• ٢٥ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الطب الإسلامي وشفاء الروح

د. مظفر إقبال *

الطب الإسلامي وشفاء الروح
◄الدعاء قادر على تحسين آلام القلب والمعدة والأمعاء، فثمة ثلاثة أدلة على ذلك: الأوّل: هو انّ الدعاء أسلوب من أساليب العبادة أمر به الله تعالى. الثاني: هو أنّ للدعاء تأثيراً نفسياً، وبذلك فهو يحرف الذهن عن الألم ويخفف من الإحساس به، فتقوى بذلك الطاقة التي تزيل الألم وتدفعه. الأطباء المختصون يجربون مختلف الطرق لتقوية هذه الطاقة الطبيعية، فمرة يصفون للمريض ما يشربه، ومرة بتقوية قلبه، ومرة بإثارة الخوف، بينما الدعاء والتضرع إلى الله، بحضور الذهن، يمزج بين فوائد أكثر هذه الأمور، إذ أنّه مع الخوف يثير التواضع والخضوع والحب لله وتذكر الآخرة. يقول أبو عبدالله محمد الذهبي، المؤرخ والمتسنن من القرن الرابع الهجري في كتابه الطب: إنّ هذا التوكيد المذكور في أعلاه فيما يتعلق بما يمكن أن نطلق عليه في تعبير حديث اسم الطب العام – وهو يشمل الأبعاد الروحية والنفسية والطبيعية وساير الجوانب الأخلاقية في الإنسان – هو جوهر الطب الإسلامي القائم على كتاب الوحي الإلهي، القرآن وأحاديث النبي الأكرم (ص). إنّ هذا العلاج المنسجم لا ينحصر بسلامة الإنسان فحسب، بل هو في المنظور الإسلامي يضم السماء والأرض وما بينهما، كمظهر لتجلي وجه الخالق، ذلك الخالق الذي يستسلم له كل حي وغير حي ويطيعه. في مركز هذا المنظور الإسلامي للعالم يقع مفهوم التوحيد أو وحدانية الله، وهو المفهوم المذكور في الأولى من الشهادتين، وهو التصديق والإيمان: لا إله إلا الله. في الحضارة الإسلامية ينبعث كل شيء من هذه الوحدة الإلهية وتنزهه عن الشرك، بما في ذلك علوم الصحة. إنّ إدراك وحدانية الله يقع في نواة النظرة الإسلامية إلى العالم وهو الطاقة الهادية على مختلف الصُّعُد الواقعية المتجلية على أديم الكون، وتجتذبه إليها. القول بأنّ لا إله إلا الله تعالى شهادة بأنّ هناك أصلاً رئيساً واحداً هو وراء الكثرة الظاهرة في عالم الوجود. والعالم الإسلامي لا يقتصر على الواقع المدرك والمشاهد، بل أنّه يتجاوز ذلك إلى نطاق الغيب أيضاً. ولما كان الله تعالى هو وحده المحكّم للكائنات، فإنّ الصحة والمرض من جانب الله[1]. وقد جاء في حديث نبوي ما مضمونه: ما من داء أرسله الله إلا وأرسل معه الدواء يقول الله تعالى: (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (النحل/ 68-69). تدل الأبحاث العلمية على أنّ الشفاء فضلاً عن كونه يعنى الجسم إلا أنّه يشمل الأبعاد الروحية والنفسية في وجود الإنسان. إنّ قاعدة شفاء الروح في الإسلام تقوم على أساس القبول بتأثير السلامة الروحية في الجسم. إنّ الجسم بذاته وعاء للروح وهو الجزء القابل للفناء. الجسم سليم إذا كانت الروح سليمة، وتكون الروح سليمة إذا لم تكن في تعارض مع التعاليم الإلهية. إنّ إطاعة الروح لأوامر الله تخلق الإنسجام بين الروح والجسم، الأمر الذي يساعد على أن تقوم أعضاء الجسم وجوارحه بوظائفها بصورة مطلوبة. الرازي – مؤلف رسالته في الجدري والحصبة والمشهورة في أرجاء الغرب – كان يعالج الاختلالات الروحية بالإضافة إلى الروح بالجسم (والذي ترجم إلى انجليزية بعنوان Spritual physics) بايراد عشرين فصلاً عن الأمراض التي تؤثر في الجسم والروح كليهما. ابن سينا، المشهور في الغرب باسم أمير الأطباء ومؤلف كتابه الشهير (الفانوس في الطب)، حيث يستفيد في فن الشفاء من الإرشادات المعنوية. يقيم ابن سينا طبه على أساس التعادل بين الاخلاط الأربعة، وهي: الدم والبلغم والصفراء والسوداء، وهي