• ٢٧ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٨ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الزمن في القرآن الكريم

عبدالوهاب الحكيم

الزمن في القرآن الكريم

للوقت وللزمن قيمة حضارية وأهمية كبرى في حياتنا المعاصرة حيث لا يستطيع أيّ إنسان عاقل مدرك ومنصف أن ينكر أهميته وأثره في حياتنا اليومية. ونجد أنّ الإسلام والقرآن الكريم قد أولاه أهمية كبرى في عصر الرسالة وإلى يومنا هذا وحتى إلى يوم القيامة، وذلك في جميع الأعمال والممارسات والواجبات الشرعية التي يقوم بها الإنسان، فأوقات الصلوات الخمسة، والأهمية في إقامتها بأوقاتها بتحديد طلوع الشمس وزوالها وغروبها (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) (الإسراء/ 78)، (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ) (هود/ 114)، بل (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) (النساء/ 103)، وإنّ أوقات استجابة الدعاء محدّدة في أوقات معينة كلَيْلةٍ القدر أو أوقات الليل أو غيرها، كذلك الحال في توقيت الحج ومواعيده والأشهر الحرم، وتحديد الأشهر والأيام، وتحديد وقت الصيام من الفجر وحتى ساعة الغروب وفي أوقات محددة وأيام معدودة.

- الساعة.. والأجل:


إنّ كل فرد منا وكل موجود في هذا الكون له أجله المحدود لا يستأخر عنه ساعة ولا يستقدم (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (النحل/ 61)، وإنّ الكون كلمة موقوت إلى أجل مسمى (مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى...) (الروم/ 8)، بل إنّ يوم القيامة كان ميقاتاً (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ) (الدخان/ 40)، وإنّ الله عنده علم الساعة التي إن حلت لا يستأخر هذا الكون بما فيه من مخلوقات من الرجوع إليه (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) (لقمان/ 34)، (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (الأعراف/ 34، والنحل/ 61)، وهناك العشرات من الآيات الكريمة التي تتطرق إلى علم الساعة وإلى الأجل المحدود والمسمى، (48 آية مختلفة).
والآية الكريمة رقم 40 في سورة الدخان تلخص أنّ كلّ ما في الكون هذا موقوت، وأنّ الوقت له أهميته البالغة في كل شيء مخلوق في هذا الكون، والباري عزّ وجلّ قد أقسم بالوقت والزمن حيث يقول (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ) (العصر/ 1-2)، ومعلوم أنّ الباري عزّ وجلّ عندما يريد أن يقسم، وإنما يقسم بأشياء لها أهميتها البالغة في هذا الكون وفي مخلوقاته، يريد بذلك أن يثير انتباهنا إلى أشياء مهمة في هذا الكون، وإلى عظم خلقه وروعته لكي نفكر ملياً في ذلك، ولكي نزداد إيماناً ويقيناً به (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (آل عمران/ 191).

- دخول الزمن كبعد رابع:
لتوضيح أهمية الزمن أو الوقت في فهمنا لهذا الكون والخليقة نجد أنّه بمجرد دخوله إلى أذهاننا وإحساساتنا وأمكننا استيعابه ذهنياً كبُعد رابع يضاف إلى الأبعاد الثلاثة المعروفة "الطول والعرض والارتفاع" تغيّرت لدينا جميع المفاهيم، وأمكن لنا التوصّل إلى نتائج مدهشة للغاية وعجيبة، واستيعاب الكثير من التفاصيل عن هذا الكون، وهذا ما توصّلت إليه آخر مفاهيم النظرية النسبية "للعالم الفيزيائي الشهير ألبرت أنشتاين" الذي أثبتت بعض أطراف نظريته بُعد ذلك بالتجربة العملية، والتي أوصلت العلماء إلى الكثير من النتائج المدهشة، وتطورت التكنولوجيا إلى حدّ أوصلت الإنسان لتفهم الكثير من أسرار الخليقة، وأوصلته إلى القمر وإلى سبر الكون واستيعاب بعض أبعاده، كما أوصلته إلى تفهّم بعض أسرار المادة (على الأقل المرئية منها في هذا الكون)، والتي أمكن بوسائل التكنولوجيا الحديثة المتوفرة لديه الآن للإدراك بحواسّه الخمسة الملموسة المادة التي لها "أبعادها الثلاثة"، وأمكن مشاهدتها والإحساس بحرارتها والإشعاع الذي يصدر منها، إضافة إلى تفهّم بُعدها الرابع "الزمن" حيث أمكن استيعاب البعد الذري والطاقة التي تحوله، بل أمكن التوصّل إلى أنّ المادة الملموسة ما هي إلا طاقة متحركة غير ثابتة وغير مطلقة، ولكنها تتخذ أشكالاً مختلفة من الكثافة والنوعية، وبمجرد دخول هذا البُعد الرابع للأذهان أمكن تفهم مبدأ الذرّة، وتم التوصّل إلى الطاقة الذرية وحسابها، وإنتاج القنبلة الذرية التي استخدمها الإنسان أبشع الاستخدام في تدمير البشرية وتدمير نفسه بنفسه.

