• ٢٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٢٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الرأي العام.. ماهيته، قياسه والتأثير فيه

د. م. عبدالله عليّ الشرمان

الرأي العام.. ماهيته، قياسه والتأثير فيه

◄1- المقدمة:

يُعتبر رأي مجتمع ما أو مجموعة مُعتبرة منه إزاء أمر من الأمور الحياتية رأي عام، وتُعتبر عملية استطلاع هذا الرأي وتحديد معالمه من المهمات الدقيقة الحساسة في حياة الناس نظراً لارتباط ذلك بشأن اجتماعي متداخل له أهمية خاصة ترتبط به وتتوقف عليه كثير من النتائج المهمة والحساسة تأييداً أو معارضة أو حياداً.

ويمكن اعتبار هذا الأمر من الأعمال الدقيقة التي تحتاج إلى صِدقيّة وإنصاف ونهج علمي متوازن ومتخصص إضافة إلى العدالة والحيادية والتحلي بأعلى درجات الإحساس بالمسؤولية والشفافية سواء كان ذلك من طرف عناصر الرأي العام أو الجهة (الجهات) التي تقو باستطلاع الرأي العام وقياسه.

 

2- معنى الرأي العام:

يمكن القول إنّ الرأي العام هو توجه عام أو انطباع مشترك يَنظم مجموعة معينة من الناس (أغلبهم) حول مسألة محددة في ظرف زماني ومكاني محدديْن قبولاً أو رفضاً أو حيادية مع ما يقتضي ذلك من توجه شعوري باطن وسلوك واقعي ظاهر وملموس.

 

3- دوافع وأسباب قياس الرأي/ لماذا يكون قياس الرأي العام؟

غالباً ما يكون قياس الرأي العام لأحد الأسباب والدوافع التالية أو لمجموعة منها طبقاً للحال الراهن والأهداف المتوخاة من عملية القياس، وفي حدود المجالات المتاحة والطاقات المتوفرة.

1-  الاستكشاف والإيضاح والتحليل.

2-  تجلية وإظهار حقائق عامة وتوظيفها لتحقيق مكاسب ومنافع آنية أو مرحلية.

3-  امتلاك المعلومة القائمة على أساس علمي دقيق، وهذا يمكن اعتباره أحد مصادر الصدقية والوثوقية إضافة إلى القوة في الموقف والدليل والبرهان.

4-  تمكين المجتمع أو مجموعة منه للإطلاع على حقيقة ما لديه من آراء أو مواقف أو توجهات، ويمكن بعد ذلك توظيف النتائج لتشكيل قناعات أو التأثير على الآراء والقناعات أو تعديلها نحو الإيجابية والخيرية والصالح العام.

5-  لتأييد مواقف أو توجهات وسياسات أو هيئات أو أعمال معينة أو معارضتها طبقاً للهدف المحدد من قياس الرأي.

6-  للرد على ادعاءات ومزاعم وتجلية الحقائق الواقعية إزاءها تأكيداً أو تفنيداً أو تصحيحاً.

7-  تجلية حقائق عامة مشتركة بين عدة فئات اجتماعية أو بين مجتمعات متعددة وذلك من خلال استطلاعات الرأي العام عبر الإنترنت وتوظيفها بعد ذلك نصرة للحقِّ ودحراً للباطل، وتأييداً للمستضعفين ورداً لظلم الظالمين.

 

4- العوامل المؤثرة في الرأي العام بالنسبة للمجتمع:

تجتمع عدة عوامل رئيسية لتؤثر في الرأي العام وتُشكله لدى المجتمع، بحيث يؤثر كلّ عامل منها بنسبة معينة طبقاً لأهميته ودوره في تكوين المجتمع وصياغة ثقافته، ومن هذه العوامل:

1-  العقيدة والمبدأ.

2-  التاريخ والتراث.

3-  الحضارة والتكوين الحضاري للمجتمع.

4-  العادات والتقاليد والقيم.

5-  التكوين النفسي والاجتماعي، وطبيعة العلاقات بين عناصر المجتمع.

6-  المستوى الاقتصادي والرفاه الاجتماعي العام.

7-  المستوى الثقافي والتعليمي.

8-  وسائل الاتصالات الحديثة، ومجالات التكنولوجيا المتقدمة وآثارها العلمية والتقنية والنفسية والاجتماعية.

9-  وسائل الإعلام والمعلومات والاتصال الجماهيري.

10-                   واقع الهوية الحضارية للمجتمع والأُمّة والمرحلة التاريخية والواقعية التي يحياها المجتمع.

 

5- اتجاهات الرأي العام حول أيّة مسألة من المسائل:

تأخذ اتجاهات الرأي العام حول أي قضية من القضايا أحد المسارات التالية:

1-  التأييد، والذي يمكن أن يكون تأييداً عاطفياً أو تأييداً عقلياً طبقاً لطبيعة المجتمع وتكوينه النفسي والثقافي والاجتماعي والسياسي.

2-  المعارضة بدون بيان أسباب محددة، وهي المعارضة الشعورية العاطفية الناتجة عن تراكمات من الأسى والمعاناة والشعور بالحيف والظلم والحرمان.

