• ٦ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

السياسيون متى يخشون الإعلام ولماذا؟!

علي حسين عبيد

السياسيون متى يخشون الإعلام ولماذا؟!

لم يكن أمراً إعتباطياً أن ينال الإعلام تسمية (السلطة الرابعة)، وليس هناك مَن هو صاحب فضل عليه فأغدق عليه هذه الصفة من دون أن يستحقها، بل يتفق جميع المعنيين بأنّ الإعلام بمواصفاته الحقيقية، كالجرأة والصدق والنزاهة والدقة والمخاطرة وما شابه، قد نال سلطته الرابعة بقدراته المتميزة ودوره الكبير في الرصد والتأثير والتصحيح للمسارات الخاطئة سواء في مجال السياسة وصنع القرارات الهامة أو في المجالات الحياتية الأخرى المتشعبة.
وحين نقول أنّ الإعلام سلطة مستقلة بذاتها فإنّنا لا نقصد التعالي البيروقراطي الذي قد يصيب بعض المؤسسات الإعلامية غير المحصنة ضدّ الغرور وضدّ النفعية البراغماتية التي توجه مساراتها، ولا نقصد أيضاً تلك المؤسسات الإعلامية التي تضع نفسها في خدمة الحاكم أو السلطة التنفيذية في هذه الدولة أو تلك فتصبح أداة طيعة تخدم أهداف السلطة الحاكمة أكثر مما تخدم مهنتها.
بل ما نعنيه هو الإعلام الذي يستحق فعلاً صفة (السلطة الرابعة) التي قد تضاهي السلطات الأخرى، بل تتفوق عليها أحياناً لاسيما في الدول ذات الأنظمة الديمقراطية الراسخة، حيث يتحكم الإعلام بالرأي العام الذي يتحكم بدوره بجميع السلطات بما فيها السلطتين التنفيذية والتشريعية وغيرهما.
من هذه النقطة بالذات يُطرح التساؤل التالي: متى يخشى السياسيون الإعلام وما سبب هذه الخشية التي غالباً ما تربك العلاقة بين الطرفين وتُسهم في الاشكالية التي تعتري علاقة السياسي بالإعلامي.
وللاجابة عن هذا التساؤل ينبغي أن نتذكر ونعترف بأن مقومات التعامل بين الساسة والمؤسسات الإعلامية أقرب للاكتمال من غيرها في ظل أنظمة الحكم الديمقراطية المستقرة، على عكس الأنظمة الشمولية أو تلك التي لا تزال تحبو كالوليد الصغير على جادة التحرر والبناء الديمقراطي، حيث تأخذ هذه العلاقة خطاً بيانياً متذبذباً بين النجاح والفشل.
ولكن لعلنا لا نأتي بجديد حين نقول بأن (السياسي النزيه) والذي يؤدي عمله بكفاءة عالية سيكون في موقع المتمكن الذي لا يخشى الإعلام أو غيره، فهو محصن ضد الاختلاس وله نفس قنوعة متعففة ويحمل من الإيمان ما يجعله بعيداً عن الدناءة التي تهبط به إلى التجاوز على المال العام، هذا من ناحية.
وهو من ناحية أخرى متسلح بأداء عملي ناجح ومتوازن، فلا غبن ولا ظلم ولا رشوة ولا محسوبية ولا تفضيل لأحد دون غيره إلاّ بما يستحق من المباركة والتحفيز، ويكون الضمير والكفاءة العملية هما الركيزتين اللتين يستند إليها السياسي النقي في جميع أنشطته المتعلقة بطبيعة أعماله ومهامه.
من هنا لن يخشى مثل هذا السياسي لا الإعلام ولا غيره، على خلاف (السياسي الفاسد) الذي يصبح الإعلام المهني النزيه عدوّاً لدوداً له، فهو إمّا أن يمارس عملية التهرب والاعتذار من مواجهة الصوت الإعلامي الذي سيكشف تورطاته إلى الملأ، وإمّا أن يستخدم نفوذه فيعتدي على الإعلاميين ويضيق الخناق عليهم وقد يصل الأمر إلى التهديد بل التصفية أحياناً، غير انّه في كلا الحالتين لن يتخلص من سلطة الإعلام، بل ستزداد عليه الأضواء ويصبح مكمن إثارة دائمة لقنوات الإعلام المتنوعة التي تلتزم المهنية والنزاهة والصدق في عملها، فتكشفه وتعريه للآخرين وهذا هو سر الخشية التي يعاني منها السياسيون الفاسدون وهو أيضاً سر العدواة التي يكنونها للإعلام المهني الحر.
وهكذا أصبح بمقدورنا معرفة سبب تخوّف الساسة من الإعلام (ليس كل أنواع الإعلام بطبيعة الحال)، إذ هنالك الإعلام المحابي الذي يستلم ثمن أتعابه مقدماً من الجهة المستفيدة، ولعل (المودة) التي كانت ولا زالت منتعشة والمتمثلة بتأكيد الساسة الدائم على عرض الجانب المشرق من أنشطتهم تشكل مثلبة على الاعلام المهني الحر وتنتقص من نزاهته وتسلب منه (سلطته الرابعة) التي تضاهي السلطات الأخرى وتفوقها أحياناً.
ومن أجل تجاوز الإشكالية العلاقاتية بين الساسة والإعلام، نطرح ما نراه مساعداً على تنقية الأجواء العملية بين الطرفين وكما يلي:
- أن تتسلح مؤسسات الإعلام بالمهنية والنزاهة العالية التي تساعدها على أداء دورها بالصورة المطلوبة.
- أن تسهم الحكومة في دعم الإعلام من حيث الاستقلالية والكف عن تجيير الصوت الإعلامي لصالحها.
- أن تُشرّع القوانين المطلوبة من الجهات التشريعية لضمان حيادية ومهنية ونزاهة عمل الإعلام بأنواعه كافة.
- أن تراقب مؤسسات الإعلام عناصرها من ذوي القصور في ممارسة العمل الإعلامي وحرمته ونزاهته وأن تعاقب من يستحق بالطرد الفوري.
- أن يعمل الطرفان السياسي التنفيذي والإعلام على تنقية أجواء العمل من خلال النزاهة والمهنية لكلا الطرفين.
- أن يبقى الإعلام (في حال مهنيته ونزاهته) رقيباً مستمراً وضوءً كاشفاً للساسة الفاسدين من أجل فضحهم أمام الملأ بالأدلة والقرائن.
وبهذا نكون قد حققنا منظومة علاقاتية ناجحة ومستقرة بين سلطة الإعلام من جهة وبين نظام ديمقرطي مؤسساتي يقوم على مبدأ فصل السلطات من جهة ثانية.

ارسال التعليق

Top