• ٢٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإسلام والنظام

جاد الحق علي جاد الحق

الإسلام والنظام
إنّ للنظام أهميته في حياة هذا الكون الذي خلقه الله – سبحانه – بجميع مكوناته: مادية ومعنوية، مرئية وغير مرئية. وفي الإشارة إلى صنع الله الحكيم يقول الله في القرآن الكريم في سورة الرعد: (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ) (الرعد/ 8). وفي سورة القمر: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (القمر/ 49). وسنجد في آيات القرآن الكريم الكثير من العبارات والإشارات التي تحبذ النظام والتنظيم وتحث عليه. ففي سورة الأنبياء: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (الأنبياء/ 33). وفي سورة يس إيضاح لمعالم حركة التنظيم التي أجملت في هذه الآية، وذلك في قول الله سبحانه: (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (يس/ 37-40). وفي شأن بني الإنسان كان تنظيم القرآن وتقنينه للحقوق، وتوقيته للأمور حتى يتعلم الناس النظام والالتزام بتنظيم شؤونهم، فلا يقيمون بناء إلا بعد دراسة موقعه ومنافعه، ولا يذيعون فكراً إلا بعد أن يمحصوه ويستظهروا غلبة نفعه للمجتمع. وهذه مُثُل من توقيتات القرآن؛ حثّاً على النظام وعلى الوقوف عنده: ففي سورة الرعد: (وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ) (الرعد/ 38). وفي سورة المؤمنون: (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ) (المؤمنون/ 71). وفي سورة العنكبوت: (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (العنكبوت/ 53). نظام دقيق، لا يتأثر بالهوى، وتوقيت لا يتقدم ولا يتأخر باقتراح إنسان ولا بتدخل أية قوة سوى سلطان الله وقدرته، وإغضاء عن اقتراح الضالين من الأُمم على الأنبياء آيات يطالبون بها، فكان الجواب كما نوهت عنه تلك الآيات أنّ كل شيء عند الله بمقدار، وله وقت معلوم. ولقد ساق القرآن هذه الأمثال وغيرها توجيهاً وتعليماً لبني الإنسان حتى ينظموا شؤونهم، ويواجهوا المشكلات بالنظام وبالتمسك به إلى أن تظهر ثمرته أو تنكشف عيوبه فتواجه بالإصلاح عن تجربة.. وإذ كان القرآن الكريم قد أبرز أنّ النظام أمر قائم وعامل مؤثر في كل أرجاء هذا الكون (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) (النمل/ 88). فإنّه بهذا يدعو الناس كافة والمسلمين خاصة أن يأخذوا منه معالم النظام والتنظيم لكل شؤونهم. ففي سورة طه وجه الله آدم أبا البشر إلى تنظيم السلوك والفكر عند ما أهبطه إلى الأرض في قول الله سبحانه: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى) (طه/ 123). ومعنى هذا أن اتباع هدى الله، والاسترشاد بنظامه يصون الإنسان من ضلالات الأفكار والآراء المتشعبة المصادر والمسالك، ويحميه من الهموم والأوهام التي ترهقه نفسيّاً وجسدياً ذلك أنّ القرآن حريص دائماً على أن يقود الناس إلى الخير ويهديهم إلى الرشد. ففي سورة المائدة دعوة إلى اتباع أمر الله ورضوانه، ذلك قول الله تعالى سبحانه: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (المائدة/ 15-16). وفي سورة الإسراء: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) (الإسراء/ 9). إنّ الإسلام في كتابه القرآن الكريم وفي سنة رسول الله (ص) قد أمر بالنظام وبالتنظيم وحث على هذا بالعبارة والإشارة؛ حتى تستقيم حياة الأمّة على أساس متين، وترتب مطالبها الملحّة بحسب أولوياتها وصولاً إلى حل مشكلاتها الاجتماعية والاقتصادية بدلاً من الارتجال والتواكل والتردد. إنّ الإسلام يحثنا على النظام والحزم والعزم بعد الأخذ بالأسباب؛ إذ كل أولئك مؤدٍ إلى الصلاح والفلاح لنقرأ توجيه الله للرسول (ص) في سورة آل عمران: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران/ 159). فخذوا – أيها المسلمون – مبدأ النظام أساساً لحياتكم وحافظوا على التزامه في كل أموركم تسعدوا فإنّه من أمور دينكم وتعاليم نبيّكم.   المصدر: كتاب منهجُ الإسلام في التربية والإصلاح

ارسال التعليق

Top