- الزمن غير ثابت:
من الأمور المهمة التي أثبتتها نظرية أنشتاين عملياً هي أنّ الزمن ليس ثابتاً أو مطلقاً على هذه الأرض، وبطبيعة الحال أقل ثباتاً وغير مطلق تماماً في أرجاء هذا الكون الرحب الواسع. ولإعطاء مثال بسيط على أنّ الوقت ليس ثابتاً على هذه الأرض نقول: لو أنّ شخصين يتكلّمان في وقت واحد مع بعض "بالتليفون" أحدهما في لندن مثلاً والآخر في نيويورك، أحدهما يتكلم في وقت الظهر في لندن، يتحدث مع زميله في نيويورك وهو لا يزال غير مستيقظ من نومه في الصباح الباكر (عند الساعة السابعة صباحاً) أو مع زميل آخر يتناول طعام عشائه في طوكيو، مع العلم أنهم جميعاً يتكلمون في وقت واحد (بالتليفون).
إنّهم في الحقيقة يتكلمون مع بعض في وقت نسبي واحد ولكنه غير مطلق، إذ إنّ كل واحد منهم يتكلم في أوقات مختلفة في مكانهم "وليس في زمانهم"، وهنا دخل عامل الزمن إلى المكان "زمكان Space-Time"، وأحدث التغيير البسيط لفهمنا للوقت.
وعملية عامل الزمن تزداد شقةً وبعداً كلما ابتدأنا بالتنقل باتجاه الكون، حيث الكواكب والنجوم والشموس والمجرات التي تلفّ وتحيط بنا، وكلما ابتعدنا عن الأرض زادت هذه الفروق في الوقت، وزاد تأثيره، وأصبح له أهمية أكثر نسبية.

- وجود عدة أزمنة:
إنّه إضافة لعدم وجود زمانٍ مطلق على هذه الأرض وفي هذا الكون، فإنّه توجد أزمنة مختلفة على أسطح الكواكب التابعة لمجموعتنا الشمسية في مجرتنا، وفي الكواكب الأخرى والنجوم الموجودة في آلاف المجرات الأخرى التي لم يتمكن العلم من الكشف عنها لحدّ الآن.
إنّ الزمان الذي نحس به على وجه الأرض، ونتعايش معه من ثانية ودقيقة وساعة ويوم وشهر وسنة نتيجة لحركة الأرض حول نفسها (15) درجة بالساعة ومرة واحدة (360) درجة باليوم، وحول الشمس مرة واحدة بالسنة، ولكن هذه الأوقات ليست نفسها، وليست ثابتة في الكواكب الأخرى، فمثلاً، يوم عطارد Mercury يبلغ 59 يوماً من أيام الأرض، وسنته 88 يوماً، أما يوم الزهرة Venus فأطول من سنتها، حيث يبلغ (243) يوماً من أيام الأرض وسنتها تبلغ 224 يوماً. وأقرب يوم من أيام الكواكب لأيام الأرض هو يوم المريخ، حيث يزيد فقط 37 دقيقة عن يوم الأرض، أما سنته فتبلغ ضعف سنة الأرض. وأما أيام الكواكب البعيدة عن الشمس فتبلغ ساعات فقط من ساعات الأرض. فيوم المشتري Jupiter يبلغ 9 ساعات و55 دقيقة، ويوم زُحَلْ Saturn يبلغ 10 ساعات و40 دقيقة، وسنيّ هذا الكوكب تبلغ عدة سنين تزداد بازدياد بعدها عن الشمس بطبيعة الحال، حتى تصل السنة في أبعدها وهو بلوتو 250 سنة. إذن يتضح لنا مما ورد أنّ هناك أوقاتاً وأزمنة مختلفة في هذا الكون الملموس لحد الآن بهذه الأبعاد الأربعة، والتي استطاع الإنسان أن يكتشفه لحد الآن، وهذه الأزمنة تختلف عن أوقات هذه الأرض، وقد تكون هذه الأوقات أطول أو أقصر من فترات الزمن والوقت على هذه الأرض.

