• ١ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٢ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الأسرة.. هي المدرسة الأولى للطفل

الأسرة.. هي المدرسة الأولى للطفل
◄بما أنّ وسائل الإعلام قد تؤثر في سلوك الأطفال، فهل علينا أن نبعدهم عن هذه الوسائل وعن البرامج التلفزيونية؟ من الواضح انّ هذا ليس بالحل العملي. أو هل نوفر برامج أطفال بديلة على قدر مساوٍ من الجاذبية مع لمسات من نظام القيم الإسلامي؟ انّ هذا أمر مرغوب فيه ولكن ليس من المرجح أن نتوقع حدوثه في المستقبل القريب لا بسبب ضيق الموارد أو الافتقاد إلى المهارات، ولكن بسبب ضعف الهمم وخمود العزيمة والإرادة، يقال كيف نقاوم وسائل الإعلام الأجنبية التي تمتلك الموارد المالية الضخمة والقدرات البشرية والخيرات؟ ونحن ليس عندنا مال ولا رجال وهذا خطأ فإننا نمتلك طاقات بشرية هائلة وموارد مالية ضخمة نسبياً، ولكن تنقصنا الهمة. إنّ هذا الأمر يحتاج إلى رجال نذروا أنفسهم لله، وإذا توفرت الإرادة القوية والعزيمة تتوفر لدينا وسائل إعلام بديلة لا تقل واقعاً في النفس عن تلك، ولكن حتى مع توفر أدق وسائل الإعلام يبقى دور الأسرة والمجتمع الإسلامي نافعاً ومؤثراً. وسيظل دور الأسرة والمجتمع يحظى بأعلى درجات الأولوية والأهمية. فالأسرة هي المدرسة الأولى التي يتردد عليها الطفل حيث يقوم والدا الرضيع واخوانه وبقية أفراد الأسرة بدور أوّل المعلمين له في الحياة، فالرضيع الذي سيصبح فيما بعد طفلا، يتعلم من الأسرة كيفية السلوك، مما يشكل شخصيته، بكاملها، لأنّ الرضيع يقلد كل ما يراه من أفعال أفراد الأسرة، أنّه يقلد أمه وبقية أفراد الأسرة في التعبير عن نفسه. وهذه هي الطريقة التي يتعلم بها اللغة. وهذا هو السبب في تسميتها (اللغة الأُم). ويتشكل سلوك الطفل ومواقفه واتجاهاته ونفسيته، وباختصار كل مظاهر أسلوب حياته، بفعل البيئة الأسرية. إذ ينغرس هذا الانطباع الأوّل عن الحياة ويتبرمج في عقل الطفل الرضيع. حتى الكلام الذي يسمعه ينطبع في عقله الباطن لذلك يستحب منذ الساعة الأولى لولادته الأذان في أُذنه اليمنى والإقامة في أُذنه اليسرى.   التعاليم الإسلامية في مجال التربية: عني الإسلام بالتربية والتعليم، من أوّل حياة الإنسان إلى مماته، فالعناية بالطفل واشعاره الحب والحنان والرعاية تبدأ من المهد. ورد عن الرسول (ص): "من ولد له مولود فليؤذن في أُذنه اليمنى بأذان الصلاة، وليقيم في أُذنه اليسرى فإن إقامتها عصمة من الشيطان الرجيم". وقال الإمام الصادق (ع): "تجب للولد على والده ثلاث خصال: اختياره لوالدته، وتحسين اسمه، والمبالغة في تأديبه". وقال الإمام عليّ (ع): "قلب الحدث كالأرض الخالية من ألقي فيها من شيء إلا قبلته". لذا يجب على الأسرة المبادرة إلى تعليم الطفل منذ صغره يقول الشاعر: انّ الغصون إذا قوّمتها اعتدلت *** ولا تلين إذا كانت من الخشب وكان الرسول (ص) يعلّم أمته ويهذبها بما تحتاجه في دنياها وآخرتها. حيث قال: "علِّموا أولادكم الصلاة إذا بلغوا سبعاً واضربوهم عليها إذا بلغوا عشراً. وفرّقوا بينهم في المضاجع". انّ الله سبحانه وتعالى يوصينا بالتأهب للمستقبل بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ) (النساء/ 71). وذلك بالحذر والتوقي من كلّ مكروه ومن كل ما يضرّ بنا وبأبنائنا. فيجب الوقاية من كلّ خطر يهدد سلامة رجال المستقبل. وإذا كان الإسلام وقائياً في مجال الطب الجسدي فإنّه كذلك في مجال الطب النفسي وفي المجالات الأخرى، فهو وقائي في مجال العقيدة ويركِّز على الوقاية من التلوث العقائدي ضماناً للسلامة والصحة خصوصاً في مجال