ترتبط بعناصر الطبيعية الأربعة: النار والهواء والماء والتراب. كان يعتقد أنّ روح الإنسان توجد بقدرة إعادة التعادل إلى الجسم، وما واجب سوى أن يكون عوناً على تحقق هذا التفاعل. لذلك فإنّ عملية إستعادة السلامة تتيسر بالتمرينات التي تؤدي إلى شفاء الروح. وقد أشار السيد حسين نصر في كتابه (العلم والحضارة الإسلامية) إلى نظم الشفاء الروحي عن طريق مبدأ التناظر الأصلي على مختلف مستويات الواقع يرجع إلى النظام الكوني في العالم: في الفلسفة الطبيعية، هرمس، الكيميائي – الذي كان ذا علاقة بالطب الإسلامي – قال بوجود نظرية لا أساس لها عن وجود تناظر مختلف الدرجات للواقع: تسلسل مراتب المعقولات، الأجرام الفلكية، ترتيب الأعداد، أجزاء الجسم، الحروف الهجائية التي هي عناصر الكتاب السماوي، وغير ذلك كالفقرات السبع من عظام الرقبة، والفقرات الاثنا عشر في الظهر (العمود الفقري) فهي متناظرة، إضافة إلى السيارات السبع وصور أفلاك البروج الإثنا عشر، وأيام الأسبوع السبعة، وأشهر السنة، وعدد الغضاريف بين الفقرات التي كانوا يعتقدون أنها 28 غضروفاً تقابل حروف الهجاء الثمانية والعشرين وعدد منازل القمر. في نظرية ابن سينا الطبية: ينقسم جسم الإنسان إلى ثلاثة أقسام: الجهاز المادي، الجهاز العصبي والجهاز الحياتي. وهذا الأخير يقوم بتنظيم الحس والحركة في الدماغ ويهيؤه للعمل بشكل مناسب. هذا الجهاز مقره القلب ومنه يقوم بعمله. من حيث وجهة النظر الإسلامية جسم الإنسان كالوعاء القابل للكسر، لأنّه مصنوع من طين: (خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ) (الرحمن/ 14). وهو عطاء نحيف أسير مشكلاته النفسية. للشفاء جذوره في الدعاء والمناجات والصوم الإسلامي. وهذه المسألة مبنية في الإسلام على الحقيقة القائلة بأنّ الإنسان تركيب من الجسم والروح مترابطان، وللروح أمراضها الخاصة بها (كالنسيان والعضلة عن وجود الله والطمع والحسد وغيرها)، وللجسم أمراضه الخاصة به، إلا أن كليهما متمازجان في كائن حي هو الإنسان، وكل يعمل عن طريق الآخر ويؤثر أحدهما في الآخر. إنّ هذا الاتحاد المنفرد بين الجسم والروح يتصل بالعالم في نظام معقد من مختلف المستويات الواقعية، إلى أن يقترب من الله. قال النبي محمد (ص) يوماً: "خير نعمة أهداها الله إلى الإنسان هي "الصحة" وعلى كُلِّ امرىء أن يحافظ عليها للحاضر وللمستقبل لبلوغ هدف القرب". إنّ الحقيقة في الإسلام القائلة بأنّ الصحة والمرض من الله تقرّب بين فن الشفاء والعبادة. أنّ من يتعاطى فن الشفاء يقوم به مرضاة لله. لذلك فإنّ الطبيب والمريض يتقاربان عن طريق الارتباط الروحي. يقول الحديث: "يوم القيامة سوف يقول الله: يابن آدم، كنتُ مريضاً، ولكنك لم تأت لعيادتي. فيقول: يا إلهي، كيف كنت سأعودك وأنت رب العالم ومليكه؟ فيقول الله: هل كنت تعلم أنّ فلاناً من عبادي كان مريضاً ولكنك لم تذهب لعيادته أبداً؟ هل كنت تعلم لو أنك عدته لوجدتني هناك؟". إنّ هذا الإدراك والمعرفة العالية بالألوهية والفوائد المعنوية لعيادة مريض قد وردا في حديث قدسي آخر بصورة كاملة (في الرواية يتكلم الله بصراحة ولكن الكلام ينسب إلى النبي (ص). يقول الله: (يا عبدي! الصحة تربط بينك وبين نفسك، أما المرض فيربط بيننا وبينك!).   (*) مدير قسم العالم الإسلامي في مركز الإلهيات العلوم الطبيعية في باكستان   الهامش:

[1]- هناك آيات في القرآن الكريم لا تؤيد هذا القول، مثل (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (آل عمران/ 165) – المترجم.

 المصدر: مجلة آفاق الحضارة الإسلامية/ العدد السابع

ارسال التعليق

Top