- هل توجد أزمنة وأمكنة وأبعاد أخرى:
لقد عرفنا بمجرد استيعابنا "للبعد الرابع" أنّه توجد أزمنة وأوقات نسبية في أبعاد الكون "المرئي" لحد الآن، فماذا يكون الحال إذا ازدادت الأبعاد الأربعة أكثر من ذلك، وتغير الوقت والزمن إلى وقت آخر قد يكون البعد "الخامس" المجهول من قبل الإنسان، وهو عالم "ما بعد الموت"، وعالم البرزخ، ويتجاوز ذلك ما بعده إلى البعد السادس أو السابع أو أكثر من ذلك في أيام الآخرة وبعد قيام الساعة، حيث قطعاً سوف تكون الأوقات والأزمنة والأبعاد كلها مختلفة، وعلى الأقل فإنّ يوماً كيوم القيامة يشير إليه القرآن الكريم حيث يقول: (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) (المعارج/ 4)، وإنّ بعض أيام ربك تبلغ ألف سنة مما نعد نحن هنا أبناء الدنيا على هذه الأرض (.. وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) (الحج/ 47)، وإنّ الأبعاد التي سوف يعيشها الإنسان المؤمن تفوق المعروفة لديه، وتزيد عن استيعابه وإدراكه (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأرْضِ) (الحديد/ 21)، أو أنها تستوعب كل السماوات والأرض أي كل هذا الكون المنظور لحد الآن من قبل العلم الحديث (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ) (آل عمران/ 133)، إذاً إنّ هناك أبعاداً أخرى أكثر من هذه الأبعاد الأربعة لم يتمكن الإنسان لحد الآن من استيعابها لأنها تعود إلى عوالم أخرى خارجة عن نطاق عالمه الآن. وكذلك هناك أزمنة أخرى في هذه العوالم تختلف عن الأزمنة التي نتعامل بها نحن الآن، وهذه الأزمنة قد تكون بمقدار خمسين ألف سنة مما نعدّ، وقد تكون نوعاً آخر بمقدار ألف سنة مما نعد هنا على وجه الأرض، هناك أخرى لا نعلمها يعلمها خالق السماوات والأرض، وكما يتضح من الآية الكريمة (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ) (آل عمران/ 133)، إنّ هناك عوالم أخرى تسع كل هذا الكون الرحب الواسع، الذي يصل بعده بلايين السنين الضوئية، وتفوقها سعة ورحابة، وقد اتضح لعلماء الفلك والفيزيائيين الآن أنّ الكون الفسيح المرئي والمقدّر بالأجهزة والتلسكوبات وأجهزة قياس الأشعة الضوئية والصوتية كافة يسبح في عالم فسيح آخر أو بما يسمونه فراغاً فضائياً أكبر، يفوق قدرات الإنسان في تقديره.

