشر بإذن الله وبأمره ومشيئته، ومثلما هناك ملك الموت، الذي يقبض أرواح الناس عندما يحين أجلها، هناك أيضاً الروح الذي ينفخ في الأجساد فيبعث فيها الحياة بإذن الله العزيز القدير فهذا ينفخ الروح وذاك يقبضها...

وليس هناك عالم أرواح، ولكن هناك روح واحد في الملأ الأعلى ينفخ في البشر جميعاً روحاً منه... روحاً من روحه، فيمنحهم الحياة، والحركة والقدرة على الفعل والعمل، ليفارقهم – بعد ذلك – الواحد تلو الآخر، كلما مات واحد منهم أو قتل حتى يموتوا جميعاً، عند النفخة الأولى، نفخة الصعق، حيث تموت جميع الخلائق (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ).

ولا صحة لما يقال عن تحضير الأرواح، أو الحديث معها، أو معرفة الأرواح لشؤون الأحياء وحركتهم وفعلهم وعملهم، ولا صحة لما يقال عن بعض المرضى من أنهم ماتوا وعادوا إلى الحياة ليرووا لنا قصصاً عما شاهدوه بعد الموت، وإنما هي أوهام وأضغاث أحلام، واختلاط الأمر على المريض من شدة مرضه، أو طول غيبوبته، أو اختلاط سيالاته الكيميائية العصبية، أو ازدياد إفرازات غدده وهرموناته، إلى غير ذلك.

لأنّ الموت يعني، فيما يعنيه، خروج الروح ومفارقته للجسد، وهلاك الجسد، بعد خروج الروح منه، فكيف يعود الروح إلى الجسد الذي فارقه قبل البعث... وكيف يستقبل الجسد الهالك الروح إلى الجسد الذي فارقه قبل البعث... وكيف يستقبل الجسد الهالك الروح وهو هالك، وكيف يعود الجسد الهالك وهو هالك إلى الحياة قبل أن يبعثه الله؟ إنّ كلِّ ذلك إنما يؤكد على أنّ الموت إنما هو موت هو مفارقة للحياة... هو مفارقة الروح للجسد... هو عدم وفناء وسكون... حتى يبعث الله الناس يوم البعث... يوم الحشر والنشور.

ولو كان هناك عالم أرواح، وأنّ الأرواح تعلم من أمرها شيئاً لما كانت هناك حاجة للأنفس والأجساد في الحياة الآخرة، ولما كانت هناك حاجة لبعث الأجساد من قبورها، لتُجزى كلّ نفس بما كسبت ولتنعم هذه الأجساد بنعيم الآخرة أو لتشقى بعذابها، وإنما تبعث الأجساد من قبورها لأنّها هي التي تحمل الأنفس بعد اختلاط الروح بالأجساد من جديد، وهي التي تحاسب وتعذب أو تنعم بالنعيم في الآخرة.

 

المصدر: كتاب التأملات في الخلق والمحيا والممات

ارسال التعليق

Top