3-  المعارضة المرتبطة بأسباب ومبررات ومرتكزات.

4-  الحيادية الإيجابية القائمة على مبررات ومرتكزات.

5-  الحيادية السلبيّة القائمة على غياب الرأي وعدم القدرة على تحديد موقف محدد ومبرر، والانكفاء نحو الحيرة والضبابية.

 

6- مراحل توجيه وإعداد الرأي العام:

غالباً ما تقوم الجهات التي توجه الرأي العام بالخطوات والمراحل التالية، لتستكمل عملية إعداد الرأي العام إزاء أمر معين، وتكون هذه الخطوات غالباً باتجاه الإقناع والتأييد لخطوة أو موقف ما، بينما عملية التنفير من موقف ما تمر بمراحل أقل حدة وأقصر مدة، نظراً لأنّ ذلك يقترن بالتبشيع والتهديد والتنفير.

أمّا خطوات ومراحل التوجيه نحو الإقناع والتأييد من قبل الرأي العام فهي التالية:

1-  التبشير والتلويح، بحيث يكن ذلك من خلال إشارات سريعة في أحاديث أو مقالات أو نشرات أو مقابلات أو ما شابه ذلك.

2-  التمهيد من خلال بالونات الاختبار، أو تصريح صحفي أو مَقال أو حديث تلفزيوني أو الإعلانات والإشاعات الموجهة.

3-  التوجيه والإعلان المُكثّف والإقناع المرحلي المبرمَج.

4-  الإعلان والتنفيذ، وقياس ردة الفعل الأولوية.

5-  التكريس، وبسط الواقع.

6-  التقويم الظاهري ويتم عرض عبارات ومواقف التأييد والترحاب والقبول، والتقويم غير الظاهري (غير المعلن) حيث يكون تقويماً مدروساً ومنهجياً توضّح خلاله حقيقة ردود الأفعال والمواقف.

7-  الاعتياد والمعايشة، والإعلان عن تكوين الرأي مع ما يصاحب ذلك من مظاهر القبول والتأييد ومعززات ذلك، ولوازمه وكلّ ذلك بما يخدم هدف أو أهداف عامة أو مرحلية.

 

7- وسائل التأثير في الرأي العام (سلباً أو إيجاباً):

تُستخدم وسائل متعددة للتأثير على الرأي العام وقد يكون بعضها مستهجناً وغريباً، ولكن بعض الجهات الموجهة للرأي العام قد تُسوِّغ لنفسها استخدام هذه الوسائل لتحقيق أهدافها، ولا يملك الإنسان إلّا أن يقر من الوسائل ما كان يتفق مع الشرع الحنيف ووسائله الربانية الصحيحة، ويُنكر ما تصادم وتعارض مع الشريعة السمحاء.

ومن الوسائل المستخدمة ما يلي:

1-  وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، والصحف والمطبوعات والنشرات، ويلحق في ذلك المسرح.

2-  وسائل الاتصالات الخلوية والسلكية واللاسلكية والرسائل القصيرة (SMS) وما شابهها، ويلحق بذلك رسائل البريد الإلكتروني (Email).

3-  الإشاعة سواء كانت ذلك الصماء أو المرحلية الموجهة.

4-  المناظرات والمساجلات المتلفزة أو الصحفية.

5-  المسجد، ومن خلال الخطب والدروس والمحاضرات والعلاقات والصداقات بين المصلين، وكذلك من خلال التواصل والزيارات بينهم.

6-  الوعود والأعطيات وتقديم العون والخدمات الموجهة، ويمكن أن يكون هذا بهدف المساعدة والعون بشكل مجرّد.

7-  التضليل والتدليس وإخفاء الحقائق أو تشويهها.

8-  التخويف والترهيب ومصادرة الإرادات والتهديد.

9-  القهر والظلم المباشر وغير المباشر والمُبطّن والخفي.

10-                   الكذب المباشر وغير المباشر، وقد يُدعّم ذلك بإحصاءات وأرقام ورسومات بيانية وتحليلية.

11-                   الأحاديث والتصريحات للرموز الاجتماعيين والأشخاص الاعتباريين المؤثرين اجتماعياً وسياسياً وأكاديمياً وتخصصياً.

12-                   مؤسسات المجتمع المدني كالنقابات المهنية والجمعيات والروابط والمنظمات غير الحكومية وجماعات الضغط والتأثير.

13-                   التوظيف الموجه للصدمات والإخفاقات والارتكاسات على الصعيد العام وصعيد المجتمع والأُمّة. وكذلك للإنجازات المتميزة والإبداعات في الجانب المقابل لذلك.

14-                   التوظيف المبرمج للمفاجآت والانعطافات الحادة على الصعيد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.

15-                   التوعية والتثقيف وبيان الحقوق والامتيازات الخاصة بالناس وتوعيتهم إزاءها، وكيفية الحصول عليها وكيف يجب أن تكون، وكيف يمكن تحفيزها وتطويرها وزيادتها، وبالتوازي مع ذلك التذكير بالواجبات وكيفية أدائها والالتزام بها.