- تخطّي سرعة الضوء:
حاول الإنسان بكافة الوسائل الحديثة لديه أن يزيد من سرعة تنقّله وتحركه من الوسائل البدائية للتنقل على ظهور الجمال والأنعام إلى أن وصل سرعة السيارة والطائرة والصاروخ، فبعد أن استغرق ماجلان مثلاً في القرن الخامس عشر ثلاث سنوات للدوران حول الأرض، فإنّ الإنسان قد وصل القمر في فترة ثلاثة أيام حيث اخترق مسافة تفوق محيط الأرض بـ تسع مرات ونصف (9.5) ليس في ثلاث سنوات وإنما في ثلاثة أيام، أي بسرعة تصل 3500 مرة بقدر السرعة الماضية. وهذه السرعة للوصول للقمر لم تصل سوى 1.5 كم بالثانية، ولو فرضنا أنّ الإنسان يستطيع أن يضاعف هذه السرعة 3500 مرة أخرى خلال القرن الآتي مثلاً، فإن سرعة الصواريخ والمركبات الفضائية سوف لن تصل سوى 5.250 كم في الثانية، وبهذه السرعة سوف لن توصلنا لأقرب النجوم إلينا وهو نجم ألفا ALPHA CENTURI إلا بعد مرور 250 سنة، والآن، لو فرضنا أنّه يمكن زيادة هذه السرعة 3500 مرة أخرى في مدة قرن، فإنّه سوف يصل سرعة 18 مليون كم في الثانية، وبهذه السرعة التي تفوق سرعة الضوء (60) بستون مرة، فإنّه سوف يصل أقرب النجوم إلينا في أربع أسابيع، ولكن السؤال هل يمكن التوصل إلى هذه السرعة: الجواب إنّ ذلك مستحيلٌ على مستوى الأبعاد الأرضية والكون الذي نعيش فيه. إنّه لا توجد في هذا الكون سرعة أكثر من سرعة الضوء (التي تصل 2999792 كم في الثانية)، وهذا ما توصل إليه ألبرت أنشتاين (1879-1955) في نظريته النسبية. ومع ذلك فإنّ النور الذي يسير بهذه السرعة البالغة سوف لن يصل إلينا من الشمس إلا بعد مرور 8 دقائق على صدوره منها، وسوف لن نرى أي تغيير في أقرب النجوم إلينا وهو نجم ALPHA CENTURI إلا بعد مرور أربع سنوات وثلث السنة (4.3)، ولن نرى أي تغيير في نجمه Arctus إلا بعد مرور 40 سنة. وسوف لن نرى أي تغيير في النجوم والشموس والمجرات التي تبعد عنا آلاف بل ملايين السنين الضوئية، وسوف لن نرى أيّ تغيير يحدث في مجرة Andromedia إلا بعد مرور مليونين وثلاث مئة ألف سنة. وهناك نجوم ومجرات أبعد من ذلك بملايين ملايين السنين. وبالأحرى إنّ ما نراه الآن من هذه النجوم هو في الحقيقة ماضيها السحيق في القدم، ويتضح لنا من هذه الأبعاد، الماضي السحيق لخلق الكون وقدم الخالق وعظمته.
هذا إذا بقيت هذه النجوم والمجرات في مكانها دون أن تتحرك وتبتعد عنا بسرعة أخرى هائلة ورهيبة باتجاه معاكس، وهذا التوسّع في الكون الرحب قد أمكن إثباته عملياً بعدة وسائل علمية حديثة، منها طريقة قياس الضوء الآتي منها إذا ازداد احمراراً مثلاً، فإنّ معنى ذلك أنّ هذه النجوم تبتعد عنا بشكل مضطرد، وقد درس العالم الفيزياوي الفلكي الانكليزي ادوين هوبل Edwin Hubble (1889-1953) هذه الظاهرة ووضّح حدودها.
لقد أمكن إثبات توسّع الكون بشكل عملي في هذا القرن بعد أن تحدث القرآن الكريم قبل 1400 سنة حيث يقول عزّ من قائل في محكم كتابه: (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) (الذاريات/ 47).

