• ٢٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الدروس العظيمة في مدرسة كربلاء

اسرة

الدروس العظيمة في مدرسة كربلاء

حينما يقال إنّ كربلاء أوسع من البقعة المكانية التي عُرِفت، وأطول من البرهة الزمانية التي دارت خلالها المعركة، وأعظم وأوسع ممّا تصوّره البعض أنّها حادثة تاريخية تنطوي في صفحات التاريخ شأنها شأن بقية الوقائع.. حينما يُقال ذلك فربّما يُطلَب أكثر من دليل. وحينما يُقدَّم الدليل تلو الدليل، يُدّعى أنّ وراء ذلك تعصّباً للشهيد المظلوم أبي عبدالله الحسين (ع)، أو أنّ الكلام منطلقٌ من رغبةٍ جامحةٍ في الانتصار له بعد تلك الظّلامة العظمى؛ لإعلاء شأنه بعد أن مثّل أعداؤه ببدنه القُدسيّ، وذبحوا أهل بيته وإخوته وأبناءه وأحبّته وخُلّص أصحابه أمام عينيه الكريمتين.

لم تَحظَ ملحمةٌ إنسانية في التاريخَين: القديمِ والحديث، بمِثل ما حَظِيَت ملحمةُ الاستشهاد في كربلاء، من إعجابٍ ودرسٍ وتعاطف؛ فقد كانت حركةً على مستوى الحادث الوجداني الأكبر لأُمّة الإسلام بتشكيلها المنعطفَ الروحي الخطيرَ الأثر في مسيرة العقيدة الإسلامية، والتي لولاها لكان الإسلام مذهباً باهتاً يُركَنُ في ظاهر الرؤوس، لا عقيدةً راسخةً في أعماق الصدور، وإيماناً يترعرع في وجدان كلّ مسلم. لقد كانت كربلاء هزّة، وأيّة هزّة، زلزلت أركان الأُمّة من أقصاها إلى أدناها، ففتّحت العيون، وأيقظت الضمائر على ما لسطوة الإفك والشرّ من اقتدار، وما للظلم من تلاميذ على استعدادٍ لزرع ذلك الظلم في تلافيف الضمائر؛ ليغتالوا تحت سُتُرٍ مزيّفة قيمَ الدِّين، وينتهكوا حقوق أهليه. لذلك عندما نريد أن نتكلّم عن مدرسة كربلاء وما فيها من عِبر ومواعظ، نجد هناك كماً هائلاً من الدروس المستوحاة من تلك الواقعة العظيمة التي راح ضحيتها سبط النبيّ الإمام الحسن (ع) وريحانته الإمام الحسين (ع)، الذي رسم وخطّ بدمائه الشريفة دستوراً ومنهاجاً لكلّ الأجيال. فمن عاشوراء يتم استلهام دروس التصدي والتحدي والاستقامة، ومن ذكراه العطرة ومدرسته الجهادية، تتم صناعة الأبطال والمضحين بكلّ ما يملكون في سبيل دينهم وأُمّتهم. فعاشوراء مدرسة للالتزام وتعميق عناصر الإيمان في النفس والسلوك.

لم تكن الحركة التي قادها الحسين (ع)، وجسّدها على أرض الواقع بطف كربلاء، عملاً ذا أُفق ضيّق وغايات محددة، وإنّما حركة رسالية وثورة إنسانية شاملة، فالعبر والدروس من واقعة كربلاء لا يمكن حصرها وأهميتها تكمن في أنّها دروس نتعلّمها من الإمام الحسين (ع) الإمام المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، لأنّ ما يقال عن علم النبيّ (ص) يقال أيضاً للأئمة المعصومين: أن نثأر لله وحده، لا لانتسابات الدنيا، وانتماءاتها وعصبياتها، وصيحاتها، وجاهلياتها. وأن نعطي الدم من أجل أن يبقى الإسلام وحده، لا أن تبقى نظريات الإنسان، وحزبياته وشعاراته وزيفه. أن ننتصر للدين، وللمبدأ، وللعقيدة، لا للعصبيات، والقوميات، والعناوين التي صاغتها ضلالات الإنسان، وأهواءه وأن نحمل شعار القرآن ونطبّقه.

أن نرفض الباطل، والزيف، والفساد، والضلال، وأن نرفض كلّ ألوان الانحراف الأخلاقي، والثقافي، والاجتماعي، والسياسي. أن نكون الصرخة التي تواجه الظلم والظالمين، وتواجه البغي والباغين، وتواجه الطغيان والطاغين، وتواجه الاستكبار والمستكبرين. أن نكون المبدئيين الأقوياء الذين لا يساومون، ولا يتنازلون، ولا يسترخون، كقوله تعالى: (ُأَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) (الفتح/ 29) ولا تعني المبدئية والصلاة أن لا نعيش المرونة والانفتاح والشفّافية في حواراتنا مع الآخرين.

فالمطلوب أن نكون حسينيين في عزّتنا وكرامتنا، عاشوريين في حرّيتنا وعنفواننا، كربلائيين في تضحياتنا وإقدامنا. ولهذا فإنّ الحسين (ع) تحوّل من فرد إلى قضية ومشروع، ومن شخص إلى منهج يجيب على كلّ التساؤلات والاستفهامات التي تعترض طريق المصلحين عبر العصور، لهذا فإنّ «الحسينُ مصباحُ الهدى وسفينةُ النجاة».

ارسال التعليق

Top