16-                   تبيان مجالات الظلم والقهر والحرمان وتعريتها، مع التركيز على مجالات الحرية والرفاه واحترام الرأي وتقدير الذات.

17-                   كشف وتعرية عوامل الفساد والإفساد وبؤرها ومراكزها ومجالات وأساليب عملها، وإيضاح حقيقتها وأسمائها وأماكن تواجدها وارتباطها.

18-                   تبيان مجالات الحرمان والعوز، وكيفية معالجتها وآليات التعامل معها ضمن المقدرات المتاحة، وأنّ علاجها ممكن في ظل العدالة والإنصاف ووضع الأمور في نصابها الحقّ.

19-                   التذكير الدائم، والتوعية المرحلية المدروسة، وإضفاء الحيوية الدائمة على ذاكرة المجتمع وبث الوعي والمعلومة الدقيقة والصحيحة.

20-                   بث معاني العدالة والإنصاف وتحري الدقة والعدل والمنطق، وتحفيز مستوى الإدراك والوعي الاجتماعي ضمن منهجيّة علمية وعملية متدرجة.

ويمكن أن يكون ذلك عن طريق المؤسسات المتخصصة، والعلماء والخبراء والمتخصصين وذوي الحكمة والخبرة.

 

8- وسائل قياس الرأي العام:

يمكن قياس الرأي باستخدام إحدى الوسائل التالية أو بمجموعة منها طبقاً لموضوع الدراسة وأهميته وتوقيته، والإجراءات المرتبطة به، والبيانات والمعلومات المتوخاة منه. ومن هذه الوسائل:

1-  الاستطلاعات العامة لمختلف فئات المجتمع عبر الاستبانات أو عبر الهاتف أو التلفزيون.

2-  الصحف والوسائل الإعلامية المختلفة، ويكون ذلك بالمقابلات الصحفية والتحقيقات، والمقابلات الإذاعية والتلفزيونية.

3-  المواقع الإلكترونية للصحف ووكالات الأنباء والمواقع الإلكترونية العامة أو الشخصية عبر شبكة الإنترنت.

4-  بالونات الاختبار ورصد ردود الأفعال العامة.

5-  التغذية الراجعة من الناس إزاء ما يعرض في الصحف ووسائل الإعلام المختلفة، وعبر المواقع الإلكترونية على الشبكة الدولية للمعلومات.

6-  ملاحظة ومراقبة الانعكاسات السلوكية المباشرة للناس أثر حدث معين أو موقف محدد.

7-  رصد أحاديث الناس وتعليقاتهم في أماكن التجمهر والتجمع العامة والتدقيق في ردود الأفعال السريعة والساخرة.

8-  العناصر المأجورة سواء كان ذلك كوادر بشرية أو وسائل تقنية حديثة تُديرها عناصر بشرية مدربة ومتخصصة.

9-  مراكز ومؤسسات ومعاهد قياس الرأي العام وتحليله ودراسته وهي موجودة بكثرة في الدول الغربيّة، ويوجد بعض منها في العام العربي.

10-                   ملاحظة الأنماط المعيشية للناس والتدقيق في مستوى الارتفاع والانخفاض في بعض المجالات الحياتية والسلوكية.

11-                   التدقيق في مستوى حضور صلاة الجمعة والجماعة وتعداد الحجاج والمعتمرين وكذلك في مستوى حضور النشاطات العامة والمناسبات الاجتماعية وغيرها.

12-                   رصد المظاهر الخارجية للأشخاص، وخاصة ما يرتبط باللباس وأنماط الأزياء والحلاقة وغير ذلك.

13-                   مراقبة المقتنيات المادية لدى الناس وخاصة فيما يتعلق بالهواتف الخلوية والسيارات وما يلحق بذلك.

14-                   التدقيق في مستوى الإقبال على نمط معيشي معين أو حدث اجتماعي محدد أو شأن عام في المجال الاقتصادي أو السياسي أو الثقافي.

 

9- أنواع استطلاعات الرأي العام:

1-  الاستطلاعات العامة للرأي، وتشمل المجتمع كاملاً أو أغلب فئاته وعناصره.

2-  استطلاعات رأي فئة محددة من المجتمع أو عدد من الفئات "المثقفون، قادة الرأين الأكاديميون، الطبقة العاملة، النساء العاملات، الشباب، ذوي الدخل المتوسط...".

3-  الاستطلاعات التلفزيونية وعبر المحطات الفضائية.

4-  الاستطلاعات الإذاعية وعبر محطات الراديو.

5-  استطلاعات الهواتف السلكية واللاسلكية والخلوية.

6-  استطلاعات المواقع الإلكترونية عبر الإنترنت.

7-  استطلاعات الصحف ووكالات الأنباء عبر الصفحات وعبر المواقع الإلكترونية لها.

8-  استطلاعات الرأي عبر البريد العادي وعبر البريد الإلكتروني.

وختاماً فإنّ الأمر لله تعالى من قبل ومن بعد، هو يعلم السر وأخفى وهو العليم الخبير، والحمد لله رب العالمين.

 

المصدر: كتاب إدارة الذات وهندسة القدرات/ سلسلة التفكير والإبداع 2

ارسال التعليق

Top