- الاقتراب من سرعة الضوء:
من الأمور الغريبة الأخرى التي أوجدتها نظرية أنشتاين أنّ الاقتراب من سرعة الضوء يؤدي إلى ازدياد حجم كتلة المادة المتحركة، وهذا يعني أنّ الكتلة يصل حجمها "إلى ما لا نهاية" عندما نقترب من سرعة الضوء، ووضع بذلك معادلته المعروف E = MC²، وهذا الازدياد في الحجم بالطبع سوف يؤدي إلى تقليل سرعة الكتلة المتحركة، والتوقّف بعد ذلك. هذه الظاهرة لم يمكن إثباتها بشكل عملي، لعدم التوصّل لهذه السرعة العالية، ولكن أمكن إيجادها على مستوى الأجزاء الصغيرة للذرات في داخل أجهزة خاصة تُدعى بالمسرّعات Accelators، حيث يتم إطلاق الالكترونات وأجزاء الذرة الصغيرة من خلال ممرّ طويل جدّاً مفرّغ من الهواء.

- هل توجد مواد أخرى؟
والآن دعونا نتخيل وجود مواد أخرى وقطعاً هذه موجودة في أبعاد أخرى من هذا الكون، أو في أكوان وعوالم أخرى، أو بالأحرى في أبعاد أخرى غير الأبعاد الأربعة المعروفة، وإنّ هذه المواد لها من الكتلة أدق من الكتل الحالية. ويمكن وضعها من ضمن الأرقام الخيالية التي تدعى بالرياضيات Imaginary Numbers، فعند استعمال هذه الأرقام في معادلة أنشتاين التي تطرقنا إليها فسوف نصل إلى نتيجة أنّ هناك مواد يمكنها أن تسير بسرعة دوماً أسرع من الضوء، وباتجاه المالانهاية. وقد اقترح وجود هذه المواد من قبل علماء الفيزياء الأميركان، بيلانوك وديشباندي وساندرسن في سنة 1962، وقد دعيت هذه المواد فيما بعد من قبل العالم الفيزياوي الأمريكي جيرالد فنبرك باسم Tachyon "وتعني بالإغريقية المواد المسرعة" ولو أمكننا أن نحوّل المواد الاعتيادية التي نحسّ بها إلى Tachyon فإنّها تسرع فوراً، وتجتاز سرعة الضوء بشكل فوري، أما إذا أمكننا إرجاعها من جديد إلى المواد الاعتيادية المتكوّنة منها الذرة، فإنّ سرعتها سوف تتباطأ بشدة حتى تصل الاستقرار، بعد أن اجتازت مسافات شائعة خلال ثوانٍ قليلة. وبطبيعة الحال لم يمكن التوصل إلى مثل هذه المواد، وهي خارجة عن نطاق العلم البشري وقدراته حتى في المستقبل المنظور.
كما أنّ هناك مواد أخرى من الصغر بمكان، ومن الوزن القليل بمكان، تدعى بالنيوترينات Neutrino والتي تتكوّن بدورها من أجزاء أصغر بكثير منها تدعى بـالكويرك Qurks، هذه المواد يمكنها أن تخترق أي جسم أو حاجز، بل إنّ لها الاستطاعة أن تخترق الأرض من طرفها إلى طرفها الآخر "يخترق قطرها"، أو حتى النجوم أو الشموس دون أن تتأثر بها أن يتبدل وزنها وسرعتها. وقد تمكن بعض العلماء الفيزياويين الجدد مثل د. شيرمان وج. ستيغمان في سنة 1988 باستعمال أدقّ الأجهزة الالكترونية المعروفة بـAccelators التي تمتد لعدة كيلومترات تحت الأرض من اكتشاف مواد ذوات أنوية والكترونات وذرات تختلف عن المواد المرئية الاعتيادية، ولكنها بشكل آخر لا تستطيع مادتها الثبات إلا خلال أجزاء من المليون من الثانية، وتتحول بسرعة إلى المواد المرئية.