العقيدة والأخلاق. إنّ من أهم ما يجب الاهتمام به هو وضع الأسس الأولى والمبادئ الأساسية لبناء عقل الطفل وطريقة تفكيره، لتكون أساساً في تشكيل عقله. وتنظيم فكره وفق المنهج الإسلامي، وطريقة حفظ الصحة الجسدية والنفسية للطفل. يقول الإمام زين العابدين (ع) في دعائه لولده: "اللّهمّ صلِّ على محمدٍ وآل محمد، ومُنَّ علي ببقاء ولدي وبأصلاحهم لي وبأمتاعي بهم. اللّهمّ أمدد لي في أعمارهم. وزدني في آجالهم. وقوِّ ليَّ ضعيفهم... وأصح لي أبدانهم وأديانهم وأخلاقهم وعافهم في أنفسهم وفي جوارحهم وفي كل ما عُنيتُ بهم من أمرهم... وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرّهم". نلاحظ هنا انّ الإمام يحرص كثيراً على سلامة الأبناء لا جسدياً فحسب بل يحرص على سلامة عقولهم وسلامتهم النفسية، حيث يقول في دعائه: "وأصح لي أبدانهم وأديانهم وأخلاقهم" انّ العقل هو القوة المدركة للمعرفة، وانّ الحس والتجربة والملاحظة العلمية هي من الأدوات الأساسية لجمع المعلومات والمعارف وللتمييز بين الخطأ والصواب، بين الغذاء الجيِّد والرديء والمقصود هنا الغذاء العقلي. يقول تعالى: (فَلْيَنْظُرِ الإنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ) (عبس/ 24). في تفسير هذه الآية ورد عن أهل البيت – عليهم السلام – انّ المقصود بالطعام (العلم) أي لينظر الإنسان من أين يقتبس علمه؟؟ هل يقتبس علمه من العلماء الذين يخشون الله تعالى أم من دعاة الزيغ والضلال. الذي فرحوا بما عندهم من العلم. الإسلام يعطي قيمة للعلم من اقترانه بالفضيلة والأخلاق. يقول الإمام عليّ (ع): علم بنيك على الآداب في الصغر *** كيما تقر بهم عيناك في الكبر ويذكر الأستاذ لطفي بركات في كتابه: (في مجالات الفكر التربوي) "انّ التعليم لم يعد بمفهومه التقليدي إيداع المعلومات والمعارف في ذهن الطفل. انّما أصبح أداة للحركة والتغيير والنقد" فالمعرفة الصماء لا جدوى منها. والمعرفة الوظيفية هي التي تشارك في تنمية وترقية المجتمع. وانّ الهدف النهائي للتعليم هو التربية مدى الحياة. وانّ التعليم لو أصبح مستمراً ولمدى الحياة لأصبح مفهوم النجاح والفشل مفهوماً نسبياً. حيث تتعدد الفرص أمام الطلاب ليكتشفوا ما يتناسب مع قدراتهم واستعداداتهم وميولهم الحقيقية وبذلك تكون سبيلاً للتقدم والنجاح. فالتعليم ليس فقط تلقين الطفل حقائق علمية. انّما تزويده بمعيار يميز به بين الخطأ والصواب، بين ما ينفعه ويجلب له النجاح والسعادة، ومن يضره ويجلب له الفشل والخيبة.   دور الآباء في مواجهة وسائل الإعلام: إذا قدم الآباء للأطفال نموذجاً لسلوك إسلامي منضبط وأوضحوا للأطفال انّ الجرائم والعنف والحياة المنحلة أمور غير مرغوب فيهان وانّ مقياس الإنسان ليس القوة، بل الذكاء والسلوك السوي. فإنّ الأطفال يكبرون وهم يحملون مواقف إيجابية ويتحلون بنفسية وحصانة ذاتية تحميهم من الآثار السلبية لوسائل الإعلام. وهذه الظاهرة الاجتماعية واضحة تماماً مما يجري حولنا. حيث يكتسب بعض الطفال السلوك العدواني والمواقف الاجرامية من مشاهدة برامج التلفزيون ذات العلاقة. وتستمر الحالة العدوانية في نفوسهم في دور المراهقة والشباب وإلى آخر سني حياتهم. بينما لا يقوم البعض الآخر بتقليد هذا السلوك مع انّهم يشاهدون أيضاً البرامج التلفزيونية نفسها، ومعنى ذلك انّ للبرامج التلفزيونية غير المرغوبة آثارها السلبية، لكن جو الأسرة يؤثر وقد يلغي أثر ما يراه الأطفال في المشاهد التلفزيونية.  وبكلام آخر: فإنّ وسائل الإعلام يجب مقاومتها وعلى الأسرة أن تقوم بدورها الهام في حماية الأطفال من آثار المشاهد غير المرغوبة في وسائل الإعلام. وبما انّ للتلفزيون والقنوات الفضائية آثاراً ملموسة كثيراً ما تكون سلبية في الأطفال، فإنّ أفضل السبل لأبطل مفعول تأثير التلفزيون هو قيام الآباء والمعلمين بتثقيف الأطفال وتهذيبهم. والواقع انّ للأسرة دوراً وللمجتمع دوراً في صياغة شكل التعليم والتربية المدرَّسيين في التعاطي مع هذه المشكلة الخطيرة. وهناك دراسة ميدانية تؤكد انّ التواصل الأبوي الكافي مع الأطفال والتوجه الديني القوي يقلصان من أثر التلفزيون وضغط الأقران على النشاط الجنسي للطفل. لذا فإنّ على الأسرة والمجتمع القيام بدور هام في صياغة قالب لموقف عقلي إيجابي وظاهرة نفسية بناءة في الأطفال. ولهذا أبعاد متعددة، وهي: أوّلاً: (البعد الأسري)، من المهم جدّاً أن يعرف الآباء والأُمّهات انّ الأطفال يولدون على الفطرة، وانما المحيط يغيرهم ولا فرق بين المحيط المنزلي أو المدرسي أو الشارع. فمراقبة المحيط وتنقيته من السموم الثقافية أمر في مقدمة المهام التربوية للأسرة. ومن المهم جدّاً تعويد الأطفال على أداء الصلاة وقراءة القرآن وأحاديث الرسول الأعظم (ص) وأهل بيته الأطهار. ومما ينفعهم أن يسمعوا أشرطة القرآن الكريم وبعض التواشيح والأناشيد والأدعية حسب أعمارهم ودرجة ارتباطها بهم، ثمّ إدخال ذلك في شؤونهم الحياتية. وللقصص الدينية أثر كبير جدّاً في زرع مفاهيم الإسلام في ذهن الأطفال. ثانياً: يجب أن تتخذ ترتيبات للتعليم من كتب إسلامية خاصة في المجتمعات غير الإسلامية فبالإمكان تنظيم حصص لدروس إسلامية في عطلة نهاية الأسبوع أو ربما يمكن تنظيم دروس خاصة في البيت بطريقة ناجعة. ويقتضي دعم التلقين الشفوي الذي يمارسه الآباء وأفراد الأسرة بمواد للمطالعة عندما يبلغ الأطفال هذا السن. ثالثاً: انّ ممارسة المعايير المزدوجة أمر بالغ الضرر ومن ثمّ يجب تفاديه. إذ سيعمد الأطفال بطبيعة الحال إلى تقليد الآباء ومن ثمّ فإنّ تعليم الأطفال الأمور التي لا يمارسها الآباء لن يعود بأيّة فائدة. وعلى الآباء أن يقدموا أنفسهم كنماذج أدوار قابلة للتكيف. وفي كل الأحوال يجب السعي إلى إيجاد عقلية متفتحة ومواقف صحيحة. فإنّ من الواجب أن نوضح للأطفال مبادئ السلوك المرغوب وغير المرغوب ليستطيعوا التمييز بين ما هو خير وما يجب نبذه أثناء مشاهدتهم لفيلم كرتوني على سبيل المثال. ويؤمل أن تستطيع الحالة الذهنية التي تمقت السلوك غير المرغوب، ونُقدر الأمور الطيبة حقّ قدرها، حماية الأطفال من الآثار المقيتة لوسائل الإعلام. ثمّ يأتي دور المجتمع: إذ باستطاعة المجتمع الإسلامي ومن واجبه أن يقوم بدور هام في التصدي للمشكلة أيضاً. وفي البلدان والمجتمعات الإسلامية يقتضي الاهتمام في المدارس بالتعاليم الإسلامية ذات الصلة. وهناك ثلاثة أمور ينبغي الإشارة إليها: 1-    ينبغي الاهتمام بالقيم الإسلامية في الكتب والمقررات المدرسية. 2-    على المعلمين أن يقدموا أنفسهم كنماذج أدوار يُقتدى بها. كما يجب اطلاعهم على الثقافة والقيم الغربية التي تأتي من خلال وسائل الإعلام، حتى يستطيعوا التعامل مع الظاهرة بطريقة ملائمة، وعليهم توعية الطلبة بهذه القضايا بأسلوب سليم. 3-    يقتضي أن يكون الجو المدرسي مفضياً إلى غرس القسم الخلقية الخيرة بجعله غير مُوات للعنف وأنواع السلوك الذميمة الأخرى. وتعليم الأطفال انّ عزة النفس وحفظ الكرامة لا يتنافى مع التواضع واللين ومحبة الآخرين. وانّ مقياس الإنسان ليس القوة بل العمل الصالح وكما قال الإمام علي بن أبي طالب (ع): "قيمة كلّ امرىء ما يُحسن" و"خير الناس مَن نفع الناس".   المصدر: مجلة الطاهرة/ العدد 140 لسنة 2003م

ارسال التعليق

Top