- من أيّ مادة خلقت الروح؟
والآن يتبادر إلى ذهننا هذا السؤال، من أي مادة قد خلقت منها الروح؟ (ولو كان علمها عند ربي)، ومن أيّ مادة خلقت الملائكة، وكذلك الجن، الذين يؤكد القرآن الكريم خلقهم من النار (وقد تعني أنها متكونة من الطاقة)، وقد يكون الجواب على مثل هذه التساؤلات أنها مخلوقة من موادّ وذرّات تختلف عن الذرات والمجموعات المرئية، وأنها قد تكون مخلوقة من هذه المواد التي ذكرناها، أو من أنواع أخرى قد خلقها الباري عزّ وجلّ وفي أبعاد أخرى من هذا الكون الرحب الفسيح، ولو تدبّرنا الآية القرآنية الكريمة من سورة المعارج التي ذكرناها والتي تتناول مسألة عروج الملائكة والروح إلى الملأ الأعلى بسرعة بالغة في خلال يوم واحد. هذا اليوم هو في تقديرنا نحن أهل الأرض خمسون ألف سنة حيث تقول الآية القرآنية في سورة المعارج رقم 4 (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ)، ولو حسبنا سرعة الروح والملائكة التي تخترق السماء بهذه السرعة في يوم واحد في حساب أهل الأرض، فإننا سوف نجد أنهم يسيرون بسرعة تتجاور سرعة الضوء بـ(60) مرة، أي بمقدار 18 مليون كم في الثانية، وهذه السرعة كما رأينا فوق تصور الإنسان وطاقته، كما توصلت إليه النظرية النسبية وعلى مستوى هذا الكون (الذي له الأبعاد الأربعة التي ذكرناها)، وأيضاً خارج عن مستوى المادة الاعتيادية لهذا الكون، وهذا من الشيء الطبيعي لأنها إما أن تكون مخلوقة من مادة الروح أو المادة المخلوقة منها الملائكة وهي مادة أخرى شبيهة بالروح، أو من المواد القريبة منها نفسها والله أعلم بها هو خالقها وبارئها.
وقد رأينا أنّ مواد أخرى هي في مستوى الرياضيات، وعلى مستوى العلم القليل (الذي علم به الإنسان) مثل الكويرك أو النيوترينات أو التاكيونات التي تسير فوراً بعد تحويلها من المادة العادية، وتصل إلى هذه السرعة البالغة التي تكون أسرع من سرعة الضوء وإلى سرعة المالا نهاية (فسبحان الخالق المدر المبدع) وقد يعرج إليه تعالى من قبل كائنات أخرى غير الروح والملائكة بسرعة أكثر قليلاً من سرعة الضوء، حيث يقول الباري عزّ وجلّ في سورة السجدة الآية 5 (ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ).

- النتيجة:
اتضح لنا مما سبق أنّه بمجرد فهمنا للزمن والوقت على هذه الأرض تفتحت لنا أبعاد أخرى من المعرفة والآفاق الجديدة من العلوم والامكانيات بحيث أوصلتنا إلى القمر، وإلى تفهّم أنّ الوقت (أو الزمن) غير ثابت على هذه الأرض وفي أرجاء الكون، واتضح لنا وجود أبعاد أخرى، وأزمنة وسرعات مختلفة لمواد أخرى جديدة قد اكتشفها العلم، ومواد أخرى لم تزل مجهولة منه ولا يعلم بسرّها إلا بارئها وهو علام الغيوب وهو (أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) (الإسراء/ 55)، وإنّه سوف يرينا آياته في الآفاق وفي أنفسنا، ومما لا نعلم، حتى يتبين لنا أنّه هو الحق وأنّه علام الغيوب.

المراجع:
1- القرآن الكريم.
2- تفسير الميزان، للسيد الطباطبائي.
3- المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، لمحمد فؤاد عبدالباقي.
4- Joy of Knowledge Encyclopedia.
5- Guy Murchie, 1978, The Seven Mysteries of Life. Rider, Hutchinson of London.
6- Isaac- Asimov, 1982, Exploring The Earth and The Cosmos. Allen Lane, London.
المصدر: مجلة نور الإسلام/ العددان 23 و24 لسنة 1992م

تعليقات

  • 2022-07-17

    امير حسن عبد الرضا

    بارك الله بك بهاذة المقالة وتوضيح للعالم مدا اهمية كتاب الله كتاب السماوات ولارضي

ارسال